في العراق غرائب كثيرة والفساد هو أغربها جميعا وبالطبع ليس مرد الغرابة انتشار الفساد في مختلف تشعبات الواقع العراقي فهذا مايمكن تبريره بالظروف والأحوال التي يعيشها العراق التي لا يمكن أن ينكر احد قسوتها وشدتها وربما تكون هذه الظروف من الأسباب الكبيرة والمقنعة لتفشي الفساد وتصاعده يوما بعد يوم إنما تكمن الغرابة في هذا التجاهل المريب أو التهاون العجيب مع داء بلغ صيته الأفاق وبلغت أرقامه الذروة ولا اعتقد أبدا أن هناك بلد في العالم شهد مثلما شهده العراق في هذا المجال وحتى تقارير منظمة الشفافية الدولية ربما لم تعكس الأوضاع بشكل دقيق لأنها لاتستطيع أن تستعلم عن أمور كثيرة غطاها الوضع الأمني العراقي فالعراق على الأرجح هو أسوا بلد في العالم في تفشي الفساد واقل الدول نشاطا في الحد منه وليس أدل على ذلك من تقاعس الدولة العراقية في محاسبة المسؤولين المتهمين بالفساد و بقاء العديد من في موقع المسؤولية بل وعدم تعرضهم لأي نوع من أنواع الملاحقة أو المحاسبة وما يحصل هذه الأيام من استجواب أو استضافة لبعض الوزراء في مجلس النواب على خلفية الفساد المتفشي في وزاراتهم هو خير تأكيد لهذه الحقيقة لان الأحرى أن يرسل هؤلاء المقصرون إلى القضاء فهو وحده من يستطيع أن يبت في حقيقة الاتهامات الموجهة إليهم سيما وان تلك الاتهامات لا يتسع لها سقف البرلمان الذي يجب أن يتعاطى مع مسائل غير جرمية كالإهمال والتقصير كما يحصل في مختلف برلمانات العالم.


أن قضية الفساد في العراق هي من القضايا الدولية الخطيرة لأنها تتسبب في هدر مليارات الدولارات سنويا ولذلك فقد لا يمكن مواجهتها محليا أو بالاستناد على الجهود العراقية الصرفة فإذا كان الواقع السياسي الحالي يمنع محاسبة المسؤولين المفسدين لم يبقى إلا أن نستعين بالهيئات الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية فهي الأكثر قدرة على التعاطي مع أمور كهذه وليس بإمكان احد التملص من قراراتها أو التهرب من مرافعتها إلا أن يبقى مطاردا ومنبوذا من الجميع.


والعراق كونه عضو في هذه المحكمة الدولية المتخصصة ربما هو في أحوج ما يكون لتدخل هذه المحكمة المهمة فبإمكانها ممارسة دور لايمكن لأي عراقي ممارسته بحكم وظيفتها القانونية وشرعيتها الدولية وحياديتها ورغم إننا لا نعول كثيرا على قبول الطرف الرسمي العراقي بذلك إلا أن المحكمة تستطيع أن تتلتزم ملف الفساد العراقي بحكم مسؤولياتها المعترف بها عالميا وقد أبان السيد اوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية عن صلاحيات المدعي العام وأشار إلى أن تلك الصلاحيات تتيح له التعاطي مع أي ملف عالمي بغض النظر عن وجود جهة مدعية أم لا وبطبيعة الحال يصعب على المدعي العام فعل ذلك بدون مساندة من جهات شعبية أو مدنية أو سياسية الأمر الذي يتطلب نشاطا مستنفرا وفعلا فائقا من تلك الجهات.


إن علينا أن نستعير تلك العبارة الأثيرة التي تقول الساكت عن الحق شيطان اخرس فالساكت عن الفساد في العراق هو شيطان اخرس وعدو مبين لكل العراقيين وما لم تقم الحكومة بواجبها إزاء هذا الوباء الخطير فإنها ستكون مذنبة وستتحمل بالتأكيد عواقب صمتها وسكونها أمام الشعب والتاريخ.


فليكن هدفنا إذن العمل على تدويل قضية الفساد العراقي فربما يستطيع هذا التدويل إنقاذنا من هذه الكارثة الكبيرة وليقم كل منا بدوره في هذه المهمة لكي نحقق هذا الهدف فكل الوسائل والإمكانيات وكل الجهود والإمكانيات يجب أن تحشد لهذه الغاية التي قد لا نجد بديلا لها فحي على مكافحة الفساد.

باسم محمد حبيب