عادت طفلتي البالغة من العمر ثمان سنوات من المدرسة اليوم، متعبة جدا على غير المعتاد،ولكنها تتوقد فرحا!
سألتها كما المعتاد، عن يومها المدرسي، وإذا ما كان ممتعا ! أجابت: بأنه رائع، مستدركة بلهجة عراقية quot; بس آني كلش تعبانه quot;..!
عرفتُ بعد ذلك، إن يومها خُصص لنشاط مدرسي خارج المدرسة، هدفه، جمع القمامة، من بعض الحدائق القريبة، هذه القمامة لم يلقها أصحابها في الأماكن المخصصة لها لسبب أو آخر، عدم الشعور بالمسؤولية أو العادة السيئة..!
افترض المسئولون، أن الأطفال لهم حصة، شأنهم شأن الكبار في هذا الإهمال..!


الحلقة الثالثة

وهاهو فصل الربيع الدافئ، بنشاطاته المختلفة، فكان ذلك اليوم مخصصا لنشاط كبير، من قبل quot; منظمة حماية الطبيعة quot; و quot;خدمات المدارسquot; تتم بموجبه كل عام دعوة كل صفوف المدارس، الروضات، الحضانات،ومعاهد ومراكز رعاية أطفال، للقيام بما أسموه العمل الربيعي المشترك لتنظيف الطبيعة، أي جمع القمامة، على شكل مسابقة يشترك، بها جميع التلاميذ، حُدد لهم المقصود بالأشياء التي تصنف كقمامة،quot; كل ماهو مضر بالطبيعة quot;، وفي حالت شكّهم إن كان هذا الشيء مضر أم لا فبإمكانهم سؤال المعلمين المرافقين لهم في ( اللعبة، السباق )، إذ إن بعض الأشياء لاتعتبر نفايات، كأوراق الأشجار،والأغصان!


تم تقسيم التلاميذ إلى مجموعات عمل صغيرة، أ ُعطيت كل مجموعة، عددا من أكياس جمع القمامة، تفوز في المسابقة المجموعة التي تجمع، أكثر، هنالك جائزة للفائز ألأول، والثاني، والثالث.


كان هذا في ربيع عام 2008 واشترك في هذه الفعالية 31 الف و 558 طفل في عموم البلاد، أزالوا من الطبيعة نفايات ضارة،كان وزنها 189 طن و 345 كيلو.
على سبيل المثال : جمع الأطفال 154 الف و 389 علبة معدنية..!.
على الرغم من إن البلاد تتمتع بنظام تصنيف وإعادة تصنيع نفايات متطور جدا في العالم، ووعي مواطن يضاهيه تطورا، كانت هذه الأرقام من النفايات..!

قالت طفلتي، بأسى : إن مجموعتها لم تفز، كان هنالك من هو أسرع ولكنها حصلت على أية حال على هدية لمشاركتها في هذه الفعالية،الأمر الذي جعلها وجميع التلاميذ فرحون.
وهكذا أرتني طفلتي الهدية التي أعطيت لكل مشارك..!


كانت الهدية عبارة عن أوراق لعب كارتونية quot;كارتات quot;، بطباعة أنيقة،عليها شرح بكيفية اللعب بها مع الأطفال الآخرين أو مع العائلة،، مالفت انتباهي وإعجابي في هذه quot;الكارتات quot;، شيئان، الأول هو المعلومات المفيدة للكبار والصغار عن البيئة والنفايات،والتي سأذكر بعضا منها، والثاني : هي الجهة الداعمة لهذا النشاط التي تكفلت بالهدايا وطبع أوراق اللعب،بطريقة فنية أنيقة،تمكّن الطفل من الاحتفاظ بها زمنا طويلا، بل حتى لو فُقد هذا الكارت ووجده شخصا آخر فانه سيحصل منه على معلومات مفيدة !
كانت الجهة الداعمة هي quot; مؤسسة اليانصيب الدنماركي quot; التي خصصت جزءا من ريعها لهكذا نشاطات، والتي تمتلك الدولة 80% من أسهمها.

شيء من معلومات quot; كارتات اللعب quot;

كل quot; كارت quot; يحتوي على صورة لإحدى النفايات الشائعة التي وجدها الأطفال في العام الماضي، ألأرقام هي من إعداد quot; مؤسسة حماية البيئة لعام 2003.
أسفل الصورة خمسة جداول صغيرة، وكالآتي:
1 ـ عدد السنوات التي تستغرقها النفاية صاحبة الصورة للتحلل في الطبيعة.
2 ـ مدى خطرها على الحيوانات.
3 ـ عددها المرمي في الطبيعة quot; كميتها quot;
4 ـ عفونة رائحتها.
5 ـ إمكانية إعادة تصنيعها، واستخدامها ثانية.
مع ملاحظة أخيرة في نهاية quot; الكارت quot;.

واخترتُ مثالا من كل هذه الصور، صورة واحدة شائعة في كل بلدان العالم وهي quot; علبة المشروبات الغازية والروحية rdquo;.
1 ـ تستغرق 500 سنة للتحلل في الطبيعة.
2 ـ نسبة خطورتها على الحيوانات هي 80 %.
3 ـ كميتها 60 %.
4 ـ عفونة رائحتها 15 %.
5 ـ إمكانية إعادة تصنيعها واستخدامها ثانية 100 %.
ملاحظة الكارت لهذه الصورة: هل تعلم إن 15% من هذه العلب ترمى وتلوث الطبيعة..!؟

في الختام سأروي لكم قصة حدثت لي مع طفلتي quot; دانه quot; وهذا اسمها، وبعد فعالية جمع النفايات بأيام قليلة : كنت أتمشى معها، نتحدث معا وكنت أدخن سيجارتي وما إن انتهيت منها وكعادتي التي اعتدتها قبل quot;آلاف السنينquot;، في العراق وفي البلاد العربية التي مررت بها، رميتُ، عقب السيجارة في الشارع، فما كان من quot; دانه quot; إلا أن تنزع يدها عن يدي بغضب، ترفض التحرك، قائلة وبلغة دنماركية هذه المرة: ماذا فعلت ؟ هل تعلم إن سيجارتك تستغرق أربع سنوات لتتحلل في الطبيعة وإنها خطرة جدا على الحيوانات و.. و.. قلتُ: حسنا توقفي!.. توقفتْ عن الكلام، لكنها مازالت ترقبني، باستنكار، وفي محاولة للدفاع عن نفسي، وكعادة الكبار في تبرير أخطائهم، تعللتُ بعدم وجود سلة نفايات قريبة، !!
أجابتني ببرود وإصرار، أذعنتُ له : (هذه ليست مشكلة الطبيعة،تستطيع أن تضعها في جيبكَ )..!
وضعتها قي جيبي، فيما قالت باللهجة العراقية هذه المرة، وهي تمسك بيدي مواسية:( لاتضوج..الكبار ينسون مرات)..!.


ضياء حميو
[email protected]