لا أحد يمكنه اليوم أن ينفي الدور المحوري الذي لعبه الرئيس العراقي جلال طالباني أو ( مام جلال) بتعبير الأكراد، في إدارة الصراعات السياسية و الطائفية الدائرة في البلد، و كذلك دوره الكبير في إحتواء الفتن السياسية، التي كادت أن تدمر العراق في أكثر من مرحلة بسبب إتجاهها الخطير دوماً نحو التطهير الطائفي و الأقتتال بل إشعار نار الحرب الأهلية بين العراقيين. فهذا الرجل أستطاع و بفضل خبرته الدبلوماسية و التحاورية في حقلي العمل السياسي و النضالي، أن يجرب الكثير من الأساليب و السبل العقلانية الممكنة لتهدئة الأجواء السياسية المتدهورة في العراق و التي صاحبت سقوط النظام السابق 9/4/2003 و ما بعده. كما ساهم طالباني مساهمة مشهودة في تجنيب البلد، في أكثر من لحظة تاريخية، من ويلات التصادم القومي و الطائفي، و ذلك من خلال إتباعه المعهود لأسلوبه السياسي الخاص في إدارة الأزمات، و الذي تمثل مع الحالة العراقية في قدرته على أستقطاب قوى أساسية عراقية تكون حريصة على مواصلة العملية السياسية و قادرة على مواجهة التحديات من جهة، و من جهة أخرى توجيه ممثلي الأحزاب و التيارات السياسية بإتجاه التحاور مع بعضهم البعض و حثهم على التفاوض و اللجوء الى لغة التفاهم كأنجع أسلوب لتسوية الخلافات و إحتواء الصراعات و الأزمات.


بمعنى آخر، أن لطالباني أفضال كثيرة على العراق الجديد و يشهد له ذلك الكثير من المراقبين، و قد يكون أبرز ما أنجزه هذا الرجل للبلد هو إبعاد العراقيين عن فكرة التحارب و التصادم و اللجوء بدلاً عن ذلك الى مبدأ التحاور و التفاوض بين القوى المتصارعة و تعزيز فكرة المصالحة الوطنية بطروحات عملية و واقعية، الأمر الذي سرعان ما منح طالباني، في نظر الآخرين، المصداقية و الجاذبية، بحيث تلتفت أغلب القوى السياسية حول أفكاره و يدعمونه لإنجاز مهامه كحام للدستور و راع لمصالح البلد العليا و الحفاظ على وحدته أرضاً و شعباً..


و لكن بالرغم من أن لطالباني كل هذا الدور الكبير و الموقع المتميز و المشهود في العملية السياسية الجارية في العراق، إلا أنه يستوجب علينا، بعكس التوقع، أن لا ندفعه أبداً بإتجاه التمسك بمنصبه أو مواصلة عمله في الدورة القادمة لرئاسة الجمهورية حتى و إن لم يكن هناك من يتحمل المسوؤلية التاريخية التي تحملها طالباني و تعاطى معها، و إنما ينبغي علينا أن نشجعه على قراره الجريء بعدم ترشحه لنفسه مرة أخرى لمنصب رئيس الجمهورية أو أي منصب سيادي أو غير سيادي للعراق على ما أكد على ذلك بنفسه في حوار صحفي لإحدى الصحف قبل أيام، و ذلك لأسباب عديدة ربما أبرزها هو أن العراق اليوم بحاجة الى إرساء مبدأ في نظام حكمه حُرم منه منذ عقود، بل لنَقُل لم ينعم به أبداً، عنيت هنا مبدأ تداول السلطة و تغيير وجوه أهل السياسة و الحكم و السلطان. أما السبب الآخر لعدم تشجيعنا على ترشحه لنفسه لمنصبه الحالي أو أي منصب آخر هو أخذ الكثير من المخلصين له، لوضعه الصحي، بنظر الإعتبار، رغم أن الرئيس حالياً يتمتع بصحة جيدة و لايعاني من شيء إلا من حالة صوفان بسيطة على حد قول د. فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني.


و كذلك ثمة أسباب أخرى تتعلق بأمور كُردستانية و تجعلنا اليوم، من باب آخر، ندعم قرار رئيس الجمهورية بعدم ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، منها مسؤوليته الأخرى التاريخية التي تقع على كاهله تجاه حزبه السياسي quot; الإتحاد الوطني الكردستانيquot; و هو من أبرز الأحزاب السياسية على ساحة أقليم كردستان العراق، والذي يعاني منذ فترة من مشاكل و صراعات داخلية خطيرة فسر بعض المراقبيين أسبابها بغياب طالباني عن العمل الحزبي المباشر، مما أدى ذلك، بنظر المراقبيين، الى وصول حال الحزب الى هذه المرحلة الدقيقة و الحرجة، بل أسوأ من ذلك، قول الكثيرين بوجود مؤشرات خطيرة تشير الى أحتمال تفكك الحزب إذا ما لم يتدخل طالباني بنفسه و لم يبذل جهوده المطلوبة للم شمل الأقطاب المختلفة في إطار الحزب، لاسيما بعد الأنباء التي تسربت الى بعض القنوات الإعلامية و التي تفيد أن طالباني أصبح يفكر في الآونة الأخيرة في أن يترك العمل السياسي و الحزبي أيضاً و أنه متردد حتى في أن يرشح نفسه كأمين عام للأتحاد الوطني الكردستاني، الأمر الذي أثر و يؤثر دون شك على طبيعة العلاقة بين الأقطاب و الأجنحة المختلفة في الحزب مع بعضها البعض، و هو نفس الأمر الذي يخشاه الشارع الكردي أيضاً نظراً لتوقع بعض المراقبين لحدوث حالات من قبيل المصادمات المسلحة بين الأجنحة إذا ما لم تُحل الخلافات، في نهاية المطاف، بطرق سلمية و حزبية مسؤولة، لاسيما في ظل الأجواء المتشنجة حالياً داخل الحزب فضلاً عن خطورة تضخيم القنوات الإعلامية الكردية لكل تطور يتعلق بالإوضاع الداخلية لهذا الحزب و مواقف أجنحته و أقطابه العلنية و المستورة!!.

عدالت عبدالله