القلق العربي عامة والمصري خاصة من دور إيران الإقليمي المتنامي لا يمكن إخفاؤه، فالقاهرة تتخوف من أن تصبح طهران هي مركز التفاعلات الإقليمية في حالة نجاح حوارها مع الولايات المتحدة، وإقناع الإدارة الأمريكية بالأغراض السلمية لبرنامجها النووي، وهو ما يقود بالتالي إلى اعتراف أمريكي بدور رئيسي لها في المنطقة.

أوراق إيران في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة متعددة: فعلى المستولى الإقليمي تمتلك إيران نفوذاً سياسياً وأمنياً كبيراً في العراق، كما تمتلك النفوذ نفسه في لبنان، فضلاً عن الدعم الكامل لحركة حماس في قطاع غزة، وتحظى كذلك بعلاقات تحالف مع سوريا تثير قلق دول كبيرة كمصر والسعودية اللتين فشلتا في إعادة دمشق إلى قلب الأمة العربية، فضلاً عن أن صعود التيارات الإسلامية في الانتخابات في بعض الدول العربية يلقى استحسان وصدى طيب في طهران، أما على المستوى الدولي فإيران دولة نفطية تمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع أوربا ودول أمريكا الجنوبية..

وفي مقابل ما تمتلكه إيران من أوراق للتفاوض مع الولايات المتحدة، لا يمتلك النظام العربي أي أوراق، بل أحاديث مكررة عن تنامي النفوذ الإيراني وتهديده للمنطقة، والخوف من أن الحوار الأمريكي الإيراني المرتقب سيكون على حساب الأمن في المنطقة، فيما لا تملك مصر سوى أحاديث مملة عن الدور الريادي والتاريخي وضرورة تحجيم دور إيران على خلفية تاريخ قديم من انعدام الثقة بين الأنظمة العربية والنظام الإيراني، حتى أن المزاج العام للمواطنين في بعض الدول العربية يرى أن إيران باتت تمثل الخطر الأكبر على العرب وهذا يجتنبه الصواب لأن إسرائيل وليست إيران هي التي تمثل الخطر الحقيقي.

ولن يكون بمقدور العرب أن يصلوا إلى امتلاك السلاح النووي في حين تسعى إيران إلى تطوير برنامجها النووي لتصل إلى القنبلة النووية وتنضم إلى النادي النووي، حينئذ سيجد العرب أنفسهم بين قنبلتين نوويتين، القنبلة النووية الإسرائيلية والقنبلة النووية الإيرانية، وهو ما يعطي الأخيرة ثقلاً على المستوي الإقليمي والدولي في عالم لا يقدر سوى الأقوياء.

باكستان مثلا أعلنت عزمها على امتلاك السلاح النووي في عهد رئيس وزرائها ذو الفقار علي بوتو، ونجحت عام ثمانية وتسعين على الرغم من تهديدات وزير الخارجية الأمريكي حينذاك هنري كيسنجر وقامت بستة تفجيرات وانضمت إلى النادي النووي، ونجحت في تحقيق التوازن مع جارتها الهند، وهو ما تفعله إيران حالياً، فلو خضعت للتهديدات الأمريكية لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه في برنامجها النووي، ولم يكن لواشنطن في عهد أوباما أن تعرض عليها الحوار.

إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي، فزيارة نيتانياهو لمصر وهي أول دولة يزورها في الشرق الأوسط منذ توليه السلطة في الحادي والثلاثين من مارس آذار الماضي، تهدف إلى التعظيم من الخطر الإيراني والترويج بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل اكبر عقبة أمام السلام في الشرق الأوسط، بحجة أنه إذا أصبحت إيران قوة نووية، فسترغم الدول العربية على التحالف معها، ولن يسمح نظامها المتشدد الذي يطمح للقضاء على إسرائيل للدول العربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وأن هناك مصلحة مشتركة في تعزيز الاستقرار في المنطقة ودفع عملية السلام قدماً وهذا أمر مشكوك فيه.

آما مصر والسعودية أقوى حلفاء واشنطن، فهما على ما يبدو في حالة انتظار لما قد ينكشف عنه التوجه الأمريكي الجديد في التعامل مع إيران، التي كانت الإدارة الأمريكية السابقة تضعها في خانة محور الشر ورعاة الإرهاب.

إيران كما هو ملاحظ تشعر بنشوة الانتصار من الانفتاح الأمريكي المفاجئ عليها وتتطلع إلى laquo;صفقةraquo; تخرج منها لاعباً أساسياً في العراق وأفغانستان ودول المشرق العربي والشرق الأوسط ككل، وكذلك سوريا التي تشعر بأن العزلة المفروضة عليها بدأت تتلاشى، أما دول مجلس التعاون الخليجي فترفض أن يكون التقارب الأمريكي الإيراني على حساب مصالحها كما جاء في تصريحات الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية عقب القمة التشاورية الحادية عشرة التي عقدت في الرياض مؤخراً، وأوضح العطية أن هناك تهديداً استراتيجياً وتهديداً عسكرياً لدول الخليج، مشدداً علي معارضة أي برنامج نووي خارج نطاق المعايير التي أكدت عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

أما الموقف المصري فيتسم بالتخبط ويرى أن هذا التقارب قد يزيد من التدخلات الإيرانية في شئون المنطقة، وإذا كانت سيناريوهات أربعة قد وضعت للملف النووي الإيراني أولها حرب أمريكية شاملة تشنها واشنطن، وثانيها هجمات إسرائيلية على مواقع نووية إيرانية، وثالثها الاستسلام لمطالب الغرب إذا ما أطيح بالنظام الإيراني، ورابعها امتلاك إيران للقنبلة النووية بترتيبات أمنية مع واشنطن، فإنَّ السيناريو الأخير أقرب للحدوث حالياً، ما لم تحدث مفاجأة تعزز السيناريو الثاني، ويبقي الخاسر الأكبر في كل هذا هو الدول العربية.

فؤاد التوني
إعلامي مصري