حيرة وأمل

موعد الإنتخابات البرلمانية القادمة لم يحدد بعد، ولكن رئيس البرلمان الكردستاني أكد لي بأن الإنتخابات ستجري يوم 30/6 مع إنتهاء إمتحانات العام الدراسي الحالي..


وكنت قد أشرت في مقال سابق الى وجود نوع من ضبابية الرؤية للوضع السياسي الحالي في كردستان، خصوصا لجهة عدم وضوح موقف بعض الأحزاب والكيانات السياسية في كردستان من تحالفاتها لخوض تلك الإنتخابات، وما إذا كانت ستخوضها بقوائم منفردة أو تحالفية،عدا الحزبين الحاكمين اللذين أعلنا تجديد تحالفهما الإنتخابي إضطرارا،خصوصا مع ظهور قوائم معارضة قوية ( قائمة السيد نوشيروان مصطفى ) النائب السابق للأمين العام للإتحاد الوطني الكردستاني ( حزب طالباني ) والتي يتوقع المراقبون السياسيون أن تقلب الموازين السياسية في كردستان رأسا على عقب رغم إستهانة بعض قيادات الحزبين في العلن بقدرة تلك القائمة على تغيير الخارطة السياسية في كردستان، ولكن في السر تراهم مرعوبين من مجرد التطرق الى ظهور قائمة معارضة لهم بمستوى قائمة السيد نوشيروان.

كانت هناك تكهنات عديدة خلال الفترة المنصرمة حول موقف السيد نوشيروان من خوض الإنتخابات البرلمانية القادمة، فهو لحد الآن لم يعلن رسميا رغبته بخوض الإنتخابات القادمة بقائمة مستقلة، وكان العديد من قيادات الإتحاد الوطني يمنون أنفسهم بعودته الى صفوف قيادة الإتحاد الوطني، ويصرحون بتواصل جهود الحزب لإستعادته نظرا للظروف العصيبة التي يمر بها الحزب في هذه الفترة مع تداعي صفوفه من جهة، وتصاعد وتيرة التذمر الشعبي من طريقة إدارة هذا الحزب لشؤون الحكومة في مناطق نفوذه التقليدية،وكذلك المآخذ الشعبية على غرق معظم قيادات ومسؤولي الحزب في الفساد الإداري والمالي.
ومع سكوت السيد نوشيروان عن التصريح بأي شيء لتأكيد أو رد تلك التكهنات، فقد دار الحديث في أوساط الإتحاد الوطني وإن بدا لي أنها لا تعدو سوى إشاعات أمل مفقود أو نوعا من التضليل، يقول بأن السيد نوشيروان سوف يخوض الإنتخابات القادمة بقائمة مستقلة ولكنه في النهاية سيتحالف مع الإتحاد الوطني داخل البرلمان والحكومة الإقليمية القادمة، ولكن مطلقي تلك الشائعات لم يحددوا أسباب ومبررات لجوء نوشيروان والإتحاد الوطني الى هذا الأسلوب الخفي للتحالف، مع أنه ليست هناك حاجة لكل هذا اللف والدوران ما دامت هناك دعوات شعبية وحزبية قوية وملحة تطالب بعودة نوشيروان الى الحزب وتبوئه لمنصبه القيادي بكل إعتزاز وإفتخار.


في لقاء خاص جمعني بالسيد نوشيروان خلال الاسبوع المنصرم كان همي الوحيد أن أدفعه الى وضع النقاط على الحروف، وإنهاء هذا الجدل الدائر حول موقفه من الإنتخابات القادمة، فقلت لهquot; سأسألك سؤالا محددا أريد منك إجابة صريحة وواضحة، هل ستعود الى صفوف الإتحاد الوطني، أم أنك ستخوض الإنتخابات القادمة بقائمتك المستقلة؟. فأجابني بثقة مطلقة quot; لن أعود الى الإتحاد الوطني، وسأخوض الإنتخابات بقائمة مستقلة..
وعلى طريقة برنامج من سيربح المليون سألته ثانيةquot; هل هذا جواب نهائيquot;. أجابني بكل صراحة ووضوح quot; نعم قرار نهائي..

إذن باتت مشاركة السيد نوشيروان في الإنتخابات القادمة شبه مؤكدة من جهته، وبه تجددت آمال الشعب الكردي بظهور ما يمكن وصفه بـquot; تيار الوسط quot; المعروف شعبيا بـquot; الخط الثالث quot;.وظهور هذا التيار سيغير الكثير من المعادلات والتوازنات السياسية حسب إعتقادي.


فمنذ عدة عقود كان المجتمع الكردستاني ومازال الى اليوم منقسما في ولائه السياسي الى الزعيمين طالباني وبارزاني، حتى غدت هناك مناطق حدود quot; مقدسة quot; في إقليم كردستان تفصل بين مناطق النفوذ التقليدية للحزبين، وتكرس هذا النفوذ بمرور السنين والعقود، ولعل هذا هو سبب العديد من المشاكل المزمنة بين الحزبين اللذين لم يترددا في منتصف التسعينات من خوض حرب دامية لتوسيع مناطق نفوذهما التقليدية.

وفي مقابل قائمة نوشيروان المستقلة، هناك أحزاب وقوى كردستانية أخرى تحاول عقد تحالفات إنتخابية بينها لخوض الإنتخابات القادمة، وهذه الأحزاب التي كانت معظمها شاركت في ثورة الشعب الكردي ضد النظام الدكتاتوري السابق،ودخلت الى البرلمان والحكومة في السنوات السابقة في ذيل قائمة الحزبين الرئيسيين الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، أصبحت اليوم تسعى الى الخروج من تحت عباءة هذين الحزبين،خصوصا بعد أن لمست في السنوات الأخيرة مع تصاعد وتيرة الفساد الإداري والمالي في الإقليم وتحكم الحزبين بمقدرات الإقليم بنوع من التعامل الفوقي،وبإنفرادهما بالقرارات السياسية، الى جانب إنفرادهما بالخيرات النازلة على الإقليم وحرمان الأحزاب الصغيرة من حصتها في كعكة الميزانية السنوية المقدرة بمليارات الدولارات؟!.
فقد سعت تلك الأحزاب مؤخرا الى تشكيل تحالف جديد يهدف الى إبعادهم من وصاية الحزبين الرئيسيين وينهي تبعيتهم وذيليتهم لهما،ولكن الأيام الماضية شهدت حدثا قد يودي بتلك الجهود لتشكيل ذلك التحالف بين الأحزاب السياسية الصغيرة، وهو الإنشقاق الخطير الذي شهده حزب كادحي كردستان المتحالف مع الإتحاد الوطني الكردستاني.


ولم يخف رئيس الحزب شعوره بوجود مؤامرة داخلية مدبرة أدت الى إنهيار هذا الحزب، وإن لم يصرح أو يتهم الحزبين الحاكمين بالوقوف وراء هذه المؤامرة، لكنه لم يسكت عن موقف حكومة الإقليم بوقف صرف الميزانية الخاصة بالحزب على سبيل الضغط، وثم الإفراج عنها بعد حدوث الإنشقاق القيادي في الحزب !!.


وتلقيت قبل أيام بيانا من مجموعة من اليساريين يعلنون فيه عن تشكيل جبهة اليسار في كردستان تجمع عددا من اليساريين المنشقين عن الأحزاب الشيوعية واليسارية..

كل هذه التطورات الجديدة على المجتمع الكردستاني تنبيء بحدوث تغيير ما في الخارطة السياسية بالإقليم، وهي برمتها تطورات مرتبطة بالإنتخابات البرلمانية والعراقية القادمة.

والآن مع ظهور ملامح هذا التغيير السياسي في كردستان ماذا يمكن للحزبين اللذين يحكمان كردستان منذ عدة عقود، ويقبضان على سلطتها بيد من حديد أن يفعلاه لمواجهة هذه التطورات؟. وكيف سيحتويان خطر ظهور هذه القوائم المنافسة لسلطتهما المنفردة ؟، وهل سيقبلان بروح رياضية عالية وجود معارضة حقيقية لأول مرة لهما في كردستان، وما المديات التي يمكن أن يصلا إليها لوقف هذا الخطر الداهم على سلطتهما في إدارة شؤون الإقليم والمشاركة في إدارة حكم العراق؟؟.
أعتقد بأن الحزبين يشعران الآن بحيرة كبيرة في كيفية مواجهة هذا الخطر الإنتخابي غير المتوقع بالنسبة لهما، ولأنها تطورات مفاجئة ومتسارعة بوتيرتها، فأنهما يعانيان من تخبط واضح لمسته من خلال بضعة ندوات جماهيرية متسرعة يعقدانها في الداخل، فقد قرأت في وجوه القيادات التي كانت تلقي كلماتها في تلك الندوات نوعا من التشنج والتخبط بسبب الموقف الطاريء والمحرج الذي يواجهونه!!.

هذه الأسئلة التي أثرتها تفرض نفسها على المراقب السياسي، وتدفعه الى طرح تساؤلات متقابلة مثل، هل من الممكن أن يلجأ الحزبان مجددا الى أساليبهما السابقة في التلاعب بنتائج الإنتخابات كما جرى في إنتخابات عام 1992 عندما كانا يتنافسان على مقاعد البرلمان الكردستاني؟.


فمن المعروف أن الحزبين أقدما على عمليات تزوير واسعة النطاق في تلك الإنتخابات، وكانت هناك العديد من الخروقات والإنتهاكات مثل، إستخدام أساليب التهديد والترغيب، وكذلك تكرار الإدلاء بالأصوات بسبب رداءة نوعية أحبار الأصابع، وغيرها من الإنتهاكات التي وقعت بسبب إنعدام البيانات والكشوفات والأحصائيات الرسمية للإنتخابات، وكذلك عدم وجود مراقبين دوليين لمتابعتها أو الإشراف عليها.


ولكن هذه المرة الأمور تختلف تماما، فالأنتخابات القادمة ستجري والعالم كله أصبح داخل الإقليم من خلال عدسات شاشات التلفزيون، ولم تعد هناك حتى الحاجة الى إرسال مراقبين دوليين في ظل وجود هذا الكم الهائل من الفضائيات ووسائل الإعلام المحلية والدولية، وسيكون هناك إشراف مباشر من المفوضية العليا للإنتخابات، وكذلك وجود مراقبين من البعثة الدولية للأمم المتحدة في العراق، بالإضافة وهذا هو الأهم، وجود ممثلين عن الكيانات والأحزاب السياسية المنافسة للحزبين في مراكز الإنتخابات، بوجود هذا الكم الهائل من الرقابة المحلية والدولية سيكون من الصعب جدا اللجوء الى عمليات التزوير.


أضف الى ذلك أنه حتى في حال وجود أية خروقات أو تجاوزات أو تزويرات، فإن المفوضية العليا للإنتخابات لها السلطة القانونية بإلغاء نتائجها في حال عدم تطابقها مع مبدأ الشفافية.إنها أيضا حيرة بالنسبة للحزبين الحاكمين في كردستان؟؟!!.
ولو أخذنا بنظر الإعتبار العلاقة السيئة بين بغداد وأربيل،أو بين الحكومة المركزية والحزبين الحاكمين تحديدا، فإنه من المتعذر أن يتمكن الحزبان من التلاعب بنتائج الإنتخابات كما فعلا في إنتخابات عام 1992 عندما وزعا مقاعد البرلمان الكردستاني بينهما بالتراضي، وشكلا حكومة هزيلة وممسوخة بصيغة المناصفة، مما عد في تلك الفترة من أندر أنواع البرلمانات والحكومات في العالم، فلم يحدث في أي بلد بالعالم أن تحالف حزبان رئيسيان للإنفراد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية بصيغة الفيفتي فيفتي،ومنع نشوء معارضة برلمانية حقيقية، وهذه الصيغة السخيفة هي التي أدت في النهاية الى ظهور صراعات ومنافسات حزبية ضيقة أدت الى وقوع الحرب الداخلية بين هذين الحزبين.


وهذه حيرة مضافة..
هذه الضمانات هي التي تريح القوائم المنافسة للإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وهي التي تدفعها الى خوض الإنتخابات بثقة بالغة بالفوز، ومن خلال إستقراء وضع الشارع الكردي مع الفساد الحاصل في كردستان، وتصاعد الغضب الشعبي من السلطة الحالية، وإستعادة الناخب الكردي لوعيه بفعل الإعلام المحلي المعارض، وعدم إنخداعه مرة أخرى بالشعارات المزيفة التي كانت قيادة الحزبين تسوقها لتضليل الشارع الكردي والعزف على أوتار المشاعر القومية، فإن ظهور قوائم جديدة لخوض الإنتخابات القادمة
قد يغير الكثير من المعادلات والتوازانات السياسية في إقليم كردستان..
وللحديث صلة..

شيرزاد شيخاني

[email protected]