كان اسمها quot; أيلين quot; وعمرها 14 سنة بعمر ابنتنا quot; لانا quot;، وquot; أيلين quot; إ بنتنا المؤقتة لمدة أسبوع واحد فقط، ضمن عملية تربوية تبادلية، تسمى (أصدقاء القلم ).
هذه العملية هي تبادل معرفي وثقافي بين صفين دراسيين في بلدين مختلفين، لطلبة من نفس العمر (13 ـ 15 ) سنة.
يستغرق الإعداد لرحلة السبعة أيام،سنة دراسية بين المعلمين والطلبة وأهاليهم الدنماركيين من جهة،وبين مقابلهم من الأيسلنديين من جهة أخرى.
الخطوة الأولى للصف الدنماركي كانت هي بتحديد البلد الثاني وكانت بين بلدين quot; التشيك quot; أو quot; أيسلندا quot; ومن خلال تصويت ديمقراطي داخل الصف تم اختيار الأغلبية التي اختارت quot; أيسلندا quot;،وكان بهذا الاختيار عقبة مالية،لان تذكرة السفر له ضعف مثيلتها لجمهورية quot; التشيك quot;.
الإعداد
أرسل معلموا الصف للأهالي رسالة تطلب اجتماعا محددا لغرض النقاش بشأن السفرة..!
وفي الاجتماع اخبرونا،بهدف السفرة التربوي،وهو أي السفر اختياري ليس بإلزامي يقرره الأهل،وتم مناقشة العقبة المالية التي تتمثل بتذكرة السفر،قال المعلمون إن الصف لدية ميزانية مالية سنوية من البلدية، وهي لاتكفي للتغطية،ولكنهم سيرسلون طلبا للبلدية بالمساعدة بعد توضيح هدف السفرة، ولكنهم غير متأكدين من دعم البلدية، ولذا يريدون أن تُشكل لجنة من أهالي تلاميذ الصف لتخطط معهم بالإعداد للسفرة وهذا ماتم في الاجتماع، منوهين إلى ضرورة أن يدعم الأهالي جزء من تكاليف أبنائهم من خلال مبلغ شهري بسيط لمدة عام يوضع في حساب الصف المصرفي.
لم تعترض سوى عائلتين : الأولى دنماركية،أوضحت إن إمكانياتها المالية محدودة جدا لاتستطيع معها من تحمل أية تكاليف أخرى،وأضافت إن ابنتها لم تستخرج جواز سفر مما يعني قرابة 90 دولار أخرى لاتتحملها،أما العائلة الثانية من أصول شرق أوسطية،فأوضحت إن تقاليدها لاتسمح بسفر ابنها لوحدة إلى بلد آخر بالإضافة إلى إن التقاليد لاتسمح باستضافة طالب أيسلندي من ديانة أخرى، تم تفهم واحترام ظروف العائلتين،راجين منهم التواصل مع لجنة الأهالي عسى أن توجد حلول مستقبلية تغير رأيهم.
كانت هنالك لغتان للتواصل بين الطلبة الدنماركيين والأيسلنديين،الدنماركية التي يدرسها الأيسلنديون منذ الصغر كلغة ثانية بالإضافة للانكليزية التي يجديها الجانبين إجادة ممتازة.
أما عن كيفية اختيار الصديق الضيف لكل لطالب فهي عملية تتم بين المعلمين من البلدين بالإضافة للطلبة،يتم اختيار من له ميول وهويات متقاربة من الآخر،كي يكون للتواصل عبر الانترنت جدوى حين يتم اللقاء بعد عام.
وهكذا ولمدة عام quot; لانا quot; تتواصل مع quot;أيلين quot;بشكل شخصي،وفي صفها وضمن مادة اللغة الدنماركية هنالك محاضرات ونشاطات أسبوعية للتعريف بكل مايتعلق بأيسلندا،الثقافة، السياسة،الاقتصاد،الجغرافية...الخ.وبالمثل فعل الأيسلنديون ذات الشيء،قام الصف الدنماركي،باستغلال امثل للأسبوع المخصص له في حانوت المدرسة،من خلال بيع العصير والكيك والحلويات التي أضيفت أرباحه لميزانية الصف،بالإضافة إلى مساهمة طوعية من احد التلاميذ اسمه quot;تغولسquot; كان يجمع كرات الغولف الضائعة ويبيعها ويضيف المبلغ إلى ميزانية الصف،وفي هذه الأثناء تمت موافقة البلدية على دعم جزء من الرحلة ماديا،مما جعل الصف يمتلك فائضا استخدمه الصف لاحقا في رحلات داخل الدنمارك في نشاطات أخرى،كما إن إدارة المدرسة قررت تحمل تكاليف العائلة الدنماركية التي سبق ذكرها و لم تكن ظروفها المادية تساعدها.، أما العائلة الشرق أوسطية أصرت وجرى تفهم اعتراضها واحترام رغبتها.
الزيارة
في باحة المدرسة كانت العوائل الدنماركية مع أبنائها باستقبال ضيوفها quot; أبنائها المؤقتين quot;،وهكذا عدنا للبيت فرحين بتجربة جديدة علينا وبرفقة طفلة أيسلندية لطيفة جدا طلبنا منها أن تتصل بعائلتها هاتفيا لكي تطمئنهم وبدورنا القينا التحية عليهم،وقبل أن نجلس للعشاء معا قالت : انتظروا..! فأخرجت من حقيبتها هدايا لكل منا.
وعلى مدى أسبوع كامل كانت الحياة والمرح يتدفقان لدى الجانبين لهذه التجربة المثيرة زار الضيوف خلالها أهم المعالم الثقافية والتاريخية في البلاد وتعرفوا على طرق التدريس،والعمل الجماعي والأفكار الأخرى للصف الدنماركي.
أما داخل البيت فكانت quot; أيلين quot; جدا فرحة إذ إنها لم تتعرف على الثقافة الدنماركية وحسب ولكن على جزء من الثقافة العراقية،وأحبت أكلنا الشرقي خصوصا quot; الدولمة quot; التي كانت تظنها quot; أكلة السوشي اليابانية quot;.
بعد شهر من مغادرة الأيسلنديون،حان دور الطلبة الدنماركيون،بالسفر،حملت ابنتنا هدايا لكل أفراد عائلة quot; أيلين quot;أصرت أن يكون قسم منها ذو رموز شرقية،اعتزازا منها بعراقيتها،مع مصروف الجيب الذي كان محدد بمبلغ لايجوز تجاوزه كي لايحصل تمايز بين الطلاب ممن أهاليهم ذوي دخل محدود.
عادت طفلتنا والثقة بالنفس تملأها،معتزة بإنسانيتها،والاهم من هذا إدراكها بان هنالك أشياء رائعة ليس لها حدود ممكن تعلمها من ثقافات الشعوب المختلفة والمتنوعة.
ختاما: ألا يمكن الاستفادة من هذه التجربة بين طلاب البلدان العربية المتعددة، بين المشرق العربي والمغرب العربي، أو بين بلدان الخليج فيما بينها، أو حتى داخل البلد الواحد، بين طلاب الإعدادية للمحافظات المختلفة..؟!
ضياء حميو
[email protected]
التعليقات