بداية فاني لا اشكك بمصداقية احد ابدا، فالوطنية مترسخة وامانة في اعناق العراقيين جميعا، ولكل واحد منا له الحق في ان يدلي بدلوه ويبدي توجيهاته وكل حسب طريقته، واثني على كل من يسعى ويعمل لصالح مستقبل العراق وشعبه، كما اني لن اكون قاسيا كمن قال وهو محق...{ ياتي البعض منا لتاجييج الكراهية ضد رجال ديننا ورموزنا الدينية واعطاء وفسح المجال للاخرين من المتخلفين والقاتلين ليلعبوا دورهم في تحويل المقالات التهجمية الى افعال عدوانية ضد رموزنا الدينية }.....ولكني اقول بان المساس برموزنا الدينية ليست من شيم ادباءنا وكتابنا، لا بل هي ثقافة دخيلة على ثقافة شعبنا، شبيهة بالثقافات الأخرى التي احتلت العراق.

فالمطران الدكتور لويس ساكو هو ذلك المسيحي العراقي الوحيد الذي حصل على جائزة الدفاع عن المؤمنين للسلام والتي تمنحها منظمة الايمان والعقل العالمية عام 2008لجهوده الخيرة في الحوار ومد الجسور بين جميع المكونات الدينية والقومية في مدينة كركوك،وهي الجائزة التي لم يحصل عليها الكثيرين من زملاءه في العراق، وبهذا الوصف يكون لزاما على الجميع ان يرتقوا بمفهومية ومعنى منحه جائزة الدفاع عن المؤمنين.


فالمطران الجليل وهو احد القادة البارزين في الكنيسة الكلدانية المؤقرة اجتهد برأيه الذي اعتقده بانه رأي صائب وناجح لحماية شعبه من المخاطر كافة ومنها مخاطر الحكم الذاتي، خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار شكل السلطات الحاكمة في العراق اليوم، ان العراق في المرحلة الحالية بحاجة الى تعزيز الديمقراطية فيه قبل الولوج في متاهات واوهام الفدرالية والحكم الذاتي.

ان ما كتب مؤخرا من كلام انتقد فيه تصريح الدكتور المطران لويس ساكو، اعتقد انه لا يليق بمنزلة وهيبة الدكتور المطران لويس ساكو، ولا يمكن ان نقبل بتبرير ذلك استنادا لتصريحه الذي يشير فيه الى المخاطر التي قد تواجه ملته المسيحية في العراق جراء مطالبات البعض من الشخصيات والاحزاب القومية المسيحية للحصول على الحكم الذاتي، كما اعتقد ايضا اننا وكشعب مسيحي وفي هذه المرحلة بحاجة الى الوحدة التي تعزز تماسك مكونات شعبنا لاثبات وطنيتنا واخلاصنا للعراق، ويبدو ان البعض من كتابنا يجهلون الموقع المتميز الذي يحتله المطران في مسيرته الدينية والشعبية، فهو من قادة الكنيسة الكلدانية المتواجدين في العراق وتحديدا في مدينة كركوك { التأميم سابقا } حيث يحظى باحترام جميع المكونات العراقية، وما قيل عنه فانه لا يعبر عن حرص او دعم لقضية المسيحيين في العراق انما يعبر عن نفس مصلحي ضيق لا يمكن ان اضعه الى جانب الوطنيين المخلصين، ان تصريح الدكتور ساكو بحاجة الى قراءة نقدية وستراتيجية وليس الى قراءة سطحية عاطفية!

ان تصريح المطران الجليل لوكالة ( أصوات العراق ) في بروكسل بقوله { أن المطالبات بأقامة منطقة حكم ذاتي للمسيحيين في سهل نينوى..... } هو وهم وفخ..بحاجة كما قلت الى قراءة نقدية وليس الى قراءة سطحية، كما ان ذلك التصريح لايعطي المبرر لقيام بعض الكتاب بتوجيه النقد اللاذع الى شخصه مباشرة او بشكل مبطن، فتارة وصفوه بان له علاقات مع جهات حزبية معارضة لمشروع الحكم الذاتي وتارة بانه لا يقف مع تطلعات المسيحيين في العراق، ولكي نحترم الحقيقة والموضوعية نقول لكل المتابعين، ان الدكتور المطران لويس ساكو لا هذا ولا ذاك...انه رجل دين مسيحي يحظى بالاحترام من قبل كل المستويات العراقية والدولية، وانه استند في تصريحه الى الأجواء الرحبة في كردستان العراق والتي تحظى باهتمام ورعاية المسؤولين، لان مناخ اليوم في الشمال غير مناخ البارحة، ووضوح الرؤيا بات متاحا للجميع، وان زمن النظام الدكتاتوري وقمع حرية ابداء الرأي قد ولى الى غير رجعة، ولا يفوتني في نفس الموضوع ما صرح به من قبل سيادة المطران الجليل شليمون وردوني حيث قال { بان المسيحيين في العراق هم اقدم سكان هذه الارض من شمالها الى جنوبها وانهم اي المسيحييون يرفضون العيش داخل قفص الحكم الذاتي...وانما يريدون التواصل مع الحكومة المركزية من خلال الادارة الذاتية للمناطق التي تشكل الاغلبية المسيحية فيها }


وللحقيقة نقول بان ما تعرض له العراق وشعبه بعد 2003 من تدمير وقتل وتهجير لا يتصوره العقل البشري حيث طال العنف كل العراقيين دون استثناء، وان المطران ساكو واهله وشعبه لم يسلموا منه، كما لم يسلم منه ايضا اهل هؤلاء الكتاب، ولذلك يجب ان نعي بان هناك من يتربص بالعراق وشعبه تقسيما وتهجيرا، فبعد ان ارهبنا نظام صدام جاءنا ارهاب طائفي وعنصري اكثر قسوة، ومن هذا المنطلق يكون لزاما على المطران والكتاب ومعهم الوطنيين المخلصين الوقوف ضد كل ما من شأنه الاضرار بحياة ومستقبل مسيحيي العراق، وكما قلت باني لا اشكك بمصداقية احد من العراقيين فلكل واحد منهم الحق في ان يدلو بدلوه ويبدي توجيهاته وحسب طريقته، فالكل يسعى ويعمل لصالح مستقبل امته وشعبه، وان اي اذى معنوي قد يصيب اي من رموزنا الدينية سواء كان كلدانيا او اشوريا او سريانيا او ارمنيا نتيجة تعبيرهم عن رأي معين او اجتهاد ما فان ذلك لن يقبل منا اطلاقا، وسنقف ضده لأنه وان كنا نجهل اضراره اليوم، الا انه يؤشر لنا بان مثل هكذا امر ستكون البداية لالغاء وجودنا كشعب تأريخي في المجتمع، ان رموزنا الدينية مدعاة لفخرنا حيث يبذلون كل الجهود في سبيل الحفاظ على موروثنا التأريخي والحضاري، انهم ذخر الأمة، واحد اعمدة شعبنا الثقافية.


ولكي نضع النقاط على الحروف نقول...اين هي الديمقراطية الحقيقية في العراق التي روجت لها اميركا ومن تعاون معها قبل غزوها له، اين القانون، ثم اين الحكومة والدستور والبرلمان الذين انتخبهم العراقيون ليحكموا الشعب العراقي بالعدل والمساواة،، اليس هؤلاء مجتمعين هم المسؤولون عن امن وسلامة مكونات شعبهم، كيف ستتحقق العدالة في العراق والطائفية والعنصرية ما زالت تعبث فيه، كيف ستنعم مكونات الشعب بخيراته وهو غير آمن والفساد وسرقة المال العام سائرة على قدم وساق، وكما قلناها مرارا وكررها سيادة المطران الجليل الدكتور لويس ساكو بان تحقيق الامان والانتعاش والديمقراطية الحقيقية وضمان حقوق المواطنة في العراق، لن تتحقق الا باعادة النظر بالدستور واجراء التعديلات اللازمة على جميع بنوده التي تشير الى التقسيم اوالتغليب الديني اوالقومي اوالفئوي، حيث ان الدستور الذي يحتضن كل العراقيين ويحقق المصالحة والمساوات والعدالة للجميع، هو الذي سيحل كل المعضلات، فالعرب والاكراد والتركمان والكلدان والاشوريين والسريان والارمن واليزيدية والصابئة والشبك كلهم عراقيون مخلصون وطنيون، فالحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية امانة في اعناقهم جميها، والدكتور المطران لويس ساكو...خير
مثال على ذلك.

ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل