من العادة ان يكون هناك برنامج وهدف لأي مؤتمر كان، قبل إعلان انعقاده، لكن المؤتمر الكردي المعلن عنه، والمزمع عقده في أربيل( عاصمة اقليم كردستان العراق)، بناء على دعوة من الرئيس مسعود البارزاني، حسب تصريح عمر ميراني القيادي في حزب الديمقراطي الكردستاني لصحيفة quot;طرفquot; التركية له هدف ولكنه بدون برنامج. هذا quot;الهدفquot; يندرج في اطار نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ترضية للعلاقات التركية مع اقليم كردستان العراق. بمعنى ان دعاة المؤتمر يضعون قرار quot;نزع السلاحquot; بدعم تركي مسبقا وكشرط، قبل الحوار مع صاحب العلاقة وهو هنا حزب العمال الكردستاني. الغاية من وراء هذا الأمر هو ابعاد اطراف الممانعة لتمرير مخطط الرئيس العراقي مام جلال الطالباني والرئيس التركي عبدالله غول المتمحور حول ضرورة إنهاء وجود العمال الكردستاني والقضاء عليه!. وقد أعلن غول صراحة بإن المسؤولية في القضاء على حزب العمال الكردستاني quot;تقع على عاتق قيادات المنطقة التي يتواجد فيها الإرهابيونquot;، وذلك في طلب مباشر من المسؤولين في اقليم كردستان للتحرك ضد العمال الكردستاني. هكذا يدفع غول ممثل quot;الاسلام المعتدلquot; من عمق عنصريته الاتاتوركية القيادة الكردية في العراق للقيام بالحرب وإدارة الصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني.
ولنعد إلى تصريح ميراني لصحيفة quot; طرفquot; التركية، حيث قال quot;لقد تم التباحث حول جميع الجوانب المتعلقة بالمؤتمر في اللقاء الذي حصل بين مراد اوزجليك، الممثل التركي في العراق، ونيجيرفان البارزاني رئيس حكومة الإقليم في العاصمة أربيل. وتركيا تساند فكرة اقامة المؤتمر. ثم يتابع ميراني quot;ان عملية نزع سلاح العمال الكردستاني مرتبط بالخطوات التي ستقوم بها تركيا. ومن جهتنا نبذل الجهود اللازمة لمساعدة تركيا في ذلك. ولاجل هذا الهدف سنقوم بعقد المؤتمرquot;.
ان تصريح ميراني هذا خطير جدا و يسير في اتجاه معاكس لما يطمح إليه الشعب الكردي، ويدور حول مناهضة الحركة التحررية الكردية التي يقودها حزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا. يمكن ان نضع هذا الموقف الخاطئ الذي صدر عن قيادي كبير في لحزب الديمقراطي الكردستاني في دائرة المؤامرة والتآمر مع تركيا ضد حزب العمال. يؤكد ميراني على هذه الخطة بقوله quot;تعمدنا قطع الامدادات اللوجستية، ووضعنا جميع نقاط العبور تحت سيطرتنا، الى جانب عمل اللجنة الثلاثية في عاصمة الاقليم أربيل للعمل المشترك في مراقبة الحدودquot;.
ان القيادة الكردية في الاقليم تريد التستر والتغطية أمام الجماهير الكردية على تصرفاتها الخاطئة تجاه حزب العمال عن طريق الدعوة للمؤتمر الكردي تشترك فيه الاحزاب الكردية من جميع اجزاء كردستان حسب قول ميران. طبعاً الى جانب بعض النواب الكرد القدماء من تركيا. وتأكيدا على ذلك جاء قول رئيس الاتحاد الوطني السيد جلال الطالباني quot;نحن نقوم بعمل دعائي واسع النطاق من أجل بيان ان أي عمل مسلح في هذا العصر في بلد ديمقراطي، هو يعتبر ارهابياً ومعادياً لمصالح الشعب الذي يقام هذا العمل من أجلهquot;. وتعقيبا على قوله اعيد الى ذاكرة مام جلال الآتي: لو كانت القيادة الكردية في اقليم كردستان العراق تؤمن quot;بالديمقراطيةquot; وquot;العصر الجديدquot;، لتوحدت في حكومة واحدة، وحاربت الفساد المالي والاداري، وتخلصت من سيطرة الحزبين الكبيرين على السلطة، ومن تقاسم مقاعد البرلمان بالتساوي فيما بينهما. لو كان جلال ديمقراطيا على حق، لما كان هناك صراع بين الحزبين الكبيرين والصراع الداخلي في حزبه وإنقسام الحزب إلى أجنحة. ولما كان هناك معتقلون سياسيون يتعرضون في سجون الاقليم للتعذيب، حسب مصادر وتصاريح منظمات حقوق الانسان الاميركية والبريطانية التي زارت الاقليم.
ان فكرة إقامة مثل هذا المؤتمر صحيحة، ولا يخالفها أحد، اذا كان الهدف من وراء ذلك خدمة القضية الكردية، وتوحيد الخطاب الكردي ووحدة صفه، والتمسك بالارادة الكردية وتقويتها، ولكن حسب تصريح ميراني هناك شكوك في النيات لبعض المجموعات السياسية التي تريد إزاحة حزب العمال من الميدان السياسي في الحركة الكردستانية. رغم كل هذه المحاولات الشاذة، على جميع الاحزاب الكردية الموافقة، والمعارضة لفكرة مشروع المؤتمر بما في ذلك حزب العمال الكردسياني والشخصيات الوطنية الكردية ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في المؤتمر، لأجل توضيح الأزمة، وبحث المواقف السياسية لهذه الاحزاب تجاه الحركة التحررية الكردستانية، ثم طرح فكرة مبدأ الحوار والتعاون وتقارب وجهات النظر بين القيادات السياسية والالتزام بالواجب الوطني من خلال وضع استراتيجية شفافة لخدمة القضية الكردستانية، وليس أخيرا فضح التآمر التركي من خلال المؤتمر على الشعب الكردي.
انه ليس من اللياقة الحزبية والسياسية ان يتهم ميراني قوات حماية الشعب (الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) بأوصاف لا تليق. تلك القوات التي يضحي مقاتلوها بحياتهم في سبيل انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الكردي، وانقاذه من الذل والاضطهاد والظلم الذي تمارسه الدول التي تحتل كردستان وتمارس الارهاب بحق المدنيين الكرد.
يقول ميراني quot;هناك بعض المنضمين لصفوف حزب العمال الكردستاني لا يعرفون سبب صعودهم للجبال وليسوا مدربين، والبعض الآخر منهم تم غسل ادمغتهمquot;. السؤال الذي أطرحه على ميراني: هل كان هؤلاء الوطنيون الكرد من سوريا وتركيا وايران الذين إلتحقوا بثورة المرحوم الملا مصطفى البارزاني لا يعرفون أيضا سبب التحاقهم بالثورة؟.. وهل تم غسل ادمغتهم؟..ألم يكن سبب إلتحاقهم هو الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والثورة؟..ألم يكن التحاق الشهيد المرحوم البارزاني بثورة مهاباد والوقوف الى جانب الشهيد المرحوم قاضي محمد هو الشعور الوطني الصادق؟..ان تصرفات ميراني تجاه قوات حماية الشعب وحزب العمال، ان دلت على شيء، انما يدل على مدى جهله السياسي وحقده الغير مبررعلى حزب العمال الكردستاني وقيادته.
يقول ميراني quot;لقد تم تغيير العالم وتغير معه النظام العالمي، لذا لا بد ان يغير الكرد أيضا أنفسهمquot;. في هذا الاطار أقول لميراني: هل غيرتم، أنت ومن معك، أنفسكم لتبني حقوق الشعب الكردي في تركيا؟. هذا الشعب الذي عبر في عيد نوروز 2009 عن مطاليبه بالتظاهرات المليونية التي نظمها وشارك فيها في المدن التركية والكردية، مؤيدا لحزب العمال وقيادته. وقد أظهر المتظاهرون للدولة التركية، والدول الاقليمية وللقيادة الكردية وحكومة نيجرفان البرزاني في الاقليم، بأن حل القضية الكردية يكمن في آمد ( ديار بكر ) وليس في بغداد وأربيل. انكم تعلمون جيدا بأن حزب العمال الكردستاني عرض على الحكومات التركية (وآخرها حكومة رجب طيب أردوغان) بإنهاء الحرب والقتال، والدخول في المفاوضات وحل القضية الكردية بالحوار والتفاهم وبالاسلوب الديمقراطي. ولكن الرد كان دائما الرفض، واهانة الحكومة والجيش التركيين للشعب الكردي، الذي انت واحد منه. يقول أردوغان quot;اما ان تحبوا هذه البلد وتعيشوا تحت علم واحد ولغة واحدة، أو ترحلوا عنهاquot;. هذا الموقف يعد اهانة لك ولحزبك ومن وراءك، ولجميع الاحزاب والقيادات الكردية التي تقف عقبة أمام الوحدة والتضامن الكرديين، وخطورة مواقفها التي ستتسبب في خلق مواجهة بين الأطراف الكردية التي تصب في مصلحة الدول المعادية للكرد.
ان هذه العولمة التي تشيد بها لا تملك الاخلاق الانسانية ومعدومة الضمير، تبيع وتشتري الساسة ورؤساء دول العالم الثالث حسب مصالحها الجشعة لتحقيق أجندتها دولياً واقليمياً على حساب الشعوب المستضعفة، وجعل هذه الشعوب ضحية للحكومات الديكتاتورية والانظمة الشمولية، وتفتيت المجتمعات الى طوائف دينية ومذهبية وعرقية، لإثارة الحروب بين الدول التي قسمتها الى دول حليفة، ودول معادية لها. الكرد أصبحوا ضحية لهذه العولمة، لجهل الاحزاب وقياداتها في التعامل معها، وبسبب الخلافات السياسية والانشقاقات الحزبية والجمود الفكري الذي يعيشون فيه، والذي أنهك الحالة الكردية.
ألم يتذكر مام جلال في زيارته الاولى الى تركيا كرئيس للعراق، حيث رفضت الحكومة التركية وجنرالات الجيش استقباله رسميا كرجل دولة، بل استقبلوه كرجل أعمال. ألم يعتبر السيد الرئيس هذا الإجراء اهانة لشخصيته السياسية، ولكرامة الجمهورية العراقية، وللقيادة الكردية في الاقليم؟. ورغم ذلك زار الطالباني ضريح مصطفى كمال quot;أتاتوركquot; ووضع اكليلاً من الزهور على قبره.
ان quot;السياسي المحنكquot; مام جلال يحاول دق اسفين الخلافات وتصعيدها بين القيادات الكردية في الاقليم من طرف وبين رئيس الحكومة نيجرفان ورئيس الاقليم مسعود البارزاني من طرف آخر، وذلك من خلال تقاربه مع كل من نظام الملالي في ايران والحكومة التركية. لقد اقترح الطالباني على الطرف التركي مرات عديدة ان يقوم نيجرفان بزيارة أنقرة، في الوقت الذي كانت علاقات رئيس الاقليم مع حكومة أردوغان متوترة بسبب قصف الجيش التركي للقرى الكردية وتدمير البنية التحتية. ثم دعم نيجرفان في البقاء على سدة رئاسة الوزراء، رغم انتهاء الفترة المحدودة له، ومن ثم الزيارة المشتركة الى كوريا الجنوبية. كل هذه العوامل تدل على مدى المواقف المشتركة تجاه الحركة الكردية داخل الاقليم، وبالاخص تجاه العمال الكردستاني.
ان تصرفات جلال الطالباني قد تؤدي الى وقوع الاقليم تحت خطر المنافسة التركية ـ الايرانية، حيث تحاول هاتين الدولتين مد نفوذهما في العراق، واستعمال الكرد كأداة لتنفيذ خططهما عن طريق توسيع الخلافات بين بغداد وأربيل وخلق مواجهة سياسية أوعسكرية بين الطرفين. ويدخل في هذا الاطار زيارة كل من رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران آية الله هاشمي رفسنجاني، ورئيس تركيا عبدالله غول الى العراق. وهذان الرجلان يتسابقان في مد السيطرة السياسية والاقتصادية اقليميا وعراقيا، بسبب الفراغ السياسي في المنطقة.
ان الابعاد السياسية لزيارة غول للعراق تسير في محورين:
أولاً: اظهار قوة حكومة أردوغان تجاه الجناح العسكري في الداخل، وابراز دور quot;الاسلام المعتدلquot; في محاربة حزب العمال الكردستاني والقضية الكردية، واستمالة أكبر عدد ممكن من جماعات الاسلام الكردي الى جانب أردوغان وحزبه، وهو الأمر الذي عجزت عنه الاحزاب القومية التركية، وبهذا الاسلوب يقطع أردوغان الطريق اما العسكر للاطاحة بحكمه. 2 ـ
ثانياً: تعميق العلاقات التركية الامريكية، بسبب تفعيل عمل ( اللجنة الثلاثية المكلفة بمتابعة ملف حزب العمال الكردستاني) التي تشارك فيها القيادة الكردية في العراق، لمحاربة العمال الكردستاني، واقناع الادارة الاميركية الجديدة بعدم تقسيم العراق وتشكيل دولة كردية. الاعتماد الاميركي على دور تركيا في المنطقة بإسم quot;الاسلام المعتدلquot;، والتأثير على الاسلام السني بالاخص في المجتمع العربي، لمواجهة المتطرفين الاصوليين، وكقوة اقليمية أمام المد الايراني، ثم حاجة أمريكا لتركيا في نقل الجنود والمعدات العسكرية من العراق الى أفغانستان عن طريق القواعد العسكرية الامريكية فيها. هذه بإختصار ابرز أوراق غول وأردوغان في مواجهة اقليم كردستان العراق، الذي يتخبط في ميدان السياسة الإقليمية والدولية.
د. أحمد رسول
محلل سياسي كردي ـ ألمانيا
التعليقات