كانت مشاهد صادمة تلك التي تناقلتها وسائل الإعلام للنازحين في العيص الذين تم أجلائهم اثر الهزات الزلزالية التي شهدتها منطقتهم خلال الأسابيع الماضية، كان المشهدquot; نازحون سعوديينquot; غير مألوف بالنسبة لنا في المملكة بشكل عام وهذا لطف من الله بنا، وكان لهذا الحدث الجسيم آثاره المختلفة سواء على النازحين أنفسم أو أقاربهم أو مواطنيهم الآخرين، إلا أن الأمر بالنسبة لي كان مؤثراً وله وقعه الخاص في نفسي بعد أن أعاد لي ما اختزنته ذاكرتي من مشاهد آلام النازحين اثر زلزال تسونامي التي لمستها أثناء التغطية الإعلامية لتداعيات تلك الكارثة، فكلما شاهدت صورة طفل من نازحي العيص تذكرت طفلاً كان ضحية كارثة تسونامي، مشاهد خيام نازحي العيص المرصوصة لم تكن مختلفة كثيرا عن تلك الخيام التي كانت ترعى قاطنيها المنظمات الإغاثة الدولية والمحلية التي تسابقت حينها من مختلف أقطار العالم لرعاية ضحايا ذلك الزلزال الرهيب الذي حدث في ديسمبر2004.
المنظمات الإنسانية تتسابق في تقديم خدماتها لضحايا الكوارث الطبيعة وغير الطبيعية ورغم الأهداف الإنسانية لتلك الخدمات إلا ان كثير من تلك المنظمات خاصة المرتبطة بدول كان من بين أهدافها السعى لبناء الخبرات لمنسوبيها وإكسابهم المعارف والمهارات الميدانية ليكونوا على استعداد تام للتعامل مع آثار الكوارث والفواجع في حال وقوعها في بلدانها، وهذا ماكان غائبا عن ذهن القائمين على الهلال الأحمر السعودي في ذلك الوقت الذي اكتفى بتسليم مواد الإغاثة السعودية لحكومات الدول التي تضررت حينها من تسونامي، كم كان مثل ذلك الحدث وغيره فرصة لإكساب نخبة من أبناء البلد سواء في الهلال الأحمر أو الدفاع المدني وغيرهما من القطاعات، خبرات ميدانية في التعامل مع آثار الكوارث لتستثمر في مثل هذه الإحداث للتعامل مع الظروف الإنسانية التي يمر بها الآلاف من أبناء وطننا العزيز خلال هذه الأزمة.
صحيح أن الهزات الزلزالية المخيفة في حرة العيص وما جاورها لم تسجل خسائر مادية ولم تحصد الأرواح ولم تهدم البيوت، لكنها فعلت فعلتها في أجلاء السكان من مواطنهم وأبعدتهم عن مساكنهم ومصادر معاشهم وما ترتب على ذلك من خسائر نفسية على الأقل لايمكن تجاوزها، دون الرعاية quot;الأبويةquot; التي قدمها كبار المسئولين والأجهزة الحكومية والتي كان لها أثرها الطيب في تخفيف وطأة هذه الحدث الجلل على نفوس النازحين وأهلهم في مختلف المناطق، ومن ابرز صور هذه الرعاية، تفقد أمير منطقة المدينة المنورة الاميرعبدالعزيز بن ماجد لأحوال هؤلاء النازحين والأثر الملموس لزيارته لمخيماتهم ومراكز خدمتهم في بث الطمأنينة في قلوبهم خاصة حينما قال لهم quot; انتم في قلوبنا قبل أن تكونوا في الخيامquot;.
وهذا جزء من معالجة الآثار النفسية لهذا الحدث إلا أن المعالجة الشاملة للآثار المختلفة تتطلب أن تتضافر مع جهود الحكومة ومسئوليها جهود مختلف القطاعات ومؤسسات الرعاية الصحية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة لتقديم العون والمساعدة العاجلة لضحايا هذه الأزمة خاصة للأطفال خلال هذه الأيام ولتستمر مختلف الجهات في تقديم مختلف أوجة الرعاية والعلاج حتى تنقشع هذه الأزمة أن شاء الله، بعودة أهالي العيص وقراها إلى مواطنهم سالمين حامدين لله ثم لدولتهم ومسئوليهم وأخوتهم أبناء هذا الوطن هذه الوقفة الإنسانية التي تجسد مدى التلاحم والرباط الوثيق الذي يجمع أبناء هذا الوطن.
ما أتطلع إلية هو أن تسعى جميع المؤسسات الخيرية والاجتماعية والنفسية للمشاركة في معالجة تداعيات هذا الحدث وان لا تفوت الفرصة لاكتساب الخبرة من هذه الحدث الذي يقع بين أيدينا.
موسى بن مروي المطيري
Riyadh@ alwatan.com
التعليقات