من السذاجة أن نسلم بالمقولة التي تُرجِع مجمل أسباب إندلاع الحروب و الأقتتال بين الدول، أو داخل دولة ما، أي بين أبناء الوطن الواحد، الى مجرد قرارات سياسية تتخذها النخب السياسية على هواهم و دون أي أسباب مسبقة أو مشاكل و أمور أخرى دافعة لإتخاذ قرارات خطيرة كهذه. ولا ثمة تجربة واحدة في تاريخ البشرية تقر لنا هذه المقولة و تنفي الجوانب و الأبعاد الأخرى المتعلقة بأسباب نشوب الحروب، بل كانت هناك دوماً، ولاسيما على خلفية ما عاشرناها نحن العراقيين و ذوقنا مراراتها في أكثر من حرب، كانت هناك صراعات و خلافات مسبقة للحروب، وصلت هذه الصراعات الى طريق مسدود بعد أن أخفقت الجهود و المساعي للحيلولة دون أختيار سبيل الحرب كخيار نهائي.

و لامراء من أن أحد أكبر المسببات للحروب الدموية هو إشتعالها على الصعيد الإعلامي أولاً و إنتهاج الأطراف المتنازعة لسياسات إعلامية أستفزازية و حروب كلامية خطيرة مفعمة بشتى أنواع التهم و بث الأحقاد و الأكاذيب و الدعايات المغرضة ضد بعضهم البعض،و التي تلجأ اليها عادةً بل تعول عليها حصراً الأطراف الفاشلة و الضعيفة في حلبة الصراع، ذلك لتحقيق مآربهم و تشويه سمعة الخصم و الوصول الى مراميهم السياسية.

بعد أن قرر السيد نوشيروان مصطفى نائب الأمين العام للأتحاد الوطني الكردستاني سابقاً و في حوار صحفي لجريدة الشرق الأوسط اللندنية بأنه سيشارك في إنتخابات برلمان كردستان العراق بقائمة مستقلة عن قائمة حزبه، رغم أنه لايزال متمسكاً بإنتمائه للحزب حتى بعد إستقالته من منصبه حسب ما يقول هو نفسه، توترت الأجواء داخل أحد أكبر الأحزاب الكردية ألا و هو الأتحاد الوطني و تعرض هذا الحزب على أثر ذلك لهزة كبيرة. كما تحول منبر السيد نوشيروان الإعلامي و الثقافي الخاص به، مع قراره هذا، الى مشروع سياسي، صار يهدف من ورائه لا أصلاح الحزب فحسب الذي برر بأسمه، من البداية، إستقالته عنه و عن موقعه، و إنما هذه المرة لهدف أكبر و أسمى، يتمثل كما قال السيد نوشيروان، في الوصول الى السلطة و منافسة الأحزاب الحاكمة لاسيما حزبه الأتحاد الوطني، الذي أسسه مع الرئيس جلال الطالباني عام 1975 بعد إخفاق ثورة أيلول بسبب أتفاقية الجزائر بين العراق و شاه إيران.

هذا القرار لنوشيروان مصطفى رئيس قائمة التغيير، على ما أعلن بنفسه عنوان قائمته المستقلة في جريدة الشرق الأوسط، تُصاحبه في الوقت نفسه، و قبل أن يُُحََّدد موعداً من قبل رئيس الأقليم لإجراء الإنتخابات، تصاحبه حملة إعلامية كبيرة و مركزة يرى العديد من المراقبيين بأنها مهدت الأرضية فعلاً لحرب إعلامية خطيرة في كردستان العراق نظراً لللغة التي تتخاطب فيها، من البداية، هذه الحملة، الأحزاب الرئيسية، لاسيما الإتحاد و الحزب الديمقراطي بزعامة السيد مسعود البرزاني و الإنتقادات اللاذعة التي توجهها و التي يعتبرها أنصار الحزبيين بأنها مجحفة و لاتطاق الى ما لانهاية، لأنها، حسب رأيهم، حملة قاذفة بل تتسم في أغلبها بشتى أنواع التشهير و الخروج من أخلاقيات و قوانين الإعلام، و الأسوأ هو، كما يرى المراقبون، أن تبدأ الحملة الإعلامية المقابلة، أي حملة الأتحاد الوطني و الحزب الديمقراطي إعلامياً و دعائياً ضد هذه القائمة وإنزلاقها الى ممارسة سياسة رد الفعل و تحول الأمور على إثر ذلك الى إنطلاق ماكنة دعائية خطيرة تطال حتى إخراج ملفات خاصة عن الخروقات و الجرائم التي أرتكبتها الأطراف المتنازعة.

لامراء من أن هذه المواقف المتشنجة سوف تُخرج الأوضاع، في النهاية،عن السيطرة وتحيل الحرب الإعلامية / السجالية الى حرب البنادق و النار و الإقتتال، و هذا هو بالضبط ما يخشاها الآن الشارع الكردي و يُنذر بها بعض من القنوات الإعلامية الأخرى في الأقليم. فالتطورات و المستجدات التي يلاحظها المراقبيين على أرض الواقع في كردستان العراق لاتبشر أي منها بخير للأسف، لاسيما في ظل غياب روح المسؤولية لدى أغلب رؤساء التحرير في الصحف و المجلات الحزبية و الأهلية الكردية و لدى مدراء عدد من الفضائيات و القنوات الإذاعية الأخرى و عدم أخذهم خطورة الموقف بنظر الإعتبار و العمل على التنظير الإعلامي المطلوب للحد من خطورة الحملة و الإلتزام بما يضمن عدم تحول المواقف الإعلامية في الإنتخابات، في آخرالأمر، الى قنبلة تفجر صراعات دموية بين أبناء الوطن الواحد. كما أن صمت الكثير من المثقفين الكُرد تجاه هذه الماكنة الإعلامية الخطيرة حتى هذه اللحظة بل تورط العديد منهم في دعمها دون أي حس عقلاني و نقدي يساهم هو الآخر للأسف في إنفلات الأمور و تضيق مساحة روح الوطنية و التفاهم و العقلانية بين الأطراف الكردية الداخلية و بالتالي يساعد أيضاً حتى في طغيان الأصوات المنادية لإحتدام الصراعات والأقتتال و اللذين هم ليسوا إلا تجار الحروب، مما يعني أن الجزء الآمن من العراق، هو الآخر، سوف يتعرض لمشاكل أمنية بل يتحول الى ساحة مفتوحة لنزاعات حزبية سياسية لا أحد يعلم ماذا ستخلف من وراءها من دمار و خراب إذا ما لم يتدخل فعلاً الخيريين من النخب الإعلامية و المثقفة و السياسيين المعتدلين في الأقليم في إحتواء الأجواء المتوترة و الحد منها قبل إستغلالها من قبل جهات خارجية معادية للكرد و العراق عموماً.

عدالت عبـدالله

[email protected]