مع زيارة الرئيس الأميركي اوباما لمصر لإلقاء كلمته الخاصة بالعالم الإسلامي، تساءل البعض عن سر اختيار مصر، ولماذا فضلها اوباما على غيرها من دول العالم الإسلامي؟ حيث رأى البعض أن هناك دول ربما تحمل بعض المواصفات التي تسمح بان تكون المكان الأفضل لإلقاء كلمة اوباما إلى المسلمين، كاندونيسيا التي تعد اكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان أو السعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين أو تركيا التي كانت مركزا لأخر خلافة إسلامية أو حتى إيران أو العراق أو سواهما.
أن الإجابة على ذلك تنحصر في أن أيا من تلك الدول لا تمتلك كامل المواصفات التي تجعلها مناسبة لإلقاء كلمة اوباما، فاندونيسيا دولة أسيوية بعيدة ولا تشكل نافذة جيدة للدخول إلى قلب العالم العربي، أما كل من السعودية وإيران والعراق فلكل منهم خصوصية معينة قد لا تسمح لهم بان يلعبوا هذا الدور، وقد ينظر لخطاب اوباما فيما إذا اختار احدهم على انه خطاب موجه لطائفة ما وليس لعموم المسلمين، ونفس الحال بالنسبة لتركيا فقد ينظر لاختيارها على انه تثمينا لعلمانيتها المتفردة أو لتحالفها الإستراتيجي مع أميركا.
وبالتالي فان اختيار مصر كان أمرا صائبا للغاية، فمن غير مصر من يمتلك تاريخا بهذا العمق ( الحضارة الفرعونية هي إحدى أقدم حضارتين عرفهما العالم مع الحضارة العراقية القديمة )، ومن غير مصر من يمتلك دورا عربيا مركزيا، هذا ناهيك عن كون مصر مركزا للمذهب الحنفي أكثر المذاهب الإسلامية مرونة وتسامح والذي يقف على مسافة واحدة تقريبا من بقية المذاهب، لاسيما مع دور جامع الأزهر الذي لا ينكر في مكافحة التطرف و التقريب بين المسلمين، وبطبيعة الحال لا يمكن أن ننسى ثقل مصر السكاني والثقافي وموقعها الجغرافي الذي لا يمكن أن يضاهيه أي موقع أخر، والذي يجعلها مشرفة على القارات الثلاث وعلى الدول العربية بقسميها الأفريقي والأسيوي.
كما لا ينسى اوباما الثقل السياسي لمصر ودورها الإقليمي الهام في احتواء الأزمات وحل المشاكل، وأيضا سياستها المرنة القريبة من الغرب والبعيدة عن التطرف وامتلاكها لعلاقات جيدة مع اغلب الدول العربية والإسلامية، هذا بالإضافة إلى سمعتها الشعبية الكبيرة بين المسلمين، والتي تتيح لها أن تكون منبر اوباما الأكثر تأثيرا وإسماعا في اكبر عدد ممكن من المسلمين.
وقدر تعلق الأمر بالأهداف، ربما أراد اوباما من خلال اختياره لمصر أن يؤكد سياسة أميركا الثابتة فيما يخص دعم السلام العربي ndash; الإسرائيلي، لان مصر هي من بين الدول الإسلامية والعربية القليلة التي لها علاقات مع إسرائيل، ولها رؤية معتدلة فيما يخص طريقة حل المشكلة الفلسطينية، كما أنها من الدول القليلة التي لم تتدخل في الشأن العراقي بطريقة سافرة أو تعمد لدعم جهة ضد جهة أخرى، وكانت مع إعادة العراق إلى الحضيرة العربية، وساهمت في استقبال اللاجئين العراقيين بل وعاملتهم معاملة مناسبة وبما يتناسب وإمكانياتها، ولم يتوقف الدور المصري المعتدل على هذه القضايا، بل شمل أيضا قضايا أخرى كقضية أفغانستان الشائكة وموقفها من الإرهاب الذي اتسم بالتعاون مع الجهد الدولي الساعي لمكافحته، وباستثناء قضية حقوق الإنسان التي ربما لا تشكل أولوية لدى إدارة الرئيس اوباما، فان أميركا ليست لديها ملاحظات كثيرة على مصر.
لهذه الأسباب وغيرها ربما تكون مصر انسب من غيرها كمكان لإلقاء خطاب الرئيس اوباما، الذي سيحمل رؤيته بشان علاقات أميركا الجديدة بالعالم الإسلامي، وموقفها من أهم قضاياه وأهمها القضية الفلسطينية، لذا ليس من الغرابة أن يتم اختيار مصر لهذه الغاية.
باسم محمد حبيب
التعليقات