تقتضي المسؤولية على أهل العلم والمعرفة والقيم دائما ان يسوقوا الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة وان يتحملوا المسؤولية الكاملة امام الشعوب وكمصلحين هذه هي مهمتهم.
كثير من القضايا الهامة والشائكة في المنطقة.. العراق المسرح الاكبر وجهنم الحمراء والمستقبل المعزول عن هويته وتاريخه.. ولبنان المسلوب التائه واليمن الخارج من قبر الحرب الطويلة، والصومال التي ذهبت مع الريح.. واليوم جديد طهران هي البحرين تلك القضية القديمة والجديد فيها اعلان طهران لها المحافظة الايرانية الرابعة عشرة.. انها ورقة اللعب الجديدة لتلهية المجتمع الدولي من ازمة حانقة الى أخرى للمساومة..
يدير نظام طهران حواره مع المجتمع الدولي وكالعادة بأزمة معينة فتصريحات علي اكبر ناطق نوري بان البحرين هي المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة وان هذه المحافظة كان لها مقعدا في مجلس الشورى الوطني الايراني هذه التصريحات لم تاتي من فراغ ولا عفوية ولا فردية ولا جانبية اداها مسئولا سابقا كما قالوا وانما وحسب المعلومات الدقيقه التي ترد من داخل الاجهزة الايرانية ان ذلك كان اثر اتفاقات ورؤى تبلورت في اجتماعات تم توزيع الادوار والواجبات فيها وعلم كل اناس ما عليهم وهكذا واجبات خطرة وحساسة لا يمكن ان توكل الا لمن هم جزءا من النظام وجزءا من كيانه ووجوده وعليه تم اختيار علي اكبر ناطق نوري الذي كان رئيسا لمجلس الشورى الاسلامي لمدة 8اعوام ووفق الدستور الايراني لا يوجد ما يسمى بـ مجلس الشورى الوطني ويشغل ناطق نوري حاليا منصب رئيس التفتيش العام للولي الفقيه ومؤسسته في ايران ومن المقربين جدا للولي الفقيه علي خامنئي والمراقب الدقيق يجد انه الرجل الثاني لدى الولي الفقيه حيث وفي اجتماعات مجلس الوزراء بحضور المرشد الاعلى، يجلس هو على يمين علي خامنئي واحمدي نجاد على يساره..ولو لم نكن نملك ما نقوله أو ملمين به فمنطق العقل لا يقبل ما تبريرات نظام طهران ولا يقبل ايضا ان يكون رجلا كناطق نوري قد صرح دون موافقة ولي الفقيه ومباركته ودعمه.. وحسين شريعتمداري رئيس مجلس ادارة صحيفة كيهان اليومية الايرانية الذي يمثل راي وتوجه ولي الفقيه ومعبرا عنه كان قد كتب مقالا بتاريخ 9يوليو 2007 يقول فيه laquo;كانت البحرين دائما جزءا من الاراَضي الايرانية وتم فكه من ايران في صفقة بين الشاه المعدوم والحكومتين الأمريكية والبريطانية. واليوم اهم مطالب الشعب البحريني هي اعادة هذه المحافظة المنفكة من إيران إلى الوطن الأم أي إيران الاسلامية ومن البديهي أنه لا يمكن ولا يجب تجاهل هذا الحق المسلم به لإيران والشعب المنفك منها..raquo;.
الطريف أنه عندما سُئِل حسين شريعتمداري: laquo; في مقالكم قلتم أن البحرين جزء من إيران ولكنه وبعد مضى اسابيع زار احمدي نجاد البحرين، وما هو رأيكم في هذاraquo; أجاب رئيس مجلس ادارة كيهان: laquo;برأيي، يجب أن تعتبر زيارة السيد احمدي نجاد إلى البحرين، زيارة الى احد المحافظاتraquo;!! (موقع laquo;عصر إيرانraquo; الحكومي 21نوفمبر 2008). أي أن نجاد لم يسافر إلى بلد مستقل بل وحسب شريعتمداري زار محافظة إيرانية.
ولم يمر شهر واحد فقط الا وقد ذهب laquo;داريوش قنبريraquo; عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية للبرلمان الإيراني،إلى أبعد من ذلك حيث صرح انه laquo;في أزمنة، كانت الحدود الإيرانية حتى مصر والشام وكانت كثيرًا من البلدان المستقلة الحالية جزءًا من اراضيناraquo;!! واضاف: laquo;ان البحرين كانت تعتبر جزءًا من الأراضي الإيرانية وانفكت من إيران في السبعينات بسبب تدخلات بريطانية واجراء استفتاء عام شكلي فيها.. واذا ما تريد البلدان العربية ان تدرس الاراضي والحدود المرسومة بين البلدان بالرجوع إلى التأريخ فالضرر الاكثر يصيب هذه البلدان، والسبب أن أغلبية هذه البلدان كانت في الماضي جزءًا من الاراضي الايرانية..raquo;. (موقع laquo;آفتابraquo; الحكومي في إيران 20ديسمبر2007).
وهناك معلومات أخرى تفيد بأن النظام الإيراني يحاول وبرعاية مكتب علي خامنئي تمرير خططه وسياساته التوسعية في دولة البحرين. ويُشَبِّه امير عبداللهيان السفير الإيراني في البحرين دور البحرين في البلدان العضوة في مجلس التعاون الخليجي بـ rdquo;ميزان حرارة المنطقهrdquo; بالنسبة لإيران حيث يقول: laquo;ان البحرين تقع في موقع استراتيجي جدًا من جهة وهناك بحرينيون من أصول ايرانية من جهة أخرى، كما ان اغلبية سكان البحرين من المسلمين و65 إلى70 بالمائة منهم شيعة. وتشكل هذه المسائل كلها حساسيات بالنسبة للبحرين. حيث انه عندما تقع البحرين في حدث ايجابي أو سلبي يتعلق إيران فمن الممكن أن نرى انعكاساته في البلدان الخيلجية الأخرىraquo;.
ولم تؤدي ممارسات ايران تجاه البحرين الاّ إلى كراهية متزايدة تجاه النظام الإيراني في البحرين في السنوات الأخيرة وأدت الاجراءات والتصريحات التوسعية الايرانية والمثيرة للتوتر لإيران بشكل خاص.. وبحسب قول السلطات الرسمية في إيران ان ذلك ادى إلى التشنج و خلق أزمة في علاقات الملالي مع البحرين..وقد أثار ذلك موجة من حالات الاستنكار والادانة داخل الشرائح المختلفة للشعب البحريني وسلطات هذا البلد وأيضًا في سائر البلدان العربية وبلدان المنطقة. وقد احتجت البحرين على إيران رسميًا بشأن هذه التصريحات..وكان رد الفعل البرلمان البحريني عنيفا مستنكرًا ومدينًا هذه التصريحات وأصدر جميع الأعضاء الـ 40 من البرلمان البحريني بيانًا ادانوا فيه الانتهاك الصارخ لميثاق الامم المتحدة.. ثم ان كثيرًا من البرلمانيين والشخصيات السياسية والاجتماعية في هذا البلد اتخذوا مواقف ضد الممارسات التوسعية الإيرانية.. وفي هذا الاطار اعلنت وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن مسؤول بحريني وقف المفاوضات الجارية بين بلده وإيران حول تصدير الغاز.. وصرح المسؤول البحريني أن البحرين قامت بوقف هذه المفاوضات احتجاجًا على تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين ضد سلطة البحرين وسيادتها واستقلالها (أ ف ب 18فبراير 2009). كما قامت عشرات الاشخاص بالاعتصام في المنامة احتجاجًا على هذه التصريحات.
واصدر وزراء البلدان الستة الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي بيانًا laquo;طالبوا فيه إيران بادانة تصريحات علي اكبر ناطق نوري حول البحرينraquo; (قناة بي بي سي الفضائية 22فبراير 2009). وكان ذلك البيان موقفا موحدا مع موقف لمجلس التعاون الخليجي وقد laquo;ابدى استياءه الشديد تجاه التصريحات التي يدلي بها من حين الى أخر عدد من السلطات الإيرانية وبهذا يقومون بالمساس بسيادة البحرين وادانوا هذه التصريحات بقوةraquo;. (قناة في أو إي الفضائية الأمريكية 23فبراير 2009). و دخل العراق الجريح الى الساحة وأكد تعاطفه مع مملكة البحرين.. وأخيرًا جاء موقف للأمير سعود الفيصل والذي قال يجب أن لاتتكرر مثل هذه الامور.
وقد ادت هذه المواقف وهذه المواجهة إلى أن قامت السلطات الإيرانية وأذرعها الى سحب تصريحاتهم واحدا تلو الأخر.. وهنا نلقي نظرة متواضعة إلي rdquo;الانسحاباتrdquo; التدريجية للنظام الإيراني.
وفي البداية اعتبر أمير عبداللهيان السفير الإيراني في المنامة في حوار صحفي laquo;التكبير وسوء الفهم للتصريحات rdquo;المنسوبة لـ حجة الإسلام والمسلمين ناطق نوريrdquo; المثيرة للسؤالraquo;!! (وكالة انباء ايسنا الإيرانية 21 فبراير 2009).
ولكنه وبعد مضى يوم واحد فقط عندما واجهت إيران مواقف صارمة من قبل البلدان العربية ووقوفها إلى جانب البحرين أدرك نظام طهران أن المسأله تكاد تتشدد وتصل الى ما لا يحمد عقابه.. وهنا تدخل وزير الخارجية الإيراني وأرسل رسالة إلي الشيخ خالد بواسطة السفير الإيراني في البحرين وقال في هذه الرساله: laquo;ان ايران تحترم سيادة البحرين واستقلالهاraquo;. (القناة الفضائية في أو إي الأمريكية 22فبراير2009). وبعد أن استمر وقوف العرب إلى جانب البحرين اجبر النظام على طرح المسأله في برلمانه.. وفي البداية طرحت القضية في الهيئة الرئاسية في لجنة الأمن الوطني في البرلمان حيث عقدت في يوم 22 فبراير 2009 جلسة استثنائية وتدارست فيها laquo;تصريحات علي اكبر ناطق نوري حول البحرينraquo;. وقال المدعو سبحاني نيا الناطق باسم اللجنة laquo;انه في هذه الجلسة تم دراسة ردود الفعل المتعلقة بالتصريحات rdquo;المنسوبةrdquo; إلى حجة الاسلام ناطق نوري حول البحرين، في سائر البلدانraquo;. (صحيفة اعتماد الإيرانية 23 فبراير 2009).
وفي اليوم التالي حضر منوجهر متكي وزير الخارجية الإيراني في البرلمان للرد على أسئلة النواب في لجنة الأمن الوطني.. حيث ادلى laquo;بايضاحاتraquo; إلى اللجنة. (وكالة انباء ايسنا الايراني 23فبراير 2009)
واعلن التلفزيون الرسمي الحكومي الإيراني في اليوم نفسهlaquo;ان لاريجاني رئيس مجلس الشورى الاسلامي اعتبر أن اليقظة ودقة عمل البلدان الجارة لكل من إيران والبحرين هي الضامن لازالة دسائس الحاقدينraquo; (تلفزيون شبكة خبر23 فبراير 2009)
ومع استمرار المواقف المؤيدة للبحرين في البلدان العربية ووقوها اكثر فاكثر إلى جانبها واعلان المسألة في وسائل الاعلام ونشر المقالات والتفاسير الحادة ضد إيران ادركت السلطات هناك تدريجيًا انه عليها أن تتدخل في الموضوع علنا وان تقوم بترتيش الأمر بشكل من الاشكال. ومن هنا نشاهد مواقف laquo;انسحابيةraquo; اكثر من جانب ملالي طهران.. حيث تم الاعلان عن زيارة صادق محصولي وزير الداخلية الإيراني إلى البحرين laquo; للقاء مع نظيره البحرينيraquo; (وكالة انباء فارس الإيرانية 23 فبراير 2009). ورغم انه لم يكن هناك حديث حول التصرحيات التوسعية أو نفيها أو الاعتذار عنها الا أن الجميع قد أدركوا أن النظام الإيراني في موقف حرج وقد تراجع.. وبثت وكالة الصحافة الفرنسية في نفس اليوم خبرًا قالت فيه: laquo; وزير داخلية إيران صادق محصولي يتوجّه إلى البحرين يوم الإثنين في محاولة لتعطيل النزاع الذي هدّد العلاقات بين الجارين الخليجيينraquo; (أ ف ب 23 فبراير2009).
هنا رأي الملالي أن اتخاذ المواقف والهجمات على مسؤولي النظام مستمرة وعلى مستوى قادة الدول العربية من اليمن والسعودية والكويت والامارات حتى العراق ومصر والمغرب والجزائر واذا ما لم يفكر النظام في طريقًا للهرب والخروج من الأزمة فأن الازمة مرشحة للاتساع إلى خارج البلدان العربية ولم يجد النظام مفرًا من ذلك فتدخل خامنئي الذي اعتبر الموقف بـ laquo;الخطيرraquo;، وأمر أحمدي نجاد أن يظهر ويرسل رسالة إلى ملك البحرين يؤكد فيها laquo;اننا نرفض أن يحدث أي مساس بعلاقات المنامة وطهرانraquo;.
ومن الطريف ان النظام تخلى عن المصطلحات التي كانت قد استعملها وتحول laquo;أمير البحرينraquo; إلى laquo;سلطان البحرينraquo; ثم laquo;ملك البحرينraquo; وlaquo;المحافظة الرابعة عشرة لإيرانraquo; تحولت إلى laquo;امارة البحرينraquo; ثم laquo;دولة البحرينraquo; ومن ثم laquo;البحرين الشقيقة والصديقةraquo;!!.
ان في تجربة البحرين لدروس غنية لنا.. وهذه هي عادة النظام الإيراني.. وهو التابع المطلق لتوازن القوي ورسن هذا النظام بيد التوازن القوى في الميدان. وجرب هذا النظام طوال الـ30 عامًا الماضية.. وقام بتقييم أولي من موقف في الميدان ثم هاجم واختبر فإذا خاف الطرف الآخر وقام بالانسحاب، قام هو بالزحف مرة أخرى.. فاذا ما رأى ان الطرف الآخر واقف بصمود يقف في مكانه..اما في حال هجوم الطرف الاخر عليه مثل ما حدث في قضية البحرين فما ترونه الا منسحبا وفي هذه الحالة بشكل خاص عندما رأى بأن كل البلدان العربية وحتى العراق الجريح قد وقفوا جميعا إلي جانب البحرين لم يكن له مخرجا الا هربا حتى ارسل نجاد إلي الساحة ليقوم بالاعتذار بشكل ما.. وهنا ندرك أن الطريق الوحيد أمام هذا النظام وسياساته التوسعية هو الحزم ولاغير.. وهذه هي تجربة المعارضة الإيرانية اعني هنا المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق الإيرانية طوال الاعوام الـ 30 الماضية وتذكر هذه التجربة دائما لكل الاطراف.. وكان الثمن الذي دفعته هذه المعارضة للوقوف بالحزم أمام هذا النظام كبيرة وكثيرة جدًا وهذا ما يثمن موقفها ويثريه ويجعلنا نثمن موقفها ويعزز وقوفنا إلى جانبها.
واذا ما اردنا الوقوف بوجه هذا النظام وسياساته التوسعية السافرة واجباره على التراجع فما علينا الا أن نبدي حزم شديد أمامه واقتراح الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية العربية السعودية يأتي في هذا الاطار حيث يدعو الى بناء رؤية موحدة ومشتركة ازاء القضايا ذات المساس المباشر بالامن العربي وlaquo;التعامل مع التحدي الايراني سواء في ما يتعلق بالملف النووي او امن منطقة الخليج او اقحام اطراف خارجية في الشؤون العربية سواء في العراق او فلسطين او في الساحة اللبنانيةraquo;. فمن الآن يتدخل في العراق ولبنان وفلسطين؟ حيث اصبح الامن القومي العربي الآن مهددا من قبل إيران ولا غيرها.. وقد دعى سمو الامير لتوفير laquo;رؤية موحدة ومشتركةraquo; واستراتيجية مشتركة من قبل البلدان العربية أمام التهديد الرئيسي لهذه المنطقة أي إيران. حتي يكون لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي مستقبل افضل ومسالم ومنزوعة من الارهاب والتطرف. وفي هذا الاطار علينا القول ان تجربة السنوات الطويلة الماضية تقول أن المعارضة الديمقراطية الإيرانية معنا وإلى جانبنا في استقرار السلام في المنطقة والنضال ضد الارهاب والتطرف الذي يرعاه النظام الإيراني والذي يرى حياته في تصدير ازماته الداخلية إلى الخارج وفي تصدير ما يسميه بـlaquo; الثورةraquo; إلي البلدان المجاورة.
محمد علي يوسف
باحث وكاتب
[email protected]
التعليقات