أدناه الترجمة العربية لمقال كتبه الكاتب والأديب والصحفي التركي الكبير السيد أحمد آلتان مدير تحرير صحيفة quot;طرفquot; الواسعة الإنتشار والتي تصدر في تركيا. الكاتب آلتان غني عن التعريف، فهو تركي أباً عن جد. أجداده ينحدرون من عائلة كانت تتبوأ مناصباً عسكرية عليا في الدولة العثمانية. بعد إتصال سابق لي معه أبدى السيد آلتان موافته على ترجمة مقالاته الى اللغة العربية ومنحني حرية إختيار الجهة التي أريد أن أنشر فيها الترجمة العربية لمقالاته. السيد آلتان من الذين يؤمنون بأن لا مستقبل لتركيا دون حل القضية الكردية.
وفيما يلي نص مقال آلتان المعنون( أوجلان ومانديلا) والذي إخترته للقراء العرب، وجميع قراء العربية:

ــــ لقد كتب السيد أرتوغرل أوزكوك مدير تحرير جريدة quot;حريتquot; مقالاً غير عادي وملفتاً للنظر.
يقول أوزكوك في مقاله:quot; أن أوجلانأيضاً بإمكانه المساهمة في جهود السلام التي يتم التخطيطلها [القصد هنا المحاولات الجارية لعقد مؤتمر كردي موسع في عاصمة اقليم كردستان العراق هولير ــ أربيل.المترجم ]. قد أكون مجحفاً بحق السيد مديرالتحريرعندما أقول أن تسريبات quot;حريتquot; هي عادةً بوادر لما ستقدم عليه الدولة لاحقاً. وأعتقد أن هذه التسريبات هي في الأساستهدف الى تهيئة الشارع لمبادرة سلام قادمة.[صحيفة حريت معروفة بقربها من الدولة السريّة المدارة من رئاسة اركان الجيش التركي، بل أنها لسان حال هذه الدولة.المترجم]. حتى لو كانت الفكرةهي فكرة السيد أوزكوك أو لنقل أن الدولة هي التي تقدمت إليه quot;بالرجاءquot; لكتابة تلك المقالة فإن ذلك لن يغير من النتيجة شيئاً،لأنها خطوة مباركة في الحالتين. قبل نشر الكتابة تلك بعدة أيام صادفتٌ خبراَ آخراًلا يقل إثارة عن ما كتبه أوزكوك. الخبر يقول: سوف تبنى الدولة 12 وحدة منفردة أخرى في سجنquot;إيمراليquot;. أي أن 12 شخصاً آخراًمن رفاق أوجلان سينضمون إليه. الكتابة تلك والخبر ذاك يشيران الى أن تغييرات هامة ستحدث.

إسم أوجلان كإسم الآلهة quot;يانوسquot; له جانبان. أكثرية الأتراك يكرهون هذا الإسم ولا يتحملون سماعه. حتى أن معظم الصحف التركية تضع أمام إسمه توصيف quot;رأس الإرهابquot; أوquot;قاتل الأطفالquot;، أما بالنسبة للكرد فإن كلمة quot;أوجلانquot; هي كلمة مقدسة او من المقدسات لديهم. أوجلان تعني للكردي الزعيم الذي جعل من القضية الكردية على كلالألسن في تركيا. وهو جزء لا يتجزأ من الهوية الكردية في أيامنا هذه. حزب العمال الكردستاني يشير إلى شخصه بكلمةquot; القائدquot; وquot; الزعيمquot; كنوع من التعظيم ولا يستعمل كلمة أوجلان مجردة من هذين الوصفين.

قبل ما يقارب الشهرين شاهدتٌ فيلماً سينمائياً عن الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا. كان إسم مانديلا في جنوب افريقيا يشبه في وقعه تماماً إسم أوجلان في تركيا. السكان البيض كانوا يرونه quot;قاتلاًquot; والسود يرونه quot;قديساًquot;. في البداية كان مانديلا معتقلاً في منفردة ووحيداً. بعد ذلك جيء بعدد من رفاقه ومن أفراد حزبه الى سجنه. بعدها بفترة قررت السلطات نقل الجميع الى مكان أكثر راحة وquot;إنسانيةquot; ومن ثم أحتجزوا في مزرعة تحت الحراسة.

ذلك التغيير في وضع مانديلا كان شيئاً رهيباً وغير قابل للتصديق بالنسبة للبيض، أما للسود فقد كان التغيير حادثاً إحتفاليا. الحقد والإنتقام لا يفيدان على الإطلاق في حل القضايا الإجتماعية والصراعات القومية. مهما كانت محاولات إنكار حق شعب في الوجود وإنكار هويته ولغته وعاداته وتقاليده فإن الحياة والواقع يفرضان الحقيقة مهما كانت مٌرّة. وإنكار هذه quot;الحقيقةquot; أدى الى نشوب الحروب.

الآلاف من البشر قتلوا في هذا الوطن وصرفنا على هذه الحرب مئات مليارات الدولارات لشراء الأسلحة ولم نستطع حل هذه القضية. الآن نجد حتى الجنرالات المتقاعدين يعترفون الواحد تلو الآخر بأخطائهم فيحق القضية الكردية. العالم كله يتمنى أن يسود السلام في لتركيا والشرق الأوسط. هناك تحضيرات لمؤتمر كردي موسع. أوجلان أبدى ترحيبه. حتى وأن كان الأمر غير مستساغاً أو مقبولاً لدى الأتراك فأن أوجلان هو عنصر هام من أجل إنجاح عملية السلام. وكما يقول السيد پآليف آرپ لابد أن تقيم صلحاً مع الذي حاربته طويلاً.

الحرب بدأها أوجلان، وهو لديه المقدرةعلى أن يبدأ عملية السلام أيضاً. السلام لا يمكن تحقيقه دون أوجلان وحزب العمال الكردستاني. إمتعاض وحنق الأتراك على أوجلان وحزب العمال الكردستاني لن يغيرا من الحقيقية شيئاً.

إستبعاد أوجلان وحزب العمال الكردستاني عن عملية السلام لايتطابق مع الحقيقة والواقع. أنا لا أجهل الحنق والإشمئزاز لدى الكثيرين من الأتراك عند قراءتهم لهذا المقال. لكن إلى متى سنخفي الحقائق بسبب الخوف من ردةفعل حانق أو غاضب؟. أوجلان هو مانديلا الكرد..إنه بطلهم القومي.
الآن أريد أن أسأل الأتراك لأضعهم أمام هذين الخيارين:
هل الأفضل هو الإنتقام من أوجلانوالإستمرار في إعتقاله، أمالأفضل هو تحقيق الرفاه للوطن وإنهاء دوامة القتل وسفك دماء شبابنا وأولادنا، اننعيش سوية في ود و وئام؟.

الإنتقام لن يحقق أي نجاح. في هذه الحرب تعرض الطرفان للآلام و العذاب الكبير وفقدوا فلذات أكبادهم. ليس هناك أي معنى لإستمرار هذه الحرب. هل يحق لنا ياترى أن نتعامى ونتجاهل أهمية إنضمام أوجلان إلى عملية السلام؟. تركيا على مشارف طريق السلام، وبقدر آخر من التصميم نستطيع الولوج في هذا الطريق.

جنوب افريقيا نجحت وحققت السلام في بلد كان يسوده الحقد والضغينة والقمع. لماذا الظن بأننا لانملك القدرة على صنع السلام؟؟.
لقد فهمنا أننا كنا دهاة في فن إشعال الحرب...
ألا نمتلك نفس الدهاء لكي نستعمله من أجل الوصول إلى السلام ياترى؟

د.بنكي حاجو

طبيب كردي ــ السويد.
[email protected]