منذ 25 آب الماضي والإضراب عن الطعام الذي أعلنه سجناء سياسيّون أكراد في السجون الإيرانيّة، لا زال متسمرَّاً. ونظراً لاستحالة معرفة عدد المضربين الطعام، نتيجة حالة التعتيم والتكتُّم الإيرانيَّة الشديدة، إلا أن ما رشح من أنباء، ونشرته وكالة quot;فرات نيوزquot;الكردية تشير إلى إن الإضراب شمل 12 سجناً إيرانيَّاً، وإن المضربين هم المتعقلون على خلفيَّة نشاطهم السياسي في حزب الحياة الحرَّة الكردستاني PJAK، وحزب العمال الكردستاني PKK. وبحسب وكالة quot;فرات نيوزquot;، فإن عدد المعتقلين السياسيين الكرد عن هذين الحزبين في السجون الإيرانيَّة يتجاوز 400 معتقل. واستغربت الوكالة صمت الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقيَّة الدوليَّة إزاء الإضراب، ووصول حالة بعض المضربين لحافَّة الموت، quot;رغم أن العديد من المنظمات الحقوقيَّة الكرديّة الإيرانيَّة لفتت الانتباه إليهquot;. وأشارت الوكالة الكرديَّة إلى أن هذا الإضراب quot;هو الأول من نوعيه في السجون الإيرانيَّة، منذ الثورة الإسلاميَّة وحتى الآن. ويعيد إلى الأذهان، حملات الإضراب عن الطعام حتى الموت، التي أعلنها أربع من قيادات العمال الكردستاني في سجن دياربكر في 14 تموز/ يوليو 1982، تنديداً بحالات التعذيب الرهيبة التي كانت لسان حال السجون التركيَّة، بعد انقلاب 12 أيلول 1980. وانضمَّ إلى ذلك الإضراب مئات المعتقلين، وأدَّى إلى فقدان القياديين الكرد الأربع (كمال بير، خيري دورموش، عاكف يلماز، علي تشيتشاك) لحياتهم، نتيجة الإضرابquot;، ودائماً، بحسب quot;فرات نيوزquot;.

وكانت صحيفة quot;آزاديا ولاتquot; الكرديّة، سبق وأن لفتت الانتباه إلى هذا الإضراب، وذكرت؛ ان مطالب المضربين تتركَّز حول: 1- الاعتراف بهويتهم السياسيَّة. 2- وقف عمليات التعذيب الوحشي ضدهم. 3- تحسين ظروف سجونهم، وإزالة التمييز بينهم والمعتقلين العدليين. 4- السماح للمنظمات الحقوقيَّة المحليَّة والدوليَّة لتفقُّد ومتابعة السجون الإيرانيَّة. 5- إجراء إصلاحات في القوانين التي تُدار بموجبها محاكم الثورة الإسلاميَّة، بما ينسجم ورح العصر والضمير العالمي. 6- إزالة حكم الإعدام من قانون العقوبات الإيراني.
وسجون المدن التي شملها الإضراب هي: أورمية، سننداج، ماكو، ساقاز، مريوان، مهاباد، إيلام، كرمانشاه، تبريز، شيراز، وسجني العاصمة طهران: أفين وكاريج.

وأفادت بعض المصادر، أن المحاكم الإيرانيّة قد أصدرت حكم الإعدام بحقّ أحد المضرين عن الطعام، وهو المعتقل السياسي عن حزب الحياة الكردستاني في سجن ماكو، رستم أركيا. وبموجبه، يصل عدد المعتقلين السياسيين الكرد المحكومين بالإعدام، لعشر أشخاص. وصرَّح مسؤولوا السجن المذكور، أنهم سينفِّذون حكم الإعدام بحقّ أركيا (المضرب عن الطعام منذ 15 آب الماضي وحتى الآن)، في الأيام القادمة. والمعتقلون الكرد الصادر بحقِّهم أحكام الإعدام هم الصحفيان: عدنان حسن بور، وعبدالوهاب هيوا بوتيمار، وستة من معلمي المدارس في المدن الكرديَّة الإيرانيَّة، وهم: فرزاد كمانغير، أنور حسين بناهي، فرهاد وكيلي، علي حيدريان، أرسلان وليايي، حبيب الله لطيفي، والطالب الجامعي عمر معروفي، والسجين السياسي رستم أركيا. وكلَّهم متعقلون على خليفة الاتهام بعضويّة حزب PJAK الكردستاني.

واللافت أنه منذ بداية هذا العام، وإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام قد ازدادت في إيران. وأبواب السجون الإيرانيَّة، لا زالت موصدة في وجه المنظمات الحقوقيّة. في حين أن الأنباء الشحيحة عن حالات التعذيب الرهيبة في هذه السجون، تشير إلى أنها صارت طقساً روتينيَّاً فيها. ويذكر محمد جواد مظفر، عضو جمعيَّة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في إيران، في هذا السياق: quot;على الرغم من أن السلطات الإيرانيَّة تعتقل الأكراد على خليفة مواقفهم وآراءهم وانتقاداتهم السياسيَّة للنظام، إلاّ أنها لا يتعرف بالهويَّة السياسيَّة للمعتقلينquot;. وجاء ذلك أثناء مؤتمر صحفي عقده جواد مظفر في طهران، كاشفاً التقرير السنوي لجمعيته حيال أوضاع السجون والمعتقلات الإيرانيَّة. حيث أشار التقرير إلى عدم وضوح الأرقام الدقيقة للمعتقلين السياسيين في السجون الإيرانية. إلى جانب، quot;عدم القدرة على معرفة حقيقة ما يجري في هذه السجون، نتيجة حالة التكتُّم والتعتيم على أوضاع السجون والسجناء، التي تمارسها السلطات الإيرانيَّةquot;. وأضاف جواد مظفر، إن النظام الإيراني، quot;يتعاطى بأزدواجيَّة مع المعتقلين، إذ تسمح بحقّ الخروج لباحة السجن للمعتقلين العدليين المتهمين بارتكاب الجنايات والتعاطي والاتجار بالمخدَّرات، وتمنع ذلك على السجاء السياسيين. المعتقلون العدليون، لهم حريَّة الاتصال بالخارج، في حين تمنع السلطات، المعتقلين السياسيين من ذلكquot;. كما ذكر المحامي والناشط الحقوقي فاريده غايرات: quot;إن الدولة ترفض التعامل مع جمعيتنا. وتمنع علينا زيارة السجون. كما قام النظام باعتقال رئيس جمعيتنا عمادالدين باغي، بتهمة إلحاق الضرر بالأمن القومي الإيرانيquot;. هذا، وقد كان باغي قد اعتقل في السابع من شهر اكتوبر الماضي، وحُكم عليه بالسجن لمدَّة سنة، وأطلق صراحه في بداية شهر أيلول الجاري، لأسباب صحيَّة، قبل انتهاء مدَّة حكمه بشهر. والجدير بالذكر أن رئيس جمعيَّة الدفاع عن السجناء السياسيين في إيران، عمادالدين باغي سيحاكم مرَّة أخرى، بتهم تتعلَّق بنشاط جمعيته.

ومن المستبعد أن يسفر الإضراب الذي أعلنه السياسيون الكرد في السجون الإيرانيّة، وسط التعتيم والتكتُّم الإيراني الشديد، ووسط التجاهل الحقوقي والإعلامي الدولي حيال هذا الإضراب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وحالات التعذيب الوحشيَّة في السجون والمعتقلات الإيرانيّة، بشكل عام. لكن، يبقى هذا الإضراب سابقة سياسيَّة في السجون الإيرانيَّة، قد يليه إضرابات أخرى أكثر اتساعاً واهتماماً، يزيد من منسوب الضغوط الداخليَّة والخارجيَّة على النظام الإيراني، بغية دفعه إلى إجراء إصلاحات جذرية من شأنها تبييض سجل إيران في مجال حقوق الإنسان والحريَّات العامَّة. ومن يدري، ربما شرارة الرفض الجماهيري لسلوك النظام الإيراني القمعي، تبدأ من السجون الإيرانيَّة، مثلما بدأت شرارة الثورة الإسلاميّة من الجامعات.

هوشنك أوسي
[email protected]