لقد ولد الاسلام حراً لا سنياً ولا شيعياً،وسيبقى حراً الى ابد الأبدين.واليوم ننهي تعليقاتنا حول الخلاف والاختلاف الموهوم، الذي صنعه فقهاء السلطة ابتكارا لخدمة الحاكم بين السُنة والشيعة، لعلنا نصل الى وضع منهج جديد ورؤية جديدة في أصول التشريع الاسلامي القائم على البينات المادية واجماع الاكثرية في الرأي الصحيح. وان حرية التعبير عن الرأي وحرية الاختيار،هما أساس الحياة الانسانية في الاسلام. فوالله لا سُنة ولا شيعة الا في رؤوس مخترعيها من وعاظ السلاطين.
نقول ونختتم ماقلنا متوجهين الى العلي القدير ان يزيل الفُرقة ويُحل الوحدة بين المسلمين.
هل بحسن النية أساء الينا القدماء من مؤرخينا المعتمدين،ام بقصد النية أساؤوا الينا الاقدمون.موضوع شائك وخطير والكتابة فيه تحتاج الى اعلى درجات الحيادية وضبط النفس في التعبير،حتى لا نقع في خطأ التقدير.فنحن اليوم لسنا بحاجة لكتابات جديدة مستهلكة للاخرين،فقد ملئت خزائننا منها ولم تعد رفوف مكتباتنا تسعها،فماذا نفعل بكتب التراث من تاريخ وفقه وتفسير. والتي يطبع منها في كل سنة ما لا يقدر بعدد وثمن،ولو استغلت أثمانها للصالح العام لبنينا فيها مدارس وجامعات لا تقدربثمن،ان لم تكن مدنا متكاملة للمواطنين من الفقراء والمساكين العرايا المتسكعين،و فوق هذا الغبن نقدمها للاسواق على أنها الاسلام والمنهج القويم،وماهي منه بشيء، ولم يعد بأمكاننا ايجاد الحل، الا اذا وجدنا في مؤسساتنا العلمية من يتنبه الى هذا الخطر الشديد المحدق بنا ويقف معنا شاهدا ونصيرا، وبقدر ما نحن بحاجة الى معرفة كل جديد في عالم الصح والخطأ الذي أوقعنا به الاقدمون. بقدر مانحن بحاحة للمناصرين بالحق والعدل وسلطان الضمير،فكيف السبيل الى ذلك؟
واذا نظرت بتمعن الى كل هذه العناوين الخلافية تراها ليست من العقيدة بشيء،وانما اجتهادات فردية يمكن الاتفاق عليها حتى بدون راي الفقهاء دون هذا الخلاف المُستحكِم الذي زرعته الخلافة العباسية قصداً في رؤوسنا دون سند،وآزرها الفقهاء على عهد المتوكل العباسي، وهي اخبار لو صحت لما رويت بهذه السذاجة المعهودة ومع هذا يريدون منا ان نصدق اخبار السلف من الفقهاء المؤرخين والتسليم لهم دون نقاش.
ان كل هذا المصاغ خطئاً من قبلهم ما جاء به الفقهاء اليوم الا بهدف الخروج من مآزق فكري وقعوا فيه في مواجهة العصر الحديث وليسوا بقادرين على محاورته دينا وفكرا سوى كيل التهامات الباطلة بالزندقة والهرطقة لكل مخالف لهم،انه خطأ في المنهج وليس تقصيرا في اللغة او التعبير.
ولا اظن ان احدا في عصرنا هذا يجرؤ على البحث فيها،لاننا في هذا العصر المضطرب على حساسية بالغة قي كل ما يتعلق بالصحابة،وانت مهما تكن مدققا ومحايدا لا تكاد تفهم المراد من رواياتهم،ولا تستطيع ان تصل الى مقطع الحق فيما كتبوا.أذن كم نحن بحاجة الى التدقيق واعادة النظر بعد ان مسخ حكامنا العقل العربي مسخا كما يريدون.وسنعرج عليها باختصار حتى لا نقع في الاطالة وملل القارىء الكريم.
كحكاية عبدالله بن سبأ وزواج الرسول من زينب بنت جحش وما حيك حولها من أقاويل المستشرقين.وموقف الاسلام من المرأة وحقوقها والاختلافات الفقهية في التفسير،وهناك أختلافات فقهية اخرها اوجدها الفقهاء ولا زالت موضع خلاف يحسبها الناس انها جزءً من العقيدة كالتكتيف في الصلاة وذكر علي ولي الله في الشهادة والدشداشة القصيرة والسواك ومستوجبات الوضوء وكلها اجتهادات فكرية لا علاقة لها بالعقيدة مطلقا،مادامت الصلاة واحدة والصوم واحد والحج من استطاع اليه سبيلا والشهادة واحدة والقرآن واحد.أذن اين الخلاف والاختلاف؟
هنا علينا من الواجب الاخلاقي والديني ان نُذكر القارىء الكريم بكتب العقيدة للسُنة والشيعة لنطلب منه ان يجشم نفسه بالاطلاع عليها ليرى بنفسه كم ظلمنا من قبل الفقهاء حين جسدوا لنا التفرقة بين الاثنين.
مصادركتب الشيعة:
--------------------
-محمد بن يعقوب الكليني (ت 447للهجرة) هو الذي قدم للشيعة الامامية (الاثني عشرية)عرضاً فكريا ًميز فيه مذهبهم عن المذاهب الاخرى في كتابه المعروف بالكافي الذي استغرق وضعه في عشرين سنة وضم قسمين كبيرين،الاول في الاصول والثاني في الفروع. وهو فارسي الاصل.
-محمد بن علي بن بابوية (ت381 للهجرة)ويعتبر كتابه من لا يحضره الفقيه احد الكتب الشيعية التاسيسية الاربعة المعتمدة كمصادر للحديث.وهو فارسي الاصل
-الشيخ المفيد (431 للهجرة)وهو احد المع فقهاء عصره من الشيعة وكتابه الارشاد الذي يستعيد فيه تاريخ الأئمة الاثنى عشر وكتابه الاخر (أوائل المقالات)الذي وضع فيه كل الحلول لمواجهة الافكار الاخرى.
-ثم ياتي الشيخان الشريف الرضي والشريف المرتضي وهما من ابناء احمد الموسوي.والاول (ت406للهجرة) وهو الذي جمع سفر الامام علي(ع) الموسوم بكتاب نهج البلاغة الرصين،والثاني (436 للهجرة.ومن اهم كتبه الامالي وكتاب الشافي الذي فيه ينتقد النظرية المعتزلية لفرقة المعتزلة الشهيرة.
-ابو جعفر الطوسي (ت460 للهجرة) والملقب بشيخ الطائفة وكتابه الاستبصار في الحديث وتهذيب الاحكام وبه ينتهي عصر الازدهار الشيعي على عهد البويهيين،وبقي الفكر الشيعي يراوح مكانه حتى أنطلق مرة أخرى على عهد الالخانيين بزعامة العلامة الحلي.
-
-الامام الخميني وكتاب الكشكول الذي شرح فيه كل افكاره ومعتقدات الشيعة وارائهم.
-المجلسي وكتاب بحار الانوار المؤلف من اكثر من 120 جزء،وفيه من احاديث الغث والسمين،فأما ان تفرأه وتحتاج لقراءته سنين،واما ان تهمله لترتاح وتستريح وهو الافضل.
- تعتبر تآليف الشيعة حركة فكرية كبيرة، وفيها الكثير من المحاورات الفكرية لفكر العلامة المعتزلي عبد الجبار.كما كان لجمع وشرح نهج البلاغة ثروة فكرية كبيرة لذلك العصر الثقافي المزدهر.
-لكن فقهاء الشيعة اهتموا فقهيا بمسالة شرعية السلطة البويهية القائمة والجوانب الكلامية والفلسفة الاصولية التي اظهرت التيار العلوي الفكري دون الاخرين،ولعل اهم ما ميز هذه الفترة هو نشأة علم اصول الفقه تاسيسا على المعتقد الشيعي.ولم يتمكن هؤلاء الفقهاء الا حينما توفرت لهم اجواء الحرية الكاملة في التأيف والمنهج. ستبقى لمؤلفاتهم قيمتها العلمية والدينية لكن هذا لا يعني التمسك بها الى الابد دون تغير فالزمن يلعب دور في عملية التغيير.
مصادر كتب العقيدة عند السُنة
-----------------------------ا
الماوردي ( ت 450): شافعي المذهب من فقهاء السُنة في العهد البويهي كتب الكثير من أرائه الفقهية للتوفيق بين البويهيين والخلافة العباسية على عهد القادر بالله العباسي ولقد عاصر البويهيين والسلاجقة في أواخر حياته الفقهية.ومن كتاباته (السلطنة الجديدة).وله افكار كثيرة تستحق المتابعة والدرس.
ابو المعالي الجويني(ت 478للهجرة) كان شافعي المذهب صاحب المدرسة النظامية في بغدادومن اشهر مؤلفاته (الرسالة النظامية)التي اهداها الى نظام الملك.لكن الجويني مع الاسف كان متطرفا في محاورة الفكر الشيعي ومحاربا للفقهاء الشيعة رغبة في ترضية السلطان نظام الملك لا اعتقاداً منه بما كتب.
- الغزالي (ت505) ولد في طوس ودرس في نيسابور على يد العلامة الجويني ودخل في خدمة نظام الملك ودرَسَ في المدرسة النظامية في بغداد كأستاذ للفقه الشافعي.وافكار الامام الغزالي (رض) تقدم نوذجاً لعلاقة غنية ومعقدة بين الفقيه والسلطان.ولا يمكن فصل هذه التجربة عن سياق الافكار والاراء حيال السلطة والفرق الدينية والمعتقد الايماني.
- بدر الدين بن جماعة (ن1333م) فهو من المدافعين عن حكم المماليك ونظريته في طاعة الحكم واضحة وعلى الجماعة القبول بها فالحاكم ظل الله في الارض،ونظريته مستمدة من نظرية الخليفة المنصور العباسي الاستعبادية الصرفة.
- ابن تيمية (ت 1328م): وهو مفكر واقعي في مجال السياسية،لا يؤمن بفصل الدين عن السياسة،لانها بنظره تعني الفوضى.
-وهناك ابن الازرق والطرطوشي من فقهاء السُنة. وابن المقفع والجاحظ المعتزلي والكثير من علماء الشيعة امثال كاظم اليزدي واخرين معاصرين مالئوا الحاكم والسلطة وادخلوا الشريعة والتشريع في فوضى السياسية التي نحصد ثمارها السلبي اليوم. ومع هذا الذي يقال لربما القارىء الكريم يتسائل ما الحل؟
الحل يكمن بضرورة صياغة نظرية اسلامية في المعرفة الانسانية،مصاغة صياغة حديثة معاصرة مستنبطة حصراً من القرآن الكريم، لنحصل منها على منهج في التفكير العلمي لكل مسلم،وتمنحه ثقة بالنفس وجراة على التعامل والتفاعل مع كل ما انتجه الانسان على مر العصور بغض النظر عن عقيدته،حتى نبتعد تماماًعن التفكك الفكري والتعصب المذهبي واللجوء الى مواقف تراثية مضى عليها مئات السنين،لنواجه الفكر المعاصر عند الاخرين.فهل نحن فاعلون؟
ومهما يكن الانطباع الذي يحاول ان يتركه اصحاب النظريات السياسية المتضاربة الان،فان المواطن العربي أصبح اليوم بحمد الله وأراء المخلصين يتلمس ولو ببطء الحقيقة المرة التي كبلوها في أعناقه وهم يدفعون الناس الى ان يستبد بهم الضعف لأفتقار الأمة وأمتهان أرادتها،لكي يجعلوا من الغنيمة بديلا للقانون، ومن المداورة بديلا للسياسة، ومن التبعية للاجنبي الخارجة عن الشرعية بديلا عن المشاركة.
ان من واجب الفقهاء وقادة الامة اليوم الحد من الشطط والانحراف ومن الافراط والتفريط في مكاسب الدنيا من خلال الدعوة الى صيغة الامة الوسط، ونقل فكرة الشورى الى مستوى المؤسسات الحديثة التي توصل اليها تطور الفكر الانساني في العالم.
ويبقى في هذه الامكانية دور الفقيه المجتهد والسياسي الوطني الغيور،جزءً لا يتجزأمن سعي مجمل افراد الامة،لاقامة هذا التوازن من اجل الارتباط بقضايا الامة كما ارادها الرسول الكريم(ص) واهل البيت والصحابة الاجلاء الأخيار،وليس رتبة في مؤسسة او سلطان أو مال أو جاه.ان هذا المسار المتوازن كان هدفاً في التاريخ ولا يزال.
ان من واجب المواطن العربي المسلم ان يقرأ بنفسه ليلخص لنا هذه الافكار، ام نبقى نتقاتل بيننا من اجل سُني وشيعي و الشعوب الاخرى تتفرج علينا دون سبب مبين.وختاماً نطلب من الها المغفرة وحسن العاقبة والثواب.
د.عبد الجبار العبيدي
التعليقات