الأمان، هذه الكلمة يعرف دلالة معناها بشكل دقيق مَنْ افتقدها.
ليس عن الشذوذ هو الحديث، بل عن القاعدة في المجتمع..!!

صورة أولى:
سيدة دنماركية في زيارة إلى أمريكا تدخل إلى إحدى المقاهي، تختار طاولة بجانب الشباك،كي يسهل عليها ملاحظة صغيرها فيما لو استيقظ من نومه في عربته خارج المقهى، تطلب قهوتها وهي تراقب دهشة الأميركيين التي لاتفهمها،وفضولهم بوجود طفل نائم في عربته.!!
بعد دقائق تصل سيارة الشرطة،ويتوجه شرطيان منها إلى عربة الطفل، تبتسم لهم، وتومئ لهم quot; انه طفلي quot;،ينظران باستنكار اتجاهها، ويهمان بحمل العربة والطفل إلى سيارتهم، تخرج لهم مسرعة،تخبرهم بإنكليزية واضحة quot; انه صغيري.. ماذا تفعلان quot;..؟
- إن كان صغيرك حقا، فأنت أم غير مؤهلة لرعايته..وإلا كيف تتركينه في الشارع،سنأخذه إلى مركز رعاية الأطفال،وبإمكانك أن تعترضي قانونيا من خلال المحكمة.
- محكمة..؟ أي محكمة..ولماذا...انه ليس في الشارع انه قبالة الشباك وأنا أراقبه...تنخرط المسكينة في البكاء بعد أن ترى إصرار الشرطيين على سلبها صغيرها: أنا دنماركية...أنا دنماركية..!
- هل لنا أن نرى جواز سفرك؟
تخرج لهم جواز سفرها،ولكن رغم ذلك يصران على أخذ الطفل لاعتقادهما،إن من تترك رضيعها في عربته،خارج الشباك، لابد من أن تكون معتوهة،تصر على مرافقتهم إلى مركز الشرطة،وأثناء التحقيق معها، تخبرهم،إن هذا الأمر عادي جدا في كل بلدان اسكندنافيا،وكذالك في الدنمارك،يترك الصغار نائمين quot; بأمان quot; في عرباتهم خارج المقاهي،كي يستنشقوا هواءً نقيا،ولكي يعتادوا على برودة الجو منذ الصغر..!
يجيب المحقق بسخرية غير مصدق ماتقوله عن الأمان في اسكندنافيا: نعم ينامون بأمان..!
- حسنا اتصلوا بأي جهة من أي بلد من البلدان الاسكندينافية، واسألوا لتتأكدوا من صدق مااقول..!
بعد الاتصال والتأكد من صحة ماقالته،يعيدان الصغير لها،مع توصية حازمة، بان لاتعيدها مرة ثانية،وتخرج عن quot; المألوف quot;..!
تخرج المسكينة فرحة باستعادتها لصغيرها، وهي تفكر بآخر كلمة قالها المحقق quot; المألوف quot;..!
ماهو المألوف؟هل من المألوف أن لايشعر الإنسان بالأمان.!!

صورة ثانية:
الكثير من الدنماركيين ممن يمتلكون حديقة أو مساحة للزراعة محدودة،يزرعون فيها منتصف الربيع بعض الخضروات ( بطاطا، بصل، فراولة، بزاليا، طماطم، خيار)،ولخصوبة الأرض وعنايتهم الشديدة،يكون المحصول عند حلول الصيف أكثر مما تستهلكه العائلة الدنماركية الصغيرة عادة.
يقوم احد أفراد العائلة بوضع الفائض من الخضروات أو الفواكه بعد أن يضعه بأكياس،على طاولة صغيرة خارج البيت بموازاة الشارع،يكتب على ورقة سميكة السعر الذي يرغبه،مع علبة للنقود،يضع بها بعض العملات النقدية للمتبقي من المبلغ.
يتوقف الراغبون مشاة، راكبي سيارات، أو دراجات يشترون مايرغبونه،يضعون النقود في علبة النقود، ويمضون، بطريقهم، ليس هنالك من يبيعهم أو يستلم النقود منهم من أفراد العائلة،هذه العوائل تثق بالآخرين،ليس في حسابها،سوء الظن من أن يسرق احدهم البضاعة أو النقود أو كلتيهما معا..!
أنها الثقة بالسلوك الجمعي، وبالنفس معا.

هل تتولد ثقة بالنفس من دون ثقة بالمجتمع؟!
تتولد الثقة بالمجتمع، حين يوفر هذا الأخير الشعور بالأمان لأفراده،والأمان هنا لاينفصل مطلقا عن داعمين مستقرين له، هما quot; الاقتصادي، والسياسي quot;!
السياسي من خلال نظام ديمقراطي شفاف على الأقل بأدنى حالات الفساد،والاقتصادي من خلال نموه الذي يخدم جميع الأفراد بغض النظر عن quot; انتماءهم الطبقي quot;،هذه الخدمة شرعها quot; السياسي quot; بقوانين دستورية ملزمة تحفظ كرامة الأفراد في كل الحالات بمافيها حالات عوزهم المادي لأي سبب كان بلا أدنى تمييز، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الماهية الشخصية.
قوانين النظام الاجتماعي العريقة والمنظمة في الدنمارك،أفرزت مايقارب خمسة أجيال،تشعر بالأمان من الغد،في حالة المرض،الوفاة، العوق،فقدان العمل،مختصرة بجملة بسيطة أيا كانت الظروف ( حفظ كرامة الإنسان بحق الحصول على سكن وغذاء ودواء).

ضياء حميو
[email protected]