لا ندري بالضبط فيما إذا كان النقاش ذاك الحاد، وتلك السجالات الحامية الدائرة حالياً فيما بين الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، والجانب الإسرائيلي بشكل عام، تحمل جدية حقيقية، أم هي، وكالعادة، من قبيل تبادل الأدوار وامتصاص حدة الحنق والغضب العربي في تلكؤ الإدارات الأمريكية المتعاقبة من تحقيق أي إنجاز على صعيد حل الصراع العربي الإسرائيلي. لكن، وعلى العموم، فإن تلك النقاشات تأخذ طابعاً جديداً، وغير تقليدي، لم نعتده فيما بين الإسرائيليين والأمريكيين الذين يتمتعون، وبشهادة جميع المراقبين، وبشكل خاص، quot;مأذونquot; الجامعة العربية، بزواج سياسي كاثوليكي مديد لا تنفصل عراه إلا بموت أحد الطرفين والوفاة، وهذا لا يبدو قريباً مع تمتع الطرفين بالقوة. فقد عبـّر الرئيس باراك أوباما عن رغبته، وأكثر من مرة، في وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وأبدى اعتراضاً لافتاً على ما سمي بـعملية quot;النمو الطبيعي الـ Natural Growth للمستوطنات القائمة وسط جدل حاد ومضن حول الموضوع. وقد عبـّر علناً عن هذا الأمر في أكثر من تصريح إعلامي مؤخراً.

فقد قال أوباما في تصريحات، ولهجة غير معهودة من جانب الأمريكيين في معرض تعليقه على التساجل الخاص بقضية الاستيطان، وجاء ذلك في تقرير لإيلاف من واشنطن صرح فيه الرئيس في مقابلة مع الراديو الوطني العام: quot;كون المرء مستقيماً، يعني أنه جزء من كونه صديقاً جيداً. وأعتقد بأنه قد مرت أوقات لم نكن فيها مستقيمين كما يجب فيما يتعلق بهذا الاتجاه الراهن، فالمسار الحالي في المنطقة هو سلبي على نحو فظيع، ليس على صعيد المصالح الإسرائيلية وحسب، ولكن الأمريكية، أيضاً. وعلينا استعادة الإيمان الراسخ بقدرة المفاوضات على تحقيق السلام. وقد قلت بأن تجميد المستوطنات هو جزء من ذلكquot;. والتلميح، هنا، واضح، طبعاً، ولا يقبل التأويل.

وأضاف في مقابلة أخرى مع الراديو الوطني العام: quot; إن حل الدولتين يقضي بأن كل طرف، الفلسطيني والإسرائيلي، يجب أن يفي بالتزاماتهquot;، وأضاف في نفس المقابلة مع الراديو التي بثت يوم الاثنين. quot; لقد قلت بوضوح متناه للإسرائيليين، وبشكل سري وعلني، بأن تجميد الاستيطان، بما فيه quot;النمو الطبيعيquot;، هو جزء من تلك الالتزاماتquot;.

وفي تناغم يبدو متماثلاً فيما بين أجنحة الإدارة الديمقراطية، ويعكس الخطوط العامة لسياسة إدارة الرئيس أوباما، قال جورج ميتشل، المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، في معرض تعليقه على اجتماع جرى هذا الأسبوع في نيو يورك مع وزير الدفاع الإسرائيلي: quot;إن موقفنا لم يتزحزح قيد أنملة، وهم يعلمون بذلك. نريد منهم أن يوقفوا أنشطتهم الاستيطانيةquot;. لا بد أن المرء يلحظ نبرة جديدة وغير معهودة في هذه التصريحات، والمواقف. ولا بد أنها ستعتبر، بعد ذلك كله، انقلاباً جذرياً، وثورة إذا ما قورنت بما كان عليه الحال في السابق، ولاسيما في عهد إدارة الرئيس بوش، التي اتسمت بالتسويف وquot;المغمغةquot;، الكلامية والمماطلة الدبلوماسية، ووالتنويم بشكليه الطبيعي والمغناطيسي، لشعوب وحكومات المنطقة.

كما أن الحفاوة التي استقبل بها أوباما في السعودية، وتوجيهه خطاباً، غير مسبوق اليوم من جامعة القاهرة للعام الإسلامي، والتودد الظاهر الذي أبداه حتى الآن تجاه العالم الإسلامي، ودغدغة مشاعر العالم العربي والإسلامي، ولاسيما منذ إرسال تلك الرسالة المتلفزة لإيران في عيد رأس السنة الفارسية، كلها تقتح عليه quot;العيون الحمراءquot;، للوبيات الضغط المختلفة في واشنطن وتل أبيب، وتثير تساؤلاتهم، وما يزيد في احمرارها، ما يقال عن أصله المسلم وانحداره من تلك البيئة الإسلامية الكينية في قلب أفريقيا، ناهيكم عن تلك الأوزان والتأثيرات الملحوظة للجماعات اليمينية المتطرفة، والعنصرية التي لم تبتلع، ولا يمكن أن تهضم حتى لو ابتلعت تلك الوقائع الفاقعة والمستحدثة على صعيد السياسة الأمريكية، والتي ndash;الجماعات- ما زال لها باع طولى في دوائر وأوساط أمريكية، لا يمكن التقليل من شأنها على الإطلاق، إذا ما أجدنا قراءة خرائطها وإحداثياتها بشكل جيد؟

وعلى الجانب الآخر من التهديدات التي تعتري مسيرة أوباما السياسية، يأتي التهديد الإرهابي واستعار أوار الحرب في باكستان وأفغانستان، وإمكانية استثمار ذلك من قبل الجماعات السياسية، إياها. إذ تأتي تصريحات بن لادن بالأمس، التي تزامن مع زيارة أوباما، وبغض النظر عن طابعها الإعلامي البحت، لتصب في هذا الإطار، ولا بد أنها تعكس، وبطريقة أو بأخرى، جانباً مما يمكن أن نطلق عليه التفكير العام السائد في العالمين العربي والإسلامي، واستغلاله من قبل الجماعة الإرهابية الدولية، في عملية التشويش التي دأبت عليها منذ أن ظهرت للوجود.

وبهذا السياق ما زال بعضنا يتذكر ما حل بالرئيس بيل كلينتون والذي كان يتمتع بشعبية لا تقل عن شعبية الرئيس باراك أوباما الحالية، حيت quot;تلكأquot; فقط في استقبال نتنياهو ذاته، في تسعينات القرن الماضي، فعصفت بع ريح فضيحة جنسية ماحقة، كادت تطيح به وبمستقبله السياسي، لولا تداركه، وإصلاحه، على الفور، لجملة موقفه من نتنياهو. ولاشك أن quot;جرمquot; باراك أوباما، يبدو اليوم، أكبر بكثير من جرم سلفه الأسبق كلينتون الذي لفقت له قضية المتدربة في البيت الأبيض الآنسة مونيكا لوينسكي، وبالتالي قد quot;يستحقquot; عقاباً أكبر من ذلك.

إن مواجهة اللوبي الإسرائيلي والصدام مع الإسرائيليين، ومن خلفهم الكونغرس، الذي يدعم عادة وجهة النظر الإسرائيلية ويفرمل أي انحدار واستدارات تهددها، يعتبراً نوعاً من المجازفة السياسية الخطرة التي يقوم بها الرئيس. ولذا يمكن القول بشكل عام، بأن أوباما قد يكون دخل، وبرجليه، حقل ألغام، ودائرة خطر، قد لا يخرج منها إلا بشق الأنفس، هذا إذا أتيح له، من الأصل، الخروج من دون دفع أثمان، وتكبد شيء من التكاليف والأضرار.

نضال نعيسة
[email protected]