يبدو أن تداعيات الفشل الأمريكي الراهن في العراق و الذي عكس نفسه من خلال فشل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الإحتلال في ربيع 2003 و حتى اليوم ستتخذ أبعادا تاريخية متوالية و ستشمل فتح ملفات عديدة نعرف بدايتها ولكن نهايتها ليست معلومة، فالإحتلال الأمريكي و القوة العسكرية الجبارة التي أسقطت نظام صدام حسين الذي تأجل سقوطه لعقد ونيف من السنين و تحديدا منذ الهزيمة الساحقة في رمال الكويت عام 1991 لم يستطع أن يبني الدولة العراقية الحلم و النموذج أو جمهورية إفلاطون المنتظرة أو التي كنا لسذاجتنا نحلم بها و نتوقعها و نتمناها! بعد أن فتحت كل بوابات الخرافات التاريخية و طفت كل الأمراض النفسية و الإجتماعية الكامنة تحت حجاب الديكتاتورية التي كانت تمنع الماء و الهواء و شمس الحقيقة.

بل أن تلك القوة العسكرية الجبارة قد هشمت بالكامل ما كان مهشما أصلا، وفرضت منطقا عدميا أتاح لأشباح التاريخ و للقوى السياسية المتخلفة و البدائية أن تتصدر المشهد السياسي العراقي بعد أن فتحت للأسف بوابات الصراع الطائفية النتنة التي شملت بفظاعاتها كل العراقيين خصوصا بعد تحطيم المؤسسة العسكرية العراقية بالكامل و إنفتاح حدود العراق من كل الزوايا لكل من هب ودب من الغرباء بدءا من عصابات الحرس الإرهابي الثوري الإيراني و ليس إنتهاءا بعصابات القاعدة و بهائم الأصوليين المجرمين المفخخة و بقية فرق و عصابات الموت و التهريب و أهل المخدرات و الكيف و حبوب الهلوسة حتى تحول العراق بأسره لأوسع ساحة عالمية مفتوحة للصراع و أنكفأ ليكون منطقة قتل ميداني شاملة لكل أعداء الولايات المتحدة، فرأينا العجب العجاب من رموز العصابات الإيرانية المجرمة أو رموز الجماعات الأصولية المتوحشة كالقاتل المقبور أبو مجرم ( مصعب ) الزرقاوي و بقية الأبوات من بهائم آخر الزمان! رغم أن العراق و لسنوات قريبة كان خالي بالكامل تقريبا من تلك النفايات الإرهابية.

المهم في الموضوع هو رد فعل قادة الأحزاب الكردية على التصريحات التي أطلقها الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق السفير بول بريمر و الذي حمل قادة الأحزاب الكردية مسؤولية قراره المثير للجدل بحل الجيش العراقي و التخلي عن مئات الآلاف من العناصر العسكرية المدربة وقطع أرزاقها مما ولد ردود فعل عنيفة إنعكست على الوضع الأمني الداخلي و على الحالة السائبة للبلد بشكل عام، السيد جلال طالباني رئيس العراق الحالي نفى بالكامل أي مسؤولية لجماعته في ذلك القرار كما نفى ذلك أيضا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني و اللذان نفيا بشكل قاطع تهديدهما بإعلان الإنفصال عن العراق إن لم يتم حل الجيش العراقي بالكامل ؟ بعد ذلك لا ندري من نصدق حقيقة؟

هل نصدق السيد جلال طالباني وخصمه اللدود وهو رئيس العراق حاليا رغم أنه من حيث الواقع و الممارسة السياسية منحاز لجانبه و تحالفه الكردي بالكامل و لا أشعر مطلقا بأنه رئيس لكل العراقيين نظرا لتصريحاته المعروفة في موضوع كركوك و تحيزه المسبق لصالح الطرف الكردي فضلا عن أن زيارات طالباني لمدينته السليمانية أكثر بكثير من زياراته المعدومة تقريبا للمدن العراقية الأخرى؟ فالحكم و السلطة و الإمتيازات في بغداد و الهوى و الجمال و الروح في كردستان!، أم تراني أصدق الحاكم المدني الأمريكي السابق و الذي قضى عاما كاملا في العراق ألف بعده كتابه الذي فضح الطبقة السياسية الجديدة و المتنافرة التي حكمت العراق بعد الفاشية الفردية البعثية و لم يكن أداؤها بمستوى الطموح بل ساهم بتعميق الخراب العميق أصلا، و الواقع أنه في ظل حالة التخوف الشامل و التوجس العام للقيادات الكردية من وجود الجيش العراقي في مدن الشمال العراقي و التهديد المستمر بإعلان البشمركة الكردية الحرب على الجيش العراقي إن توغل في المدن الكردية وهي في النهاية مدن عراقية فإن الكفة تميل لتصديق ماذكره المستر بريمر و الذي لا مصلحة حقيقية له في التلفيق بعد أن إنتهت مهمته في العراق منذ سنوات!، فالأحزاب الكردية لا تخفي أبدا خشيتها من تزايد القوة الحقيقية للجيش العراقي رغم أن الجيش العراقي ما غيره هو من جعل أربيل في عهدة السيد مسعود بارزاني بعد أن سيطر عليها طالباني خلال معارك عام 1996 المشهورة و التي جعلت السيد بارزاني يطلب النجدة من صدام حسين شخصيا لتحطيم قوات غريمه الرئيس العراقي الحالي ! وهي فضيحة تاريخية نجحت الأحزاب الكردية في طمس معالمها الفضائحية، و رغم أن السيد جلال طالباني نفسه و خلال مسيرته السياسية كان كثير التقلب بين صدام حسين و معارضيه و لا نستطيع أن ننسى أبدا إنه في نهاية عام 1983 إتفق الطالباني مع نظام صدام حسين و تحول و حزبه الإتحاد الوطني من المعارضة للولاء للنظام البعثي!!، ثم بعد أحداث الإنتفاضة الشعبية عام 1991 قامت القيادة الكردية بكل قياداتها بمقابلة صدام و تبادل القبلات معه رغم أن جثث ضحايا الأنفال لم تزل تطرز مدن وقرى كردستان!!

كما أن الزيارات التي كان يقوم بها قياديو النظام البائد من أمثال عزة الدوري و علي كيمياوي و غيرهم لم تنقطع أبدا لأربيل و غيرها!! و الصور التذكارية جاهزة و موجودة و توثق كل شيء، وحتى خلال الحصار الإقتصادي الطويل الذي فرض على العراق فإن شخصيات من أربيل كانت تعقد الصفقات التجارية مع حكومة بغداد و خصوصا مع أبناء صدام قصي و عدي!! و كل شيء معروف و موثق ؟ فلماذا لم يخف قادة الكرد وقتها من الجيش العراقي؟

بكل تأكيد فإن الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، و إضعاف الجيش العراقي هو الهدف المركزي للتحالف الكردي و حتى للجماعات المدعومة إيرانيا!! و الأسباب واضحة.. لذلك لا مناص أبدا من تصديق رواية الحاكم المدني الأمريكي السابق لأنها ببساطة الأقرب للعقل و المنطق... أليس كذلك؟

داود البصري


[email protected]