انتشرت في الآونة الأخيرة في العراق ظاهرة تبديل أسماء المدن والشوارع والمدارس والبنايات وبعض المراكز المهمة ولم يخلو مكان في العراق لم يطله التغيير العبثي الذي لا يستند على أسس تأريخية أو ثقافية، إذن هي حرب شعواء مستمرة لا تقل خطورة عن الأحتلال والمفخخات وتدخلات دول الجوار العربية والأعجمية،، وربما أكثر خطورة منهما لأنها تهدف الى الغاء الذاكره العراقية وتزوير جزءآ من تاريخ العراق وثقافته فالداخل الى بغداد على سبيل المثال سوف يضيع في ما بين الأسماء القديمة والمستحدثة وسوف يحتاج فترة من الزمن للتأقلم مع مشكلة تغيير الأسماء وهذه الحالة أدت الى بعض الأرباك في الذاكرة العراقية المحملة أصلآ بالكثير من الهموم والمشاكل التي ما أن يفكر المواطن العراقي بالخروج من أحداها حتى تتلقفه الأخرى الأشد أستعصاء.


لا ضير في التغيير الأيجابي الذي يستند على تاريخ البلد وثقافته وأعتزازه ببعض رموزه الوطنية من الذين قدموا خدمات جليلة لهذا الوطن وضحوا بأنفسهم في سبيله وأن تتم عملية التغيير عن طريق بعض الوزارات ذات الصلة وأمانة العاصمة وبعض المراكز البحثية المتخصصة في هذا الشأن وحتى ينال الأسم الجديد الشرعية لا بأس من إجراء استفتاء لسكان الحي أو الشارع أو لمناقشة الأمر في البرلمان، لكن الملاحظ هو أن عملية التغيير والتبديل تخضع لأمزجة وفساد بعض السياسيين وأحزابهم وهي أصبحت من ضمن حالات الفساد التي يزخر بها العراق الجديد حيث يراعى في التغيير المحسوبية والمحاباة وتبادل المنافع والمصالح وحتى المحاصصة،لكن هناك تغيير يٌعبر عن الحقد والصراع الخفي الغير ملاحظ بين بعض الأقوام الذين تناوبوا على أحتلال العراق مع غياب أو تغييب شبه كامل وتهميش تام لأحقاق العراق الضائعون بين هذا الطرف أو ذاك.


ان الذي حفزنا للكتابة في هذا الموضوع هو بعض الأستفزازات التي لا يمكن غض الطرف عنها منها على سبيل المثال لا الحصر تغيير أسماء مدن عانت وما زالت تعاني على أيدي اللذين عبثوا بأسماءها،، فمدينة الثورة التي أسسها الزعيم عبد الكريم قاسم ولم يطلق أسمه عليها تغير أسمها الى مدينة صدام في عهد النظام السابق ولاحقآ الى مدينة الصدر، أن مسلسل تغيير وتبديل أسماء الشوارع والمدن والساحات العراقية مستمر فهذه مدينة كركوك مثال آخر صارخ تم السطو عليها،وعلى تاريخها وتم تزييف كل شئ فيها فلم يسلم حي أو زقاق أو شارع أو حتى مستشفى من العبث والحقد الفوضوي فبعد أن تم أسقاط إسم التأميم عنها والمشتق من تأميم حقولها النفطية عام 1973،، كنا نتمنى أن يطلق على كركوك أسم محافظة( التآخي الوطني) لتكون عنوانآ لوحدة العراقيين ولتجنيبها كل المشاكل التي تتهددها، وإسكات أصوات بعض الأقليات الطامعة بها، وأبعاد فتن الأجنبي عنها،،وهناك محافظات أخرى طالتها هذه الظاهرة منها محافظة الديوانية التي أسقط أسم القادسية منها والناصرية التي تلاشى أسم ذي قار عنها، وقبل فترة لفت نظرنا ما بثته قناة العراقية الفضائية من خبر تغيير ساحة العروبة في الكاظمية الى ساحة الشهيد طالب السهيل وهذا العمل دفعنا الى الأتصال بأمانة بغداد للأستفسار عن الأسباب التي أدت الى تبديل أسم ساحة العروبة وهل للأمانة دور في ذلك،، فأجابتنا الأمانة مشكورة بأن تغيير وتبديل أسماء الشوارع والساحات هو من أختصاص وصلاحية لجنة مرتبطة برئاسة الوزراء وتغيير أسم ساحة العروبة أمر قديم صدر في عهد السيد ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء الاسبق،،،وهنا لا بد لنا من طرح بعض التسائلات المشروعة والمنطقية، لنفرض مثلآ أن السيدة الفاضلة صفية السهيل كريمة الشهيد طالب السهيل لم تكن عضوة في البرلمان العراقي( جاء بها السيد علاوي كعنصر نسوي في قائمته وهي الآن تحظى بأحترام كبير أيضآ من قائمة التحالف الكردستاني) هل كان سيقوم السيد الجعفري وغيره برد الأعتبار لوالدها؟ وهل تذكرت أمانة بغداد وأمينها السيد صابر العيساوي أمر ابراهيم الجعفري بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ترك الجعفري للوزارة؟ ولماذا لم يجد السيد الجعفري غير أسم ساحة العروبة ليغيره؟؟ ومن سوف ينصف ويرد الأعتبار لكثير من رجالات العراق وقادته الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل خدمة هذا الوطن وشعبه؟؟


من المعروف أن أسماء المدن والشوارع تكون عادة محفورة في وجدان وضمائر شعوبها وساكنيها وقد ترسخت هذه الأسماء عبر أجيال وعلى مر عصور وأزمان وأي تغيير أعتباطي لا يستند على أسس منطقية ولم يحظى بالقبول سوف يثر غضب العراقيين وسخطهم وسوف يولد مزيدآ من الأحقاد وردود الأفعال في الوقت المناسب،، أنها دعوة لمراجعة كل الأخطاء والكف عن العبث والتزوير لأسماء مدن العراق وشواخصه التاريخية.


حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]