لايختلف اثنان عراقيان أصيلان على ضرورة بقاء العراق كدولة تاريخية في القدم والمعنى،العراق الأول، ليس بمفهموم الجامعة العربية الموهومة الذي كان أحد مؤسسيها،بل كبلد متنوع في السكان والجغرافيا والقوميات والأديان،إلا إذا خابت النوايا وأختلف المصير وتدخلت التحالفات وساء الضمير وانتشر فساد الأقوياء،وقد تعممت الديمقراطية بعمامة الدين والمذهب وفصيلة الدم، وفضيلة الإنتخاب الحرّ هي أرقى وأحصن من الشورى المزيفة.
يُطلق أغلب العراقيين اسم (عفلقي ) في توصيف (البعثي )،وهذا الإطلاق ليس حديثا ً،بل شكّل غريزيا ً كراهية متناهية للعفلقي،الذي ُينسب الى ميشيل عفلق المفكر المسيحي السوري الذي أوجد وساهم في تأسيس حزب قومي فاشي،أدت قيادته وتزعمه لأنظمة سياسية حزبية في كل من العراق وسوريا وبعض من لبنان الى خراب اقتصادي واجتماعي وسياسي شامل، اضافة الى المشاركة التامة في حركات قومية عنصرية في السودان وموريتانيا وبعض من أرجاء اليمن الذي كان سعيدا.
ولد ميشيل عفلق في دمشق عام 1910 في وسط عائلة مسيحية ارذوكسية متوسطة الحال ودخل المدرسة الفرنسية ابان الإنتداب الفرنسي لسوريا،مما جعله مؤهلا للدراسة في جامعة السوربون التي تخرج منها عام 1933،ليبدأ عمله القومي العربي ضد ما بقي من العهد العثماني المتخلف في كينونته والمتحيز ضد المسيحيين العرب في الشام وفلسطين والعراق ومصر،وتوحد مع آل البيطار في 1947 لتأسيس حزب البعث العربي الذي اندمج مع حزب أكرم الحوراني عام 1952،فقام حزبه الكبير (حزب البعث العربي الأشتراكي ) سيء السمعة الأبدية الإنسانية، خاصة في العراق.وتوفي في بغداد في يوم 23 حزيران 1989،وبني له قبرا ً مزخرفا ً هناك،ولا استطع التكهن بما جرى للقبر الان.
كنا نتفرج على محلات نفق التحرير وسط بغداد التي بدت الآن في مخيلتي وكأنها محلات حديثة ومتقدمة، لكنها فعلا ً كانت حديثة ومتقدمة، كنا نسير اواسط الثمانينات من القرن الماضي في نفق التحرير ذي المسطبات والحديقة المفروشة لكي نغير المسارات في تجاه الرشيد أو الجمهورية أو السعدون أو نصب الحرية، وكنت أتسكع مع صديق،حينما حوصرنا بحراس من مختلف أنواع الملابس،الذين أمرونا بإخلاء الممرات والخروج من النفق،وبعد استفسار وحب استطلاع تافه، عرفنا أن عائلة القائد المؤسس تتسوق وتتجول في النفق، وحينما أمعنّا في الإستفسار شاهدنا مراهقة وحيدة (حفيدة المؤسس) تتجول بين المحلات.
استطاع عفلق وتحت تأثير أفكاره القومية من إحتكار بلدين عربيين على أهمية كبيرة،ليس للعرب فقط،بل والعالم،واختلف مع الناصريين العروبيين كثيرا،وقد تم تهميشه اثناء الفترة الناصرية، وملاحقته من البعثيين الأسديين أنفسهم بعد ذلك، لكنه عاد ليكون القائد المؤسس الأوحد لحزب حَكم العراق طوال خمسة وثلاثين عاما ً، وجلب معه جميع رفاقه الشاميين والأردنيين خاصة ( المسيحيين منهم ).ومهما تم الحديث عن إعلان إسلامه الصريح أمام صدام حسين فسوف يبقى ذلك خبرا ً مصنوعا ً.
في الأونة الأخيرة كثرت أحاديث المصالحة مع البعثيين،أي،العراقيون مع جلاديهم أو الحكومة مع معارضيها أو اصحاب المصالح مع منافسيهم أوالضحايا مع القتلة أو الفكر الليبرالي المتنور مع الفكر الشوفيني المتشدد، أو التحالفات السلمية مع تحالفات الشياطين أو الإسلام مع الكفر،لكن المصالحة تبدو هامة جدا لممثلي ايران وسوريا من العراقيين انفسهم وداخل احزابهم التي كافحت الإستعمار والصهيونية والإمبريالية لكي تؤسس برلمان حر في العراق!!.
وفي الهدوء السلمي والتفكير الهادىء،يُنظر بعض العراقيين للمصالحة مع البعثيين،مع العفالقة، أو غيرهم،المصالحة المطروحة هي مع البعثيين السوريين من غير اتباع عفلق وصدام،وكأن هؤلاء يختلفون في امتلاك روائع لايملكها المسكين عفلق واتباعه،واذا ما تتبعنا الأمر فأن البعثيين السوريين من العراقيين هم أسوأ بشديد من العفالقة العراقيين من حيث البطش والإلغاء، وذلك كونهم مؤسسة مخابراتية معلنة تابعة لبلد اجنبي بنصوص وشروط الدستور العراقي،عكس حزب الدعوة والمجلس الأسلامي في العراق التابعين لإيران في الأيدولوجية وليس في نظام الحكم (الديمقراطي )الأميركي الذي يراقب الأفعال والأقوال وحسن النوايا وسموم المنافقين.
واصف شنون
التعليقات