كنت ومازلت أعتقد بأن التغيير الحقيقي والمنشود في كردستان بعد مضي 18 عاما على تشكيل أول كيان كردي مستقل وإنبثاق برلمان وحكومة الإقليم يكمن في تداول السلطة بين الحزبين، والذي أعتبره ركنا من الأركان الأساسية لأي عملية ديمقراطية. وقد عارضت مرارا في كتاباتي السابقة صيغة المناصفة في إدارة الحزبين للسلطة والبرلمان،كذلك كنت منذ بدايات توقيع الإتفاق الإستراتيجي بين الحزبين ( الإتحاد الوطني بزعامة طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني) ضد إدارة السلطة والبرلمان بالشكل التحالفي القائم الآن،حيث يسيطر الحزبان المتحالفان على مقدرات الإقليم أرضا وسماءا.

وكنت ومازلت على قناعة تامة بأن العملية الديمقراطية العرجاء في كردستان لن تستقيم مادام الحزبان يديران الحكومة والبرلمان بالشكل التوافقي الحالي،مثلما عارضت مبدأ التوافق العراقي منذ بداياتها، فالديمقراطية الصحيحة عندي هي التداول السلمي للسلطة وفقا للنتائج الإنتخابية، وليس رمي أصوات الناخبين في الزبالة والشطب على إرادتهم وإختياراتهم والإستعاضة عنها بإتفاقات quot; إستراتيجيةquot; هي في الغالب الأعم quot; تكتيكيةquot; لاتخدم سوى مصلحة الحزبين الحاكمين للإقليم الى أبد الآبدين.

لعل من أهم أسباب تفشي الفساد الفظيع وبذلك الحجم الكبير الذي أفسد الهواء والماء في كردستان، هو غياب الرقابة لأعمال الحكومة، ومحاسبتها على كيفية التصرف بأموال الإقليم،ففي ظل تسيد الحزبين على البرلمان والحكومة، فإنهما يستحوذان على كل الخيرات، ويتصرفان بها أنى شاءا، وفي هذا الحال لن يكون هناك صوت معارض فيما عدا الهمسات الصادرة والمرعوبة أصلا عن بعض الصحف الحرة داخل الإقليم، ولو كان بيد السلطة في كردستان لخنقت حتى تلك الهمسات، ولكن عين العالم التي ترقب الإقليم يحول دون ذلك والحمدلله على كل نعمه.

إذن التغيير كان مطلوبا، ولكنه أصبح اليوم أكثر إلحاحا خصوصا مع إغراق الإقليم في الفساد السرطاني الذي ينخر جسده الهزيل، ومن هنا فقد كان الحديث عن تغيير الحكومة وترشيح الدكتور برهم صالح لرئاستها المقبلة بمثابة إنتعاش أمل الجماهير بقرب التغيير المنشود.
ولكن ترشيح صالح للمنصب لم يتأكد بعد رغم أن المتحدث الرسمي باسم المكتب السياسي للإتحاد الوطني والعديد من أعضائه قد أكدوا على ذلك، الى جانب تصريحات رئيس الحكومة الحالي نيجيرفان بارزاني للشرق الأوسط الذي أكد بدوره ترشيح برهم للمنصب.

وبدأ الفأر يلعب بعبي عندما وازنت بين التصريحات المتناقضة التي تطلق هنا وهناك حول هذه المسألة الجوهرية والمهمة فيما يتعلق بالعملية السياسية الجارية في كردستان.
فقد أكد نائب الأمين العام للإتحاد الوطني كوسرت رسول علي في تصريحات نقلتها الشرق الأوسطquot; أن صالح هو المرشح الأوفر حظا لشغل منصب رئيس حكومة الإقليم، وأن laquo;هذا الترشيح لم يتحول إلى قرار رسمي حتى الآن لكننا نرى أن صالح هو المرشح الأقوى لمنصب رئيس حكومة الإقليمquot;؟؟!!.
وبالمقابل فإن نيجيرفان بارزاني رئيس الحكومة الحالي يتوقع في لقاء مع نفس الجريدة أن تحدث مفاجئات معينة قد تغير الخرائط السياسية في الإقليم، ويقولquot; المفاجآت في العراق كثيرة ونتوقع حدوث أي شيءquot;؟؟!!..

لقد أشار كوسرت في حديثه الى الشرق الأوسط الى تنازل سابق من طالباني قبل عامين عن تسلم حكومة الإقليم وفقا للإتفاق الإستراتيجي، وقالquot; هذا الاستحقاق الذي كان قد تنازل عنه طالباني بوصفه الأمين العام للاتحاد قبل عامين لصالح بارزاني laquo;من أجل أن يستكمل مشاريعه وخططه وأن يأخذ الوقت الكافي لتنفيذ هذه الخططraquo; على حد قرار طالباني وقت ذاكquot;.
ولو تمعننا في هذه الكلمات فلماذا لا يجب علينا أن نتوقع معاودة طالباني بالتنازل عن المنصب لبارزاني مرة أخرى، طالما أن مبدأ التوافق بين الحزبين أصبحت اليوم من المقدسات السماوية التي لا يمكن التفريط بها، حتى أنهما quot; الإتحاد والديمقراطيquot; يعزفان على هذا الوتر في حملاتهما الإنتخابية في كل لحظة ودقيقة.
لست أبني رأيي هذا من فراغ أو بناءا على إحتمالات إفتراضية، بل سأدعمه ببعض النقاط التي أود من القاريء أن يتمعن بها قبل إطلاق أي رد فعل تجاه هذا المقال.

أولاquot; يدرك الحزبان quot; الإتحاد والديمقراطيquot; المدى التي وصل إليها التذمر والغضب الشعبي من حكمهما، حتى بات البعض يتحدث عن إرتفاع حظوظ القوائم المنافسة لمجرد أنها ترفع شعار التغيير، ولعل تسمية برهم صالح وهو أحد المعروفين بعدم تورطه في عملية الفساد المستشري في الإقليم يهدف الى سحب البساط من تحت أقدام تلك القوائم المنافسة، بإعتبار برهم الشخصية الأكثر قبولا على المستوى الشعبي من جميع قادة الإتحاد الوطني في مناطق نفوذ الحزب في السليمانية من حيث كونه رجل تكنوقراط أجاد دوره أثناء ترؤسه لرئاسة الحكومة في السليمانية وقدم العديد من الإنجازات أثناء فترة حكمه.

ثانياquot; أن مشكلة الإتحاد الوطني مع الإنتخابات المقبلة تكمن في ظهور منافسة قوية له داخل منطقة نفوذه في السليمانية، وطرح إسم برهم وهو من أبناء المدينة كمرشح متوقع لتسلم السلطة في الإقليم قد يؤدي الى سحب الأصوات التي تريد الذهاب الى القوائم المنافسة في الإنتخابات القادمة.

ثالثاquot; إن عدم حسم الترشيح لصالح برهم وإبقائه الى ما بعد الإنتخابات قد يشي بحدوث تلك المفاجئة التي توقعها السيد نيجيرفان بارزاني، فليس مستبعدا أن يعاود طالباني تقديم تنازل آخر لصالح بارزاني بعد الإنتخابات القادمة، وقد يتحجج طالباني بنفس الأعذار التي ساقها قبل عامين وهي quot; أن بقاء برهم في بغداد أفضل لمصلحة الشعب الكردي حيث هناك ملفات مازالت عالقة مع الحكومة المركزية بحاجة الى خبرته وعلاقاته السياسية في بغداد،وأنه هو الأفضل لتحقيق بقية المطالب الكردية،وبالمقابل فإن نيجيرفان بارزاني قدم منجزات كثيرة للإقليم وأن له خططا لم يستكملها بعد ويفترض أن نعطيه مهلة أخرى لإستكمالهاquot;؟؟!.

هذه الإحتمالات واردة خصوصا إذا عقد طالباني العزم على ترشيح نفسه لرئاسة الدولة العراقية لولاية ثانية، لأنه بالتأكيد سيحتاج الى دعم حزب بارزاني عبر التحالف الكردستاني لضمان فوزه مرة أخرى بالمنصب داخل البرلمان العراقي، وبناءا على ذلك ليس مستبعدا أن يلجأ طالباني الى مقايضة منصبه بإبقاء رئاسة حكومة الإقليم لولاية أخرى بيد حزب بارزاني. رغم أن كوسرت قد أشار في تصريحه المنوه عنه أعلاه الىquot; أن قواعدنا تطالبنا وتضغط علينا من أجل نيل استحقاقنا،هذا الاستحقاق الذي كان قد تنازل عنه طالباني quot;.

فإذا حدث ذلك فإن طالباني يكون قد دق المسمار الأخير في نعش حزبه بكل هذه التنازلات لغريمه التاريخي، وسيتحول أمل التغيير الحقيقي المنشود الى هباء منثور والى مجرد دعاية إنتخابية مضللة؟؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]