كلنا نعلم أن حضارة وادي الرافدين هي واحدة من أهم وأقدم الحضارات التي عرفها الكوكب أن لم تكن هي الأهم والأقدم على الإطلاق نظرا لأنها مثلت باكورة الحضارات البشرية الناضجة بل ومثلت بحسب كثير من المؤرخين الجذر الأقدم للحضارة العالمية الحديثة حيث عدها المؤرخ (جان بوتيريو ) أقدم أسلافنا البعيدين واهم ما يمكن أن تنسب إليه حضارتنا الحديثة أما المؤرخ (صوموئيل هنتنغتون) صاحب نظرية صدام الحضارات فقد وضع في كتابه الذي حوى تلك الفرضية والموسوم (صدام الحضارات وإعادة صنع النظامالعالمي) مخططا لأصول الحضارة الأوربية جاعلا من حضارة بلاد الرافدين أخر سلسلة الأصول عادا حضارة وادي الرافدين أقدم مساهم في نشوء هذه الحضارة وهذا ما أكده عالم المسماريات الشهير (صوموئيل كريمر) في كتابه المهم (التاريخ بدا في سومر) والذي حوى معلومات مهمة عن أهم الإسهامات الرافدينية في مجال الحضارة البشرية عادا الكتابة المسمارية من أقدم الأنظمة الكتابية التي عرفها البشر وربما ألهمت غيرها من الأنظمة الأخرى وهذا ما أكده أيضا المؤرخ الشهير (ارنولد توينبي) في كتابه دراسة التاريخ حيث عد حضارة وادي الرافدين واحدة من ستة حضارات أصلية شهدها تاريخ الكوكب حيث قصد بهذا التعبير أن هذه الحضارات لم تنشا عن حضارات أقدم منها كما حصل مع غيرها من الحضارات وبالتالي فان الآثار التي تقدمها هذه الحضارات تعطي أقدم المعلومات عن أسلافنا الذين عاشوا في تلك العصور الغابرة الأمر الذي دفع الدول التي احتضنت أرضها مواقع تلك الحضارات إلى الاهتمام بآثارها وتوفير الحماية الملائمة لها لتكون شاهدة على كفاح الناس في تلك الأزمان وما عانوه من صعوبات وهم يؤسسون لحياة سعيدة لأبنائهم وأحفادهم.


وهذا ما لمسناه في الجهود التي تبذلها مصر في هذا الخصوص فمصر التي تمتلك حضارة لانظير لها تقدم ابرز مثال على هذا النوع من الاهتمام حيث تشمخ بكل زهو أثارها الرائعة سواء في مواقعها الآمنة أو في المتاحف جاعلة من هذه الآثار موردا من موارد السياحة التي تحتاجها مصر من اجل إعاشة سكانها وتطوير بنيانها الحضاري فيما تقدم هذه الآثار صورة مشرقة عن دور مصر التاريخي وما قدمته من إسهام في مسار التاريخ العالمي ونفس الشيء يحصل في البلدان الأخرى كالصين والهند والمكسيك واليونان وايطاليا وغيرها.


عكس ذلك يحصل لآثار العراق التي تواجه ومنذ زمن طويل عمليات تهريب وتخريب شملت معظم مواقع هذه الحضارة المنتشرة على عموم ارض العراق حيث تسرق يوميا الكثير من القطع الأثرية في ظل اشتباك الوضع الداخلي وضعف مؤسسات الدولة وفي ظل انفلات الأمن الطويل حيث تواجه آثار العراق مخاطر مستمرة بفعل اضطراب الوضع العراقي وتخلخل مسار العملية السياسية ما ينذر بتكرر مأساة المتحف العراقي الكارثة الأثرية الأكبر في تاريخ العالم في نيسان عام 2003 وبطبيعة الحال لايمكننا أن نعول على الإجراءات التي تتخذها السلطات في هذا المجال فهذه الإجراءات أثبتت عقمها أكثر من مرة وخير دليل على ذلك تواصل عمليات نهب الآثار وبشهادة الأجهزة الأمنية التي تضبط أحيانا بعض الآثار المسروقة والمعدة للتهريب خصوصا وان معظم المواقع الأثرية العراقية بلا حماية وبعيدة عن اهتمام الدوائر المعنية التي لم تقم بما يكفي لحماية حتى الآثار المسجلة والأدلة على ذلك كثيرة أبرزها تقاعسها عن حماية آثار بابل التي تعرضت للعبث من قبل القطعات الأجنبية التي استوطنتها لأمد طويل ولم تقم بأي دور لدفع تلك القوات لترك تلك الآثار على الرغم من أهميتها العالمية الأمر الذي نتجت عنه أضرار كبيرة فصلتها تقارير الخبراء الأجانب وبالذات بعثة بريطانية أرسلت لهذا الغرض لكن ليس هذا كل شيء فآثار العراق مهددة بالفناء ولن يمر وقت طويل حتى تتحول ارض العراق إلى أرضا قفرا ليس فيها الكثير من الشواخص الأثرية ومالم تسارع الأمم المتحدة والهيئات الدولية لمد يد المساعدة فربما نشهد عاجلا أم أجلا انقراض الآثار العراقية.


إما الحلول التي يمكن اعتمادها في هذا الشأن فهي كثيرة ومتنوعة كوضع المواقع الأثرية تحت الحماية الدولية أو وضع الآثار العراقية ضمن قائمة التراث العالمي أو تقديم مساعدات فنية للجانب العراقي من اجل إنشاء منظومة حماية أمينة وغير قابلة للاختراق وبالطبع لا أريد أن اكرر هنا مقترحا قدمته ذات يوم في غمرة جرحنا الكبير بكارثة المتحف العراقي و دعوت فيه إلى نقل الآثار العراقية إلى بلد امن فربما كان في ذلك الرأي بعض التسرع وربما التجني على الكفاءة والأمانة الوطنية لكن ما أود قوله هنا أن الآثار العراقية بحاجة إلى عملية إنقاذ حقيقية إلى جهد يتجاوز المعمول به حاليا لأنه غير كاف ولم ينتج عنه شيء مهم فالآثار العراقية ليست ملك للعراق وحسب بل ملك العالم اجمع ومن مصلحة الجميع بل ومن واجبهم المساهمة في حمايتها.

باسم محمد حبيب