يتحدث الاستاذ quot;هيكل quot; في كتابه quot; الطريق الى رمضان quot; و في الفصل الذي اطلق عليه quot;جماعة علي صبري quot; الى جلسات خاصة لتحضير جلسات ارواح يستحضرون فيها روح الرئيس جمال عبد الناصر ليسألونه عن صراعهم مع الرئيس انور السادات. و في موقع اخر من كتابات الصحفي quot;حلمي سلام quot; احد المقربين من عبد الناصر و قبل ان يصبح رئيسا، و في عام 1952 كتب في جريدة المصور ان عبد الناصر كان يدعو ضباط الجيش و يسألهم : هل عندكم مانع من حضور اجتماع لتحضير الارواح quot;. انتهى الاقتباس عن مجلة المصور المصرية في عددها الاخير.


و لكن و نحن في القرن الواحد والعشرين، هل موضوع استدعاء الارواح الذي نشر في جريدة المصور المصرية في عددها رقم 4404 تحت عنوان رئيس quot; عبد الناصر و عبد الحكيم يحضران الارواح quot; مقبول.؟


و حسب روايات مصرية في نفس العدد ان من اهم جلسات تحضير الارواح التى قاما بها كانت استدعاء روح الشهيد احمد باشا ماهر للتعرف على ماذا يجب ان يفعلوه.


quot;هيكل الاستاذ quot; اختار طريقة تحضير ارواح، بكل ما تحمله من متعه زائفه، و مخيلة مريضة للحديث عن الحق، و فجوة فكرية للحديث عن الحقيقة، محددا هدفا مزدوجا لحلقاته الاثنتين عن الهاشميين. الهدف الاول تقطيع اوصالهم والصاق تهمة العمالة بهم لامريكا و الهدف الثاني انهم مريضون عقليا و يعانون انفصام الشخصية. و بالطبع فأن الهدفان يؤديان الى ازدياد عمق الخلاقات العربية و انتشار الاشاعات عبر قنابل اعلامية بدائية من عصر البروبجاندا التى سقطت على مقاهي الحسين في الازهر.


الاستاذ هيكل فيquot; رأي العامةquot; انه يسعى لتصفية حسابات مع الهاشميين ووجد فيquot; فضائية الجزيرةquot; المخرج لتلك الحوارات.
وفي بداية حلقته الثانية التى خصصها لهدم صورة الهاشميين معتقدا انه قد ينجح في خلخله صورتهم لدى المشاهد العربي غير المثقف او غير الواعي للممحاكات المتلفزة، والتى يبدو انه ما زال في مخيلة و عقلية صديق الثورة و كاتبها الاستاذ quot;محمد حسنين هيكل quot; ان تحضير الارواح هي الحقيقة الواقعه بين وثائقه quot;، رغم انه عرف الحقيقة بأنها ما تقع على الارض ؟.
و لكن طار و حلق بافكاره مع الارواح دون اي مجال لفهم الحقيقة و الدافع من وراء وثائقه التى لم نرى منها الا ما لوح بيده و بضعه اوراق بيضاء متلاصقة بين يديه.


وعرف quot;الاستاذquot; في حلقته الملك الحسين بأنه مصاب بانفصام في الشخصية و انه ملك محاصر، يعيش في قفص،وريث عقد الهاشميين،ملك على دولة مصطنعه،عازل بين اسرائيل و العراق و السعودية، مرتبط بأمريكا و اختار ان يسير عكس اتجاه القاهرة ونذكره هنا ان البعض في مصر يعلوقن عليها اليوم و يصفونها بأنها كانت quot;سلطة وهمية ادت الى هزيمة الامة quot;.


و اضاف الاستاذ هيكل بأداء الممثل المتميز، و كأنه في صالون quot; حلاق بغداد quot;، بأن الملك الهاشمي شبيه الملك فاروق في علم محدود و ثقافة مفقودة و لكن الفرق ان وراء الملك فاروق مصر بينما الملك الحسين لا يوجد وراءه دولة. و اود ان اشير هنا الى ان مصر خلعتquot; فاروقهاquot;بعد ان هدم مصر، بينما بايع الشعب الحسين ملكا على الضفتين والذي بنى الاردن، و لكن تلك الورقة سقطت من وثائق الاستاذ هيكل.


ضياع الضفة الغربية و سيناء و البلاي ستشين
و هنا يجب ان نشكر quot;الاستاذ quot; على هذا التعريف المغلوط لعدم وجود دولة الاردن على الخارطة كما صرح في لقائه وحديثه، و الذي يسمح للجميع بمناقشة الاسباب و الدوافع وراء هذا التشويه المتعمد و الذي اساء الى مصداقية الاستاذ في التعامل مع الوثائق و اخلاقياتها، و يسمح بفتح باب النقاش عن دور الهاشميين في المنطقة و خصوصا الملك عبد الله الاول الذي وجه النصح لاشقائه العرب بقبول قرار التقسيم الذي يعطي اليهود خمسه بالمائة من الارض الفلسطينية و انهاء الصراع و تجنب الحرب، و قوبلت نصيحته بالرفض و بعد سنوات و الى يومنا هذا لم يأخذ عربي واحد حق و لا باطل من اسرائيل التى تغتصب كل يوم كيلومترا و لا نقول شبرا من الاراض العربية و ليست الفلسطينية فقط. و تحولت قضية فلسطين من قضية تحرير ارض الى قضية اعادة الوضع الي ما كانت عليه حدود 1967.


و هذا ايضا حلم، بعد ان ضاعت سيناء في ست ساعات و كبار قيادات الجيش المصري يمرحون في حفلة من quot;حفلات العشوائيات quot;التى كان يعدها رجال المشير عبد الحكيم عامر بعيدا عن ارض المعركة.
اما ما يتعلق بقصه ضياع الضفة الغربية، و التى اوحى بها quot;الاستاذ quot; ان الملك كان على علم بالهجوم الاسرائيلي و الذي حذر مصر منه، ثم انضم الى مصر في اتفاقية دفاع مشترك، لاجل حسب روايات هيكل ان تضيع الضفه و القدس ليكتمل المشروع الصهيوني.


الاستاذ هيكل اسقط ورقه مهمه عندما ادعى جهل قائد القوات العربية المشتركة بحدود الاردن و جيشه، متناسيا ان القياده العسكرية العربية اوكلت الى مصر بموافتها و رغبتها في ادارة المعارك الحربية، ومتغافلا عن حادثة مهمه عندما دمرت المطارات المصرية، و انهزم الجيش المصري، بينما كان يذيع احمد سعيد الانتصارات و الدخول الى تل ابيب.
في تلك اللحظات امر قائد القوات العربية المشتركة الجميع العودة الى quot;خط الدفاع الاول quot;. بالنسبة لمصر كان خط الدفاع الاول خلف قناه السويس، و بالتالي تم تسليم سيناء كاملة و عاد الضباط مشيا على الاقدام، و بالنسبة للاردن كان خط دفاعها الاول هوخلف نهر الاردن، و يعني ذلك تسليم الضفة دون قتال.


هذا كان قرارا مصريا عسكريا بحتا لا يزال يتهم فيه من ليس له رأي عسكري في الحرب او قرار بالدفاع.
و لكن، اذا كان ما قاله الاستاذ quot;هيكل quot; عن رغبة الملك الحسين في بيع الضفة ضمن اتفاق الهزيمة والتى حذر منها الملك نظام عبد الناصر، فكيف انطلى ذلك على الرئيس عبد الناصرو مستشاره هيكل و على قيادات الجيش المصري و على مفكريها، وهو ملك محدود العلم و الثقافة و يعاني من انفصام على حد رؤية الاستاذ هيكل ؟.كيف قبل قائد القوات العربية المشتركة و احمد الشقيري ان يعودا معه على نفس الطائرة و هم يعلمون انه يخدعهم على رأي الاستاذ ؟هل كانوا بهذه السذاجه الى درجة ان ملك محدود العلم و عديم الثقافة قادر على اقناع القيادات المصرية بهذه السهولة ؟و يبدو السؤال المنطقي، ماذا لو كان ملك متعلما، ماذا كان فعل بمصر يا استاذ هيكل وقتها؟.


و في اعتذار مصري لاحقا للملك الحسين، قيل له ان قائد القوات العربية المشتركة لم يكن يعرف خطوط الدفاع الاولى للاردن، هكذارد وهكذا اعتذار، و كأنها حرب quot;بلاي ستاشن quot; للاطفال.
لقد حان الوقت ليس فقط باعاده النظر في الدور الهاشمي في المنطقة انما كتابة تاريح حقيقي للمنطقة غير ما شوهه quot;الاستاذ quot; هيكل و صنعته دوائر معنيه بتزييف التاريخ لمصالح شخصية فردية.


تعريف العلم و الثقافة و الدولة المصطنعة
اما العلم المحدود و الثقافة المفقودة، فهذه اعتقد quot; مزاح ثقيل quot; من الاستاذ هيكل الذي يعرف ان الملك الحسين درس في الكلية العلمية الاسلامية في عمان، و انه اكمل دراسته في اعرق المدارس البريطانية المتواجدة في الشرق الاوسط و هي كلية فيكتوريا بالاسكندرية، و من ثم في كلية هارو البريطانية و بعدها في ساند هارست. و لم يعرج هيكل على من حكموا باقل من هذا العلم و اقل من تلك الثقافه. و لكن معروف ان الرئيس عبد الناصر كان يكره كرها شديدا كلية فيكتوريا ويحارب منتسبيها و خريجيها و تشرب هيكل من نبعه. و المستغرب ان الاستاذ هيكل لم يكن لديه الوقت للحصول على وثائق تعليميه خاصة بالملك الحسين مكتفيا برسائل تطمينات امريكية مرسلة للملك الهاشمي من الرئيس الامريكي، و بالمناسبة فأن ارشيف الولايات المتحدة الامريكية مليء بمثل تلك الرسائل لكل من مصر و غيرها من الدول، بل ان امريكا ساندت الثورة المصرية في بدايتها لتحل محل بريطانيا و لعب هيكل دور الوسيط مع السفارة الامريكية، و لكن رفض تمويل السد العالي كان نقطة الخلاف و بداية الانهيار في العلاقات.


و اعود الى علم و ثقافة الملك الحسين، حيث لم يكن هذا فقط علم الملك الحسين، و انما و منذ ان رافق جده الملك عبد الله الاول، و كانت خيرة اساتذة اللغة العربية و الثقافة الاسلامية واللغة الفرنسية تنكب على صقل علم الحفيد الذي قدر له ان يكون من الحكام اصحاب المسؤوليات التاريخية و الجسام.


واما قصة ان الاردن هي الدولة المصطنعة، فهي فعلا فكرة جديرة بالاهتمام و الدراسة، وquot; الاستاذquot; مطالب بما لديه من علم بتعريف المعنى السياسي و الاقتصادي لما هي الدول و الكيانات المصطنعة و ان يزيد مشاهديه علما بوثائق و ادلة لتعريف مامعنى دولة مصطنعة و دولة غير مصطنعه، و اين يصنف دول المنطقة، و ما دور و تصنيف جامعة الدول العربية لتلك الدول ( التى كانت الاردن من اوائل الدول المساهمة في تأسيس الجلمعة العربية). و الاهم كيف صمدت دول مصطنعه و انهارت غيرها.


اخلاقيات التعامل مع الوثائق
التعامل مع الوثائق يحتاج الى اخلاقيات عند استخدامها، و اقصد الشفافية، المصداقية، القياس، مستويات السلوك مع الاعتبار الزمني لوقت الحدث، ماذا تحتوي الوثيقة، نوعها، كاتبها، مصدرها وغيرها من الامور.


و هناك العديد من المشاهدين ـ اللذين يرون ndash; ان الاستاذ هيكل ربما لم يطلع على وثيقة الحكومة الامريكية الصادرة في 6 مارس 2009، بخصوص اخلاقيات استخدام الوثائق، لمن يعملون معها مباشرة او تحت غطاء، بطريق مباشر او غير مباشر و التابعين للاستخبارات الامريكية،و خصوصا البند السادس (أ) و البند السادس (و) المتعلق بالمقابل المادي الذي يدفع لمن يتحدث عنها، و الحدود التى يجب مراعتها عند الحديث عن كبار المسؤوليين و رؤساء الدول او عند تدوال المعلومات او المشاركة في اصدار الكتب.


تلك الوثيقة التى تشير الى حق استخدام الوثيقة بكل صدق، و امانه في النقل، و باخلاقيات سلوكية، و عدل، ووقت مناسب، و حرفية، ودقة متناهية حتى تقدم الوثيقة النصح عن الحدث للدارسين و المؤرخين لا المغالطات، و مع حفظ حق الشكوى القانوينة ضد اي نوع من سؤ استخدام الوثيقة بطرق مغلوطة او لفرض نظريات خاطئة او توجيه الراي العام بشكل خاطيء مما يعتبر خرق لاخلاقيات التعامل مع الوثائق.


اعتقد، ان الارواح التى استحضرها quot;الاستاذ هيكل quot; لا يمكن شكواها لانها لا تمت الى الحق او الحقيقة التى قال انها تستمد من واقع الارض، فقد عادت الارواح الى سله هيكل مع انتهاء حلقته التى امتع مشاهديه بدورها التمثيلي الذي يضاف الى موهبة الكتابة.
عفوا استاذ quot;هيكل quot; نريد وثيقة توضح للجميع ان دار quot;هاربر quot; التى تمدك بالوثائق و تنشر كتبك ليست يهودية قبل الحديث عن لقاءات سرية. انها ايضا ضمن اخلاقيات المهنة الصحفية استاذنا الفاضل.

د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]