أغلق قاسم محمد المسرحي الكبير بوابات قلبه وفكره أخيرا، بعد كفاح ومجاهدة طويلين مع التمثيل والمسرح والتدريس والتنظير والتأمل والكتابة والسياسة وكذلك مع المرض اللعين،لكن قاسم محمد لم يغلق ذلك للأسف في (بغداد الأزل بين الجد والهزل )بل في مستشفى الشارقة احدى الأمارت العربية المتحدة.وقبل وفاته في يوم واحد توفي على محيط بعيد بطل افتح ياسمسم الفنان قائد النعماني في اميركا، وهؤلاء الموتى من الفنانين سبقهم بقليل من الزمن المعتم أولئك الفنانين العراقيين المغتربين،عوني كرومي المخرج الفذ ّ وكريم جثير المجدد المجنون.


وليس هنا مجالا ًواسعا ً لتسليط الضوء على حياة وأعمال قاسم محمد،فهذا هو شأن تلامذته وزملائه العديدين المنتشرين في كل ارجاء الأرض وخاصة استراليا، لكن قاسم محمد هو صاحب العقلية العراقية الثقافية الريّانة في تأسيس مسرح عراقي جادّ وهامّ وجدير بالمشاهدة والمتابعة وقد نقله قاسم محمد الى المستويين العربي الدائم والدولي في عدة أحيان، وليس لعراقي بالغ التعليم أن يقول ماهي مسرحية (النخلة والجيران ) أو (البيك والسايق ) وعشرات الأعمال الأخرى التي قاربت المئة عمل والمصنوعة بإحتراف وإنسانية عالية، عمل قاسم محمد في المسرح المترجم والمعرب والشعبي العراقي والموروث العربي،فاسس مناخا ً فنيا ًعلائقيا ًمع مجتمع متأزم في التأريخ والوجود ذي حساسية عالية في التعامل مع الفرد الخارج عن نطاقه،لكن المسرح هو الخارق الجبار،فكان المسرح العراقي جادا ً واضحا ً صارما ً في المعنى والتشكيل والجذب،على الرغم من التأثرات السطحية المركزة من قبل المسرح المصري المسيطر على عقلية وذهن البسطاء أنذاك.


تقول الكاتبة سميرة الوردي عن قاسم محمد quot; (يَلله بروﭬـة )بتلك الكلمات المألوفة باللهجة العراقية، يفتتح الفنان قاسم محمد بروڦات أعماله المسرحية الرائعة التي ساهمت في خلق مسرح متميز في الثلث الأخير من القرن السابق والى يومنا هذا.

يسبق كل المعنيين بالعمل المسرحي من ممثلين وإداريين. يُعلن عن بدء العمل بابتسامته الطيبة المعهودة.المسرح كأي فن وعلم وثقافة يرتبط وجودُه وبقاؤه بتطوره، والمسرح العراقي بدأ في الثلث الأول من القَرن الماضي لينمو ويتطور ويزدهر في الثلث الأخير من نفس القرن، على أيدي بعض فنانينا الكبار، وكان أبرزهم الفنان قاسم محمد والتي عُدت مسرحيته (النخلة والجيران) للكاتب غائب طعمة فرمان، نقطة انطلاق بارزة وهادفة لخلق مسرح ديناميكي متطور، لا يقل شأنا عن المسارح العالميةquot;.

سمعت من ناس أن هنالك ملحقا ً ثقافيا ً ضمن البعثة الدبلوماسية العراقية قي كانبيرا عاصمة استراليا،وظيفته (ملحق ثقافي )،وأنا بدوري لاأعرف ما هي وظيفة الملحق الثقافي العراقي في كانبيرا،كنت أعرف ذلك أيام اواسط التسعينات في سيدني حينما كانت السفارة عبر ملحقها الثقافي (ترش المصاري ) على بعض العرب من المؤيدين ولا (ترش 9 على العراقيين المعارضين،لكن الأمر بدا مختلفا ً الأن وديمقراطيا ً ومحسوب،ولو أن وظيفة الملحق لشخصه الذي لاأعرف اسمه ولم أرَ صورته حتى الأن جائت حسب ومن ضمن وخلال توافقات وباء ( المحاصصة )،وليس لي الحق أن أدقق بماهية الوظيفة،لكن الحق وأعلاه والأعلى منه معي في أن أقول للملحق أن هنالك العشرات من المثقفين والفنانين والأكاديمين والصحافيين والمغنين والرياضيين العراقيين الأكفاء من أولاد وادي الرافدين يحق لهم التعرف على من يمثل ثقافتهم أمام دبلومسيات العالم،ولعل من التحفيز الواجب أن تدعو الملحقية الثقافية العراقية جميع المؤسسات العراقية الثقافية والصحفية والأجتماعية المهتمة،لأقامة احتفالية باسم الفنان قاسم محمد،احتفالية بفنه وثقافته المديدة وليس رثاء ً سمجا ً وكلمات مصفطة وارتجالات مسرحية ممّلة ومقيتة،فالثقافة وشؤونها هي ليست إقامة عشاءات وسفرات لذوي القفز العالي بالزانة وهي طبعا ً ليست ناديا ً لهواة الطبخ.
ومن المقلق جدا أن يموت المثقفون العراقيون متسارعين قبل أقرانهم من السياسيين الذين والوا وعارضوا أو حكموا،فعلى مايبدو أن (العراق الروحي) يكافىء أبنائه الحقيقيين بالموت بعيدا ً عنه، وكأنه يقول موتوا بعيدا ًعني أيها الأولاد.
قال: قلْ.
قلت ُ : لا.
قال: ربيّ لي..
قلتُ : ربّك ربي،هو الصاعد وأنا صاعد.
قال : ألا تنزل؟

واصف شنون