الزمن لا يعمل لصالحها..

هذه الجملة المتشائمة ترددت في افتتاحية صحيفة هآرتس يوم 28 ابريل الماضي.. وأشارت إليها ndash; هذا الأسبوع - أقلام ثلاثة من كبار الكتاب والمحللين الإعلاميين..

قالت الافتتاحية.. أن التماثل بين الزمن وصالح إسرائيل والذي حرص عليه زعمائها عبر عدة عقود كضمانة للتطور، لم يعد quot; فيما حولنا ما يؤكد هذه الأيام أنهما متفاعلان quot;.. لأن تجاربنا الذاتية أثبتت quot; المرة تلو المرة أن الزمن لا يعمل لصالح إسرائيل، لأنها هي لا تفعل الكثير من أجل صالحها quot;..


تقارن الافتتاحية بين تزايد عدد سكان إسرائيل وتعاظم قوتها العسكرية ومتانة اقتصادها، وبين حرص حكوماتها المتعاقبة علي تجميد مواضيع أسياسية مثل : المشكلة الفلسطينية والمستوطنات والحدود الشرقية والدستور غير المكتوب والتعريف الذاتي لمن هو الإسرائيلي وفصل الدين عن الدولة و دمج عرب إسرائيل وسيطرة الجيش علي حياة الدولة وافشال المبادرات والفرص السياسية.. كلها بقيت مجمدة ومؤجلة quot; وأوقفت الدولة في كثير من المرات عند حافة الهاوية quot;..
هذا الجمود في رأي الصحيفة يعكس حالة من اليأس والإصرار علي البقاء في المياه الضحلة والتمسك غير المبرر برفض إدارة الأزمات لأجل التغيير والتطويرquot; المفضي إلي الاستقرار والأمن والسلام الحقيقي quot;..


أما بن كاسبيت فيقول في صحيفة معاريف أن مناسبة يوم ذكري ضحايا الجيش مزقت مشاعره وجعلته يوقن انه رغم مرور واحد وستون عاما منذ الاستقلال quot; إلا أننا لا زلنا شكاكون ومفتقدون للأمن وأعصابنا ممزقة quot;.. والسبب عنده أن الدولة بعد عقد اتفاقية السلام مع مصر والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية quot; اطمأنت وارتاحت وأصابتها السمنة المفرطة، ونسي المجتمع قيمة وفقدت جماهيره إصرارها علي التنامي، وشاب الغموض استعداد المواطن لخدمة وطنه quot;.. لكنها اهتزت بشدة مرة ثانيه هذه الأيام عندما أدركت أن مطلب الأمن والاستقرار لم يتحقق بعد مرور أكثر من ستون عاما، بل زاد خطر التهديد الوجودي..


يري الكاتب أن هذا التهديد هو الأكثر خطراً بالقياس لكل ما مر به الإسرائيليون quot; في الحرب العالمية الثانية أبادوا ثلثينا ولم نذرف دمعة واحدة، ولو أزالونا عام 1948 لما بقي منا من يفتح باب العزاء، ولو أبادونا عام 1967 ما تأثر العالم بل واصل سيره إلي الأمام بلا اكتراث quot;.. ويؤكد الكاتب أن مواجهة هذا الخطر لا تتطلب فقط الاستعداد لمواجهته بكافة السبل العسكرية، ولكن بالعمل أيضا علي تفعيل مقومات السلام التي تتوافر اشتراطاتها في ضوء الفرصة التاريخية التي تتيحها المبادرة التي تمد بها غالبية الدول العربية يدها، وذلك ndash; في رأيه ndash; عن طريق quot; أن لا نسمح لصراعنا القومي أن يتحول إلي صراع ديني واسع quot;..


أما الإعلامي عكيفا الدار فيقول في صحيفة هآرتس أن السماح ndash; في شهر يناير عام 2000 - بنشر مسودة الاتفاق بين إسرائيل والسوريين والتي كانت تجري بينهما بشكل سري للغاية في منتجع شبردس تاون برعاية أمريكية quot; فتح الباب لضغوط هائلة تعرض لها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وسبب إحراجاً للمساعي الأمريكية ( التي كان يتابعها عن كثب الرئيس بيل كلنتون ) لم يكن له إلا غرض واحد هو وقف هذه الخطوة وطمس ما حققته من انجازات لحساب البقاء في حالة جمود بالنسبة لمستقبل هضبة الجولان المحتلة quot;..
هذا بينما يقول المحلل السياسي شالوم يروشالمي في صحيفة معاريف أن quot; دولة إسرائيل ليست ناضجة quot; !! لأنها تعيش بلا حدود وليس لها دستور مكتوب ولا اتجاهات قومية واضحة ومعلنة، ولذلك فهي في رأيه quot; ما زالت غير مستقرة quot;..


حالة عدم الاستقرار، يراها الكاتب متمثلة في الاثنين وثلاثون حكومة التي توالت لإدارة شئون البلاد من عام 1948 إلي عام 2009 quot; بمعدل اقل من عامين لكل منها quot; ماعدا حكومتي جولدا مائير ( 1969 ndash; 1973 ) وحكومة الوحدة الوطنية ( 1984 ndash; 1988 ).. ويراها متمثلة في اضطرارها quot; للتهديد باستخدام السلاح النووي quot; لكي توقف الهجوم المصري السوري المنسق عام 1973.. ويراها متمثلة في الاقتصاد الذي ما يكاد يتعافي حتى يصاب بالتراجع.. ويراها أيضاً في شن حروب ليس ورائها هدف..


ورغم قناعة غالبية الكتاب أن quot; امن إسرائيل هو محور وجودها quot; إلا أنهم يرون أن فرص السلام التي عرضت عليها من عدة عقود كانت كفيلة بأن تمنحها الاستقرار وتوفر لها الأمن اللذان تنشدهما منذ قيامها.. ويرون أن السلام مع الجانب الفلسطيني والعربي سيوقف ndash; ربما إلي الأبد - اقتطاع الجزء الأكبر من موازنتها السنوية لحساب الخطط الدفاعية والهجومية، فثمن طيارة شبح quot; يقيم جهاز تربية متقدم في النقب كله أو في الجليل، وثمن شراء خمسة دبابات يوفر دعم للقصور المتراكم في الخدمات الصحية لعام كامل.. والمال الذي يهدر لشراء غواصة يقضي علي فروق اجتماعية تعاني منها شرائح كثيرة علي مستوى المجتمع quot;.. ويستدلون علي ذلك بأن quot; الدولة التي تستجدي الاعتراف بها في مناسبة يوم عيد استقلالها الـ 61، تقر وتعترف ضمنياً أنها غير قادرة علي حل مشاكلها بنفسها quot;..


وهذه الأغلبية تري أن quot; قيام دولتين لشعبين quot; و quot; تقسيم القدس لكي تكون عاصمتين quot; مع توزيع السيادة علي quot; الأماكن المقدسة ولاسيما جبل الهيكل quot;.. مطالب يجب الالتفات إليها بكل قوة وشفافية ونزاهة وواقعية quot; لأن البقاء في الوحل في رأيهم يعني مواصلة تحويل quot; مليارات الشواقل لدعم الأمن علي حساب التنمية quot;.. وان التدقيق غير الواعي في كل فقرة من فقرات مسودات اتفاقات ومبادرات السلام quot; لا يمثل تقدماً إلي الأمام وإنما إلي الخلف quot;.. وهذا لا يتفق مع الحاجة quot; لتحقيق الأمل، وإنما يؤدى إلي تآكل الدولة وضياعها quot;..

الدكتور حسن عبد ربه المصري
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]