لقد ولد الاسلام حراً لاسنياً ولا شيعياً وسيبقى حرأً الى ابد الأبدين.واليوم نواصل التعليق على الخلاف والاختلاف الوضعي بينهما،وسنتظرق الى الحجاب واللباس لنرى كم ظُلمت المرأة في الحالتين حتى نثبت ان لا خلاف ولا أختلاف عند الاثنين.

الحجاب واللباس


كلمتان مترادفتان في العرف الفقهي، والقرآن الكريم خالٍ من الترادف،وقد وردت كلمة الحجاب والستر في أيات ثمان في القرآن الكريم،يقول الحق( يا ايها الذين آمنوا لا تدخلول بيوت النبي الا ان يؤذن لكم.........واذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب،الاحزاب 53). ومن يقرأ هذه الاية الكريمة عليه ان يفهم الظروف الاجتماعية التي نزلت فيها الاية ليحكم عليها حكماً معتدلا. والاخرى في سورة االاعراف،يقول الحق:(وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون اصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون،الاعراف 46).
).والاية االثالثة ( في سورة فصلت يقول الحق:(وقالوا قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا اليه وفي آداننا وقرُومن بيننا وبينك حجاب فأعمل اننا عاملون،فصلت 5).
وأيات اخرى في ص،الشورى والاسراء ومريم والمطففين،وكلها تشير الى معنى الستر او السور الذي الذي لا يمنع الرؤية ولا السماع. فالايات الكريمة لا علاقة لها بحجاب المرأة البتة.

اما اللباس فهو يدل على الستر والتغطية كما قي قوله تعالى( ويلبسون ثيابا خضراً من سندس،الكهف 31). ووردت الكلمة في آياتٍ قرآنية اخرى في فاطر 33،البقرة 42،187،الفرقان 47،.هنا يتبين لنا منها جميعاً، ان الحجاب غير اللباس لقوله تعالى( يا بني آدم قد نزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى،الاعراف 26). والمقصود به الايمان واللباس حفظ الجسد من التعري،وعلى الجملة المقصود به التقوى والايمان والعمل الصالح ولم تنزل كلمة اللباس الا في الصالحين ابتداءً بآدم ابي الانسنة.لذا فالحجاب ليس هذا هو المقصود به اليوم والذي فرض على المرأة فرضا بلا قناعة شرعية،بعد ان ألتبس الامر على الفقهاء المشرعين بين كلمتي الحجاب واللباس،فراحوا يخلطون بين الاثنين دون تمييز.لكن هذا لا يعني ان للمرأة حق الخلاعة والتعري بل لبسُ مقبول ومعقول حسب قناعة وشخصية المرأة وظروف العمل والموقع الاجتماعي وأعراف المجتمع دون تزمت.

علينا ان نعرف ان اللباس غير الثوب،والسوءة غير العورة،والبعل غير الزوج، والخلود غير الدوام.كلها فسرت خطئاً وفق نظرية الترادف في اللغة التي حشرها الفقهاء حشراً في القرآن لعدم مقدرتهم من تأويلها علمياً، فلم يعد بامكانهم التراجع عن الخطأ،لاسباب نفسية وشخصية عديدة، وهاهي امامنا نظريات العلامة ابي علي الفارسي اللغوية وابن جني في الخصائص والجرجاني في دلائل الاعجازوكلها نظريات ترفض الترادف اللغوي في القرآن الكريم.

أن مسألة الحجاب لها تاريخ مأخوذ من الدولة الفارسية الزرادشتية الذين كانوا يعتبرون المرأة من المخلوقات غير الطاهرة، لذا عليها ان تتحجب وتربط فمها وانفها بالحجاب حتى لا تدنس النار المقدسة عندهم. والعرب قلدوا الاغريق بعزل المرأة عن الرجل حين بنوا المنزل من ركنين واحد للرجال والاخر للحريم، وثبت هذا الاجراء في العصر الاموي على عهد الوليد الثاني حتى اصبح تقليدا تناقلته الاجيال من جيل الى جيل.

والعرب فرقوا في اللباس بين الحرة والآمة اي ملك اليمين -وسناتي على ملك اليمين في حلقة خاصة- فتفرق اللباس بين الاثنين حتى اصبح لباس الحرة هو لباس السيدة خديجة الكبرى غطاء للرأس يقي من الحر الشديد والثوب الطويل،وترك للامة حرية مالكها في اللباس لانها مملوكة لا حرية لها في التعامل الاجتماعي.

من هنا ندرك ان اللباس والحجاب عند المراة ليس نكليفاً شرعيا بقدر ما هو سلوك اقتضته الحياة الاجتماعية والبيئة يتغير بتغيرها.لكن الفقهاء خلطوا بين الغث والسمين وفسروا الايات تفسيرا احاديا لصالح ذكورية الرجل متأثرين في نظرتهم الى المرأة للخطيئة التي ارتكبتها حواء في الجنة وان المرأة اخذت بجريرتها دون تميز خلافا لقوله تعالى( ولا تزر وازرة وزر اخرى ) ثم بنوا عليها جبالا من الفرضيات اللامقبولة عرفاً وديناً. ولوعدت الى تفاسير في الترمذي وابو داود والبخاري والسيوطي ما رووه من احاديث منقطعة عن المرأة لرأيت العجب؟

وهناك امورا اخرى كثيرة بحاجة للمراجعة من قبل علماء النفس والاجتماع والتاريخ واللغة لاعادة الامور الى نصابها، بعد ان عتم على حق المرأة في المساواة بينها وبين الرجل. فاختلقوا لها الاحاديث والاقوال المدسوسة كما قالوا في المرأة(لايقطع الصلاة الا المرأة والحمار والكلب) وقالوا:(مااجتمع رجل وأمرأة الا وكان الشيطان بينهما) وهي كلها احاديث منقطعة لا صلة لها بالرسول الكريم(ص) الذي أعز الانسان كل الانسان دون تفريق.

واليوم على علماء الاجتماع والشريعة ان يتجهوا لوضع قانون جديد للاحوال الشخصية يتناغم وحقوق المرأة الانسانية التي حصلت عليها في الدول المتقدمة، لا ان تُحجم المرأة ويُفرض عليها قانون الغاب من قبلَ الاخرين،وخاصة في المناطق البعيدة عن اشراف سلطة الدولة المركزية في الوطن العربي والاسلامي،بدون وجه حق شرعي.

ان المسلمين اليوم يعيشون ازمة فقهية حادة وهم بحاجة الى فقه جديد معاصر بديل للفقه القديم الذي لم يعد يتماشى ومتطلبات العصر الحديث،لذا علينا ا القيام بصياغة نظرية اصيلة في المعرفة الانسانية والا سنبقى مكانك راوح الى الابد.لكن لا احد يسمعنا ولا من مجيب؟

ورغم البحوث العديدة والمتعددة التي كتبت في المرأة لكننا الى الان لم نقرأ بحثا جريئا علمياً حياديا منصفاً للمرأة منطلقاً من الفلسفة الجدلية بين الاستقامة والحنيفية والفطرة الانسانية، وحدود الله هي العمود الفقري لهذا المنطلق. وذلك لعدم وجود نظرية اسلامية مصاغة صياغة حديثة معاصرة ومستنبطة حصرا من القرأن الكريم،سوى ما افرزه الفقه من المذاهب المختلفة وما هي الا اجتهادات شخصية بحاجة الى مراجعة عصرية محايدة بعد ان مضى عليها اكثر من الف سنة دون تغيير، مما ادى الى التفكك الفكري والتعصب المذهبي واللجوء الى مواقف فكرية تراثية عفا عليها الزمن، ولم تعد صالحة اليوم تماشيا مع التطور الفكري والحضاري للشعوب ولم يكن لها في ديننا القويم من أصل. وسأنقل لكم في حلقات قادمة كل اسماء مصادر الشيعة والسُنة وارجو مراجعتها لتتأكدوا بأنفسكم أمانتنا في النقل والتأليف.

انا واثق كل الثقة لو ان التفاصيل الدينية للاسلام طبقت بحسب ما جاءت في القرآن وعلى عهد الرسول(ص) ودستور المدينة لامة الاسلام،لاصبح اليوم حتى الكافر مسلما،ولهرول الناس خلف الاسلام بلا حدود،لما يعانون هم من عاداتهم ودياناتهم من ضياع لا تعرف له من حدود،لما في الدين الاسلامي من تسامح ومثل وقيم خلت عنها المبادىء الدينية والتشريعية الاخرى الي دمرها التفسير الفقهي دون سند.وساندتها السلطات الرسمية تحقيقا لمصالحها الشخصية لا العامة

صحيح ان بداية ظهور الدعوة لم يتح للمراة الاختلاط مع الرجل والعمل في المؤسسات السياسية والاجتماعية لضيق الافق في تلك المؤسسات في ذلك الوقت،لكن الرسول(ص) منحها هذا الحق باشراكها في بيعة العقبة الاولى والثانية ودخلت مناقشة فيها ونافحت بعد ذلك عن الاسلام، فكانت سمية اول شهيدة في الاسلام بعد الدعوة. لا كما ارادوها للمتعة والخدمة،حين قالوا( انها فتنة الرجل) وعليها ان تتحجب وتختفي في البيوت وكأنها قطعة اثاث قديمة،او برميل نفط اسود يتدحرج، لا ينظر اليها الا عند الحاجة،فاذا كانت كذلك فما تفسيرهم لحور العين يوم لا يحتاج الرجل لخدمتها في الجنة حين تكون (قطوفها دانية ).

لقد اكد القرآن الكريم ان المرأة والرجل صنوان لا يختلفان ففي المستوى الاول بشري فيزيولوجي والثاني انساني عاقل.ففي الاول الخلق المادي الفيزيولوجي كما في الاية(،انه خلق الزوجين الذكر والانثى النجم 45)حين دمج الرجل بالمرأة مع كل المخلوقات العاقلة وغير العاقلة لان الكل تشترك في هذا التركيب،الجنس والولادة والارضاع وتربية النشأ كما في البهائم ايضا،ويقول الحق: (من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون،الذاريات 49).

والثاني هو الانساني ضمن العقلانية المتميزة فيما بين المخلوقات، (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم.،الحجرات 13). اي اقربكم للتقوى.

كل خطابات القرآن تدعوا للمساواة بين الرجل والمرأة ولا تفريق بينهما،لان اسس الحياة في القرآن هي الكرامة الانسانية التي ضربت عند الفقهاء من السُنة والشيعة،حتى اصبحنا ندرك من جراء ارائهم، ان للمرأة وضعان في الاسلام، الاول ايجابي في القرآن الكريم والثاني سلبي عند الفقهاء.فيا ليت شعري لاادري من اين جاء هؤلاء بأفضلية الرجل على المرأة.هل لدينا قرآنين كما يتهم البعض اليوم الشيعة الجعفرية ظلماً بوجود قرآنين لديهم،وهو أفتراء تجاوز كل الحدود المسموحة عرفا وقانوناً.

ونحن في العراق انتبه الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الى هذه الناحية في التفريق بين حقوق الرجل والمرأة، فألغى قانون الاحوال الشخصية القديم واستبدله بقانون اخر جديد بعد ان ركن الى اراء الفقهاء المتنورين المُحدثين في التفسير والشريعة، فانصف به المرأة وساواها بالحقوق الشخصية مع الرجل وحسناً فعل دون ان يلتفت الى اقاويل الفقهاء السابقين في تفسير النص الديني، لا حبا فيها ولكن حبا بالعدالة والانصاف الشرعي وما كانت تعانيه المرأة من ظلم اجتماعي في عهده، والقانون العراقي انصفها وساواها بالرجل منذ عهد البابليين،أنظر قانون حمورابي في باب المرأة).

نحن ندعوا الحكومة العراقية الحالية وبكل جدية، الى اعادة القانون القاسمي المنصف وان لا يسيروا وراء الذين لاهم لهم الا اضعاف حق المرأة بأرائهم التي لا تستند الى رأي قانوني شرعي يتفق وحقوق المرأة، لذا نطالب بأعادة حق المرأة العراقية الى ما كان عليه في عهد الزعيم الراحل في الميراث والقوامة واللباس والعمل السياسي والاداري والقضائي، لنرضي الله والضمير والانسان،وننصف كل امراة اعتدي عليها اليوم ونعاقب كل المعتدين. فلا أحد فوق القانون.

لقد ضيع البعض حقوق المرأة العراقية واجبروها على الحجاب بعد التغيير الاخير في العراق سنة 2003، فالزموها الحجاب المتزمت،ان لم نقل النقاب المتكامل،وهو لباس غريب عليها، لم تعهده من قبل ابدا، ولم يترك لها حرية الاختيارفي الجامعة والكلية والمؤسسة، حتى وصل بالبعض المتخلف تجاوزا الى قتلها ان لم تنصاع لما هم فيه يعتقدون،حتى جعلوها سجينة دارها بعد ان نفذوا جرائمهم المخزية فيها في الشارع وصالونات التجميل و معاهد العلم الاكاديمية،مستغلين الظروف الامنية القاهرة في الوطن العزيز،مما اضطرها لهجرةٍ لا تعرف لها من سبيل.

ان الدولة مسئولة مسئولية قانونية عن هذا الخرق المتعمد وقتل المرأة بالباطل،والقرآن الكريم يقولquot;من قتل نفساً بغير نفسٍ او فسادٍ في الارض كأنما قتل الناس جميعاًquot;،وان لا يهمل المعتدون.فانتبهوا يا عراقيون أنكم أخوة قبل أن تكون خصماء بعضكم لبعض، شعباً ومسئولين،فالكل متشمت بكم اليوم،فوالله لا شيعي ولا سني ولاكردي ولا عربي ولا تركماني ولامسيحي،انها كلها من مخترعات المعادين والطامعين بالمال والوطن والارض والمياه والنفط دون وجه حق من اجل استنزافكم وتحطيم بلدكم الذي انتم به تسعدون،ومن اجل الاثراء غير المشروع الذي به اليوم يرفلون.والدليل،ما كنا عليه سابقا من اخوة لا تفصلنا فجوة ولا تباعدنا فرقة،وتاريخنا العراقي يشهد على ذلك.

نحن الان بحاجة للتكاتف والتعاضد،لا للتباعد والتفرق، للمحبة والاخاء لا للتباغض والتنافر، وعلى الدولة مساعدة المهاجرين والمهجرين، وتنظيم دوائر الهجرة وتعين وزيراً للهجرة من ذوي الكفاءة والمقدرة،فألوزارة لازالت دون الطموح ويشكوا منها الكثير، علنا ان نحظى بما حظي به الاخرون. ولا نبقيها في فوضى الراغبين،لتكون عونا للعائدين،فعراقنا حر ووطنا حر وهو ملك الجميع مواطنين وحاكمين.

ويجب ان نكون جميع وبلا تمييز سعداء امناً ورفاهية،لا احد يخترق حقوقنا الا القانون على من اساء وأظلم، لذا نطالب بتطبيق القانون،وأحترام الشخصية العراقية خوفا من الانكسار،هذه الفوضى التي اضرت بنا اجتماعياً وسياسياً ولا زالت تخطط لقادم الايام، وأنظروا ما فعلت الدول المتقدمة العظمى، والا سنخسر كل شيء. للمرأة حقها وحقوقها كانسان مشارك وتطبيق حد العقوبة على كل من يخترق القانون بحقها.
ونطالب منظمات المجتمع المدني المتقاعسة اليوم ان تكون جادة بعملها. بهذا الاتجاه لنتمنى ان نُحقق مانُريد من مساواة بينها وبين الرجل،ونرجو ان تتحول خطب كل المسئولين الى واقع قانوني ملزم التنفيذ عن طريق لجان للمتابعة من المتخصصين المحايدين،وغداً سيفرح الشعب بالمرأة من كل من لايغفل حقها ولم يتهاون فيه، وحتى نقول جميعاً وبقناعة المنطق، ان لاخلاف ولا أختلاف بيننا الا في عقول المتخلفين.

الجزء الخامس

د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]