لا أخْفيكم بأن كلمة (الصّح- آفة) ليست من اختراعي وإنما هو عنوان لجريدة سياسية ساخرة كانت تصدر في الجزائر برئاسة الصحافي المخضرم الحبيب راشدين ، قبل أن يدفنها ملك الموت السياسي مع مئات الصحف التي تنضم بين الحقبة والأخرى إلى قافلة الموتى والمفقودين ، حتى تمنّينا يوما للحساب نتساءل فيه ، وإذا الصحيفة سُئلت بأي ذنب أُعدمت!
بمناسبة اليوم العالمي للصحافة الذي يصادف الثالث من مايو/آيار من كل عام ، خطب رئيس كل الجزائريين والجزائريات موجها كلامه إلى الصعاليك والتافهين والحاقدين والنمّامين من أمثالي (هذه أوصاف السلطة لنا) بأنه سيعطف عليهم بقانون جديد يحمي مهنتهم القذرة ويفكّ رقابهم من سيف قانون الصّح- آفة القديم الذي يُجرّمُ الصحافيين بتهمة القذف في أسيادهم ، أصحاب المليارات والطائرات الخاصة وشركات التصدير والاستيراد. لكن سيد القوم اشترط مقابل تحقيق هذه البشرى السارة ، أن يساعده هؤلاء الصعاليك في كشف المُرتشين وفي دحر الفساد وممارسة النميمة في حق كل جزائري انتفخ بطنه سريعا من فرط سرقة المال العام.
ما جال في خاطري وأنا أقرأ بعض المقالات وهي تتناول خطاب الرئيس الذي يحتفل بعامه الحادي عشر في الحكم ، أنه أضاف مهنا ثقيلة إلى مهنة المتاعب. إذ يتوجّب على الصحافي من الآن فصاعدا أن يعمل مُحققا أمنيا مُتخفيا (تشارلوك هولمز) ثم مدققا في كل المعلومات التي يجمعها (رئيس شرطة) ثم محاميا أو قاضيا! ولستُ مصدوما من هذا الخطاب في وقت أصبحت الصّح- آفة في الجزائر تمارس وظيفة الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان وشخصيات المعارضة وحتى علماء الإجتماع.
اليوم العالمي لحرية الصعاليك سبقته وحدة الانتليجنسيا في مجلة الإيكونوميست البريطانية بنشر تقرير يضم قائمة لدول العالم وعلاقتها بالديموقراطية في عام 2008. من بين مئة وسبعة وستين دولة ، احتلت الجزائر المرتبة 133 ووقعت تحت خانة الدول المتسلطة. ولم تفصلها عن أفغانستان سوى أربع نقاط ، فحكومة كابول جاءت في المرتبة 137 أما عن الدول التي سبقت جزائر العزة والكرامة في ترسيخ الديموقراطية فهي كثيرة ، ولا أتحدث عن السويد التي احتلت المرتبة الأولى ، لكن رواندا مثلا قد تمكنت من احتلال المرتبة 121 وموريتانيا جاءت في المركز 118 رغم الانقلاب الأخير. ولا أعتقد أن المخابرات المغربية هي التي ضغطت على الإيكونوميست لإحلال الجزائر في ذلك المركز (العار) انتقاما من البوليزاريو وإنما النظام المتآكل هو المسؤول الوحيد عن البهدلة والمرمطة التي أوصل إليها الشعب الجزائري وعن تشويه صورة الجزائر في العالم.
الصّح ndash; آفة في الجزائر قدمت الكثير من التضحيات وقد قُتل أكثر من سبعين صحافيا في العشرية السوداء. وهناك مئات المحاكمات التي تنتظر الزملاء بتهمة القذف. وخطاب الرئيس الأخير لن يُصدّقه عاقل حتى الذي اجتهد في كتابته. لماذا؟ أولا لأن المفسدين هم دعامة نظام الريع ، وثانيا لأن فاقد الشيء لا يعطيه. لقد صدق أحد الصحافيين حين قال ، إن النظام الجزائري إذا حكم صحراء مليئة بالكثبان الرملية مدة عام ، فلا عجب في أن تجد الناس الذين حكمهم قد خرجوا في مظاهرت عارمة احتجاجا على ندرة الرمال.
ويبقى قول الصحّ آفة ، بل آفات... خصوصا في زمن الإفلاس.
سليمان بوصوفه
التعليقات