هذه التجربة عراقية وليست دنماركية،والحمد لله إنها وئدت بمهدها ولم تتطور..!
حدث هذا قبل سنوات لأحد المعارف من اللاجئين العراقيين،وكان قد حصل وعائلته على حق اللجوء،ومن ثم الإقامة في الدنمارك،كان برفقته زوجته وثلاثة أطفال،ولدين،وبنت صغرى،يبلغ أكبرهم من العمر خمس سنوات.
كانت البنت،في الثالثة من عمرها،واعتادت،كلما ضايقها احد إخوتها،أن تتجه إلى أبيها بنظرة،كأنها اتفاق سري بين الاثنين،يومئ الأب برأسه علامة الموافقة على نظرتها،فتقوم الصغيرة بحركة سريعة مباغته باتجاه خانة الأحذية في البيت حاملة مايقع بيدها quot; نعال أو حذاء quot; تعطيه للأب فيقوم الأخير بقذفه باتجاه احد إخوتها ممن قام بمضايقتها،وماهي إلا لحظات حتى يعم السلم والأمان الدوليين في البيت،وهكذا استمر الحال لبضعة أشهر،الأب فرح بذكاء ابنته الفطري كما يسميه،وهي قطعا فرحة بسلاحها الفعال الخفيف الحمل،والمتواجد أينما حلت وأنى شاءت.
بعد فترة من التحاق الصغيرة بروضة قريبة من سكنهم،اتصل بهم احد المترجمين العاملين في بلدية المدينة،يبلغهم بضرورة الحضور لموعد مهم يصاحبهم فيه،لاجتماع مع التربويين في الروضة وبلدية المدينة!
كان اللقاء للاستفسار عن حالة غير طبيعية تصيب الطفلة، ولهذا رأى التربويون أن يستشيروا العائلة بعد موافقتهم بعرض صغيرتهم على أخصائي علاج نفسي للأطفال.
كانت هذه الحالة الغريبة بنظر التربويين،شروعها كلما ضايقها احد الأطفال الآخرين بالصراخ متجهة إلى مكان الأحذية حاملة إحداها،تعطيه لأحد التروبوين،مشيرة بيدها طالبة قذف احدهم به.ولا تريد أن تتوقف قبل إتمام الفعل...!
الأسئلة عديدة،وسؤال واحدا لايعرفه الأب ذاته،وهو : لماذا أحذية بالذات؟!
هل هي العادة،أم الجينات،أم رمز فلكلوري..أم غيرها..!
سألت المربية إن كانت الطفلة تقوم بهذا في البيت أيضا؟أجاب الأب: بنعم.
قالت المربية : خصمها بالطبع إخوانها الأكبر سنا؟
أجاب الأب: نعم.
تدخلت مشرفة البلدية بسؤال مباغت:هذا يعني أنت وأمها تساعدانها بقذف الأحذية على إخوانها الأكبر سنا؟
أجاب الأب مبتسما:ليس أحذية تماما، لكن quot; نعال خفيف quot; لأنهم مازالوا صغار!
قالت المشرفة:أي انك تقوم بضرب أطفالك الآخرين، بها حين يستوجب الأمر؟!
هنا اصفر وجه الأب وأدرك انه دخل في مأزق،لأنه سمع كثيرا عن عوائل،انتزعت منهم أهلية حضانتهم لأطفالهم،ومنحت لعوائل،أخرى أجدر بالتربية،بسبب ضربهم لاطفالهم، ولحسن حظ الأب صمت ولم يتكلم..!
اخبروه إنهم سيقومون باللازم لعلاج الصغيرة،ولكنهم لن يستطيعوا شيئا بلا مساعدة العائلة،التي يجب أن تقوم بدورها التربوي في هذا،وهكذا أرشدوه،إلى كيفية العمل،مع التأكيد على ملاحظة أخيرة إن ضرب الأطفال جريمة يعاقب عليها القانون،وغير مسموح بها أبدا،وسيقومون بشكل دوري بالفحص البدني لأطفاله،للتأكد من سلامتهم،بل وسيتحدثون معم لمعرفة فيما إذا كانوا يتعرضون للعنف المنزلي أم لا..!!
للقارئ أن يتخيل موقف الأم التي هربت من جحيم الحروب في العراق، لإنقاذ عائلتها وأطفالها، كيف كان وضعها وهي مهددة بضياعهم منها والى الأبد، بسبب ثقافة الأحذية العراقية..!
لم تتدهور الأمور إلى ماهو أسوء،لان الأب والأم أدركوا،إنهم في ثقافة أخرى،لها قوانينها الخاصة وهي في النهاية لصالح الأسرة والمجتمع.
قامت الأم من جانبها بشراء خزانة ذات قفل خاصة، تضع الأحذية جميعا بها كلما دخلوا البيت وتقفل عليها، كأجراء احترازي، لمنع استخدام quot; أسلحة الدمار الشامل quot; بالنسبة لها، من قبل الأب في إحدى حالات غضبه.
ولكن ماتعانيه الأسرة اليوم هو :إن الأم تنسى في أحيان كثيرة المكان الذي وضعت فيه،مفتاح quot; الحقيبة النووية quot;خزانة الأحذية.
أما الأب وفي لحظات حنينه الجذلى إلى وطنه الأم،يتحسر ناقما على الدنمارك،والزمن الأغبر الذي أتى به إلى بلاد لايستطع المرء فيها أن يتصرف بحذائه كيف يشاء..!! قائلا : شلون ديمقراطية تعبانه..!!؟
ضياء حميو
[email protected]
التعليقات