مشهد الديوانية : ( عن quot; أبو گاطع quot; شمران الياسري (1)، انه كان مسجونا في احد السجون بين عامي 1961 ـ 1962 مع العديد من السجناء بسبب انتمائهم للحزب الشيوعي العراقي، وكان من بين السجناء فلّاح من أهالي محافظة quot;الديوانية quot; اسمه quot; رَيّال بريبر quot; : في احد أماسي السجن وبعد أن نام السجانون، أيقظ احد الرفاق وكما جرت العادة quot; رَيّال quot; لموعد المحاضرة الحزبية، فتساءل الأخير عن موضوع المحاضرة هذه الليلة! أجابه الثاني : الصراع الطبقي!، فما كان من quot; رَيّال quot; إلا أن يقول وهو يعيد الشرشف على وجهه معاودا النوم quot; :( إحنه بالديوانية، سالفتنه مبينة، فلاليح وإقطاعية، كل صراع طبقي مابيناتنا )..!.

مشهد quot; وول ستريت quot; : سبتمبر وأكتوبر من عام 2008، انخفاض لامثيل له في البورصة، إفلاس بنوك ومؤسسات عملاقة، وكلها تناشد الدولة التدخل لإنقاذ مايمكن إنقاذه!

لم يكن فلّاح الديوانية في جنوب العراقساذجا، ولا مباليا، ولكنه وبكل بساطة وعى تماما نضاله الطبقي مع مَن!،الأمر الذي لايحتاج معه إلى التنظير، فهو قد رأى، وعانى، وفهم.


أما الذي رأى ولم يعان ِ ولم يفهم فهو احد ابرز منظري الرأسمالية الجدد!
نعم quot; فرنسيس فوكوياما quot; (2) ماغيره!
نهاية العام 1989 كتب quot; فوكوياما quot; عن نهاية التاريخ، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والبلدان الدائرة بركبة (أن الأفكار الليبرالية انتصرت بصورة لاتقبل الشك،هي وحدها الرأسمالية من امتلكت وتملك الحلول الاقتصادية للعالم، من خلال اقتصاد السوق الحر ).
و تحت عنوان quot; نهاية التاريخ quot; quot; قال : quot; إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية quot;. وقد قصد quot; فوكوياما quot; أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية quot; كارل ماركس quot;، المادية التاريخية quot; والتي يعتبر فيها quot; ماركس quot; أن نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات.


تمناها quot; فوكوياما quot; والمؤسسات الرأسمالية الداعمة له : نهاية للتاريخ، بتفرد اقتصاد السوق الحر وحدة كحل وحيد وابدي للعالم!!
لن نتحدث عن الأزمات الاقتصادية المتتابعة، ولاعن تأميم البنوك العملاقة، في عقر الرأسمالية ( الذي هو تدخل سافر، يعتبر كفرا باقتصاد السوق الحر )، لأنه اختصاص الاقتصاديون اللذين يروا ويفهموا، بل مثالنا على وحشية، وعدمية هذا الاقتصاد هو ماسمي quot; بالوقود الحيوي quot; (3) ( أنظر الهامش )!


الأمم المتحدة تسمية طريق أجرامي، فماذا تسميه أخلاقيات الرأسمالية؟
ارتفاع أسعار الوقود، قادهم إلى استخراج وقود جديد ( الوقود الحيوي ) من المواد الزراعية!
ببساطة موجزة...الخبز الذي نأكله، يريدونه وقودا رخيصا، في محاوله بائسة ومجرمة للتغطية على الجريمة الأكبر في تدمير الحياة على الأرض، تذرعوا بأنه الحل البريء والمثالي للتقليل من التلوث على الأرض!
ولكن مالذي سنفعله بوقود رخيص إذا لم نجد مانأكله؟!


بالنسبة للرأسمالية لاداعي لأن تجهد نفسها بما تأكله لأنها منهمكة بالفعل بأكلنا نحن البشر من خلال حروبها وكوارثها، بحق البيئة والكائنات الحية، ومَن يدري قد يكون المبرر القادم لحماية البيئة التي يمعنون وحدهم في تدميرها هو اٍستخراج الوقود من زيت جسم الإنسان بعد حرقه، وحينها سيكون البلد الذي يموت أو يُقتل ناسه أكثر هو المعجزة الاقتصادية الجديدة!!.
لقد استنفذوا كل مالديهم من مستحضرات التجميل، وعمليات الشد، والمط، والشفط في تجميل وجه الرأسمالية القبيح، لايريدون أن يروا دورة التاريخ الاقتصادية وصيرورتها التي من العبث إيقافها!
و أبنائها rdquo; النجباء rdquo; يريدونها أما هي أو من بعدها الطوفان، أي إذا لم تكن هنالك رأسمالية السوق الحر، فإلى الجحيم rdquo; بالكرة الأرضية rdquo;.


ختاما سأروي لكم نكتة عراقية شاعت أواسط الثمانينات، فماكينة الحرب كماكينة رديفتها لن تكف عن التهامنا إلى ان نغدو بلا فائدة!
في ذروة الحرب العراقية الإيرانية كان هناك جندي قُطعت ساقه اليمنى في بداية الحرب، فأعفيَ من الخدمة العسكرية لعوقه، ولكن بعد أن اشتدت الحرب وتعذر عليهم حساب قتلاها، انشأ quot; صدام حسين quot; لجنه طبية عسكرية لإعادة المعوقين إلى الخدمة العسكرية، لحاجة البوابة الشرقية للأمة العربية لجهودهم في الدفاع عنها!


وكعادة الرئيس القائد في استخدام رموز الأمة العربية في استنهاض الهمم القومية في الدفاع عن الأمة، وتحرير القدس من الشرق، أسمى اللجنة quot; شرحبيل ابن حسنه quot;!


كان هذا الجندي من ضمن اللذين قدّرت اللجنة إن عوقهم لايمنعهم من العودة إلى العسكرية فيما لو تم تركيب ساق صناعية له!
وأعيد إلى الخدمة العسكرية، وبعد مرور فترة، بُترت ساقه الثانية، وأحيل إلى اللجنة ثانية، التي كما في المرة السابقة، أوصت بساق ثانية، وإرساله إلى الجبهة، وفيها فقد يده اليمنى، لكن اللجنة لم تر مانع من أكمال خدمة المكلفية لأنه مازال يمتلك يدا سليمة، وفي الخاتمة أعيد إليها quot; اللجنة quot; محمولا بلا يدين أو ساقين، وهنا لم يكن من اللجنة إلا أن تخبره إنها قررت إعفاءه من الخدمة العسكرية!
فما كان منه إلا أن يعترض متهكما، قائلا لرئيس اللجنة: لا... سيدي، بإمكانكم استخدامي في دعم المجهود الحربي فيما إذا وضعتم عصا بمؤخرتي، واستخدامي quot; كمكنسة quot;..!

الهوامش:

(1) ابو گاطع، شمران الياسري 1926 ـ 1981 صحفي سياسي، وروائي عراقي ( شيوعي ).
(2) يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما : كاتب ومفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية ولد في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1952 م من كتبه : (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) و(الانهيار أو التصدع العظيم). أستاذ للاقتصاد السياسي الدولي ومدير لبرنامج التنمية الدولية بجامعة quot; جونز هوبكنز quot;، عمل مستشارا في وزارة الخارجية الأمريكية كما عمل بالتدريس الجامعي، واحدا من منظري المحافظين الجدد Neoconservatives، حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء في عام 1993 مركزا للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأميركي. عبر فوكوياما في مقالاته ومؤلفاته في السنوات الأخيرة عن قناعته بأن على الولايات المتحدة أن تستخدم القوة في ترويجها للديمقراطية.
(3) الوقود الحيوي: هو وقود مستخرج من النباتات ويتخذ هيئتين الأولى هي الايثانول المستخرج من السكر أو الحبوب ويمكن إضافته إلى البنزين والثانية هي الديزل الحيوي المستخرج من الحبوب الزيتية أو زيت النخيل ويضاف إلى الديزل.

ضياء حميو
[email protected]