أعتقد أن موضوع القومية الفارسية في العراق يعتبر من أكبر التابوهات في الأوساط العراقية بسبب ثقافة الكراهية وروح العنصرية التي زرعها القومجيون العرب ضد كل من هو غير عربي، والفكر التكفيري الذي ربط القومية الفارسية بالبعد المذهبي وناصبها العداء، وكان بالامكان الحد من هذه الظاهرة المرضية لو أن الساسة العراقيين كانوا بمستوى من الشجاعة في التصدي للجهات التي زرعت روح العداء ضد العراقيين الفرس، فمع ان جماعات دينية لايتجاوز عدد اتباعها عشر عدد العراقيين الفرس قد حظت بتأييد السياسيين والمثقفين العراقيين في الأزمات التي تعرضت لها، لكننا نلاحظ صمت المسؤولين العراقيين وتقاعسهم عن اعادة الاعتبار للقومية الفارسية في العراق رغم ان هذه القومية تعرضت لجريمة فظيعة هي من افظع جرائم النظام الدكتاتوري البائد، حكومة السيد نوري المالكي لم تخطو خطوة اساسية وجريئة في خلق المقبولية الاجتماعية لهذه الشريحة العراقية ولم تبذل جهدا في تسليط الضوء على اسهام هذه القومية في التاريخ العراقي الحديث، لقد انساقت حكومة السيد نوري المالكي وللأسف لتحالفات سياسية جعلت عملية التهجير التي ارتكبها نظام الدكتاتور صدام حسين محصورة بالكورد الفيلية وهذه جريمة تكمل جريمة نظام البعث.
على الصعيد الثقافي نلاحظ دورا كبيرا للمثقفين العراقيين في حملات التضامن مع الاقليات الدينية والشرائح الاجتماعية التي تتعرض للاضطهاد، ولكن نادرا ما نلاحظ مثقفا عراقيا يأخذ على عاتقه البحث في سؤال القومية الفارسية في العراق، وان كانت بالفعل مكونا من مكونات المجتمع العراقي، وحجم المأساة التي تعرضت لها هذه الأقلية، إنه تابو يفوق تابو التعرض للمقدسات الاديولوجية التي ينتمي اليها المثقف العراقي [انطلاقا من كون الثقافة العراقية لم تتحرر من اتحيازها للاديولوجيا اسلامية كانت أو ماركسية أو قومية ].
العراقيون الفرس يعيشون في المهجر في ظروف صعبة للغاية، هجرهم نظام صدام حسين بتهمة العمالة لايران واشاع انهم طابور خامس يعمل في خدمة المصالح الايرانية، وهي تهم باطلة، فالعراقيون يعرفون جيدا ان ابناء هذه القومية يعيشون في العراق منذ مئات السنين وأنهم انخرطوا في جميع مجالات الحياة وقد خدموا العلم العراقي وكانوا بعيدا عن الانتماءات السياسية، وقد صادر النظام المذكور ممتلكاتهم وحجز ابناءهم ثم أعدمهم لاحقا وهجر العوائل الى ايران لأسباب عرقية تدل على انحطاط فكري.
الدستور العراقي يؤكد ان القومية الفارسية هي واحدة من اربع قوميات تشكل المجتمع العراقي ولهذا السبب نلاحظ ان تعدادهم مثبت في الاحصائيات الرسمية العراقية الى العام 1957، وثمة شخصيات ورموز كثيرة تمثل هذه القومية، وليس من باب التفاخر وانما بغية ذكر الأمثلة نكتفي بذكر شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، والذين يرفضون فارسية الجواهري بذريعة ان هذه العائلة تعبش في العراق منذ مئات الأعوام إنما يقدمون دليلا إضافيا على انحطاط التيار القومجي الذي لايقبل بعراقية الجواهري حتى وان كان العراق موطن أجداده منذ مئات الاعوام، وبديهي جدا أن تعترض عائلة الجواهري على مسؤولين عراقيين أشاروا الى فارسيته، فمعنى ان تكون فارسيا في عراق اليوم ومهما كان انتماؤك للعراق حقيقيا ومخلصا فذلك يعني أنك صفوي وعميل، أما الذين يمارسون العمالة علنيا فان عنصر الدم العربي الذي يجري في عروقهم يضفي عليهم طابع النزاهة، مؤسف جدا ومؤشر على انحطاط فكري ان يقترن عنصر العمالة بالجانب العرقي، أنت فارسي اذا أنت عميل!!!
، والأكثر إثارة للأسف أن الكثير من القوميين العرب الذين ضحوا من أجل عروبة العراق كانوا من ابناء قوميات غير عربية، حينما كانت العروبة طموحا لتأسيس فضاء حضاري للرقي والتسامح، أي قبل أن تنهار وتتحول الى رابطة دم ومافيات قبلية، القومية الفارسية في العراق تابو يحظر ذكر اسماء الشخصيات الفارسية الني كانت في مقدمة المدافعين عن عروبة العراق.
محمد الأمين
[email protected]
التعليقات