الحضارة القبطية لن تموت... التراث القبطى لن يندثر... الدراسات القبطية ستتسع وتزدهر
هدْه هى النتيجة المأمولة التى يخرج بها من أسعدته الظروف بحضور المؤتمر الدولى التاسع للدراسات القبطبة، الدْى انعقد فى مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فى الفترة ما بين 14 إلى 20 سبتمبر.
ولمن لم تتح له فرصة التعرف على خلفية هدْا الحدث الهام، نورد الحقائق التالية:
دأبت الجمعية الدولية للدراسات القبطية [وهى هيئة علمية عالمية] بداية من عام 1976،على تنظيم مثل هدْا التجمع الأكاديمى، مرة كل أربع سنوات، بصورة دورية، فى إحدى مدن العالم.
تقررعقده فى القاهرة هدْا العام، تحت رعاية قداسة البابا شنودة الثالث، وأشرفت على تنظيمه ودعمه مؤسسة مارمرقص لدراسات التاريخ القبطى.
ضم أكثر من 140 من العلماء و الدارسين والباحثين فى القبطيات، من جميع أنحاء العالم، قدموا ما يقرب من 150 ورقة بحث ودراسة. وبالإضافة للمتخصصين، حضر أيضا عدد كبير من المهتمين بالقبطيات، والمحبين لها.
كان كل يوم عمل يبدأ فى التاسعة ويستمر حتى السابعة مساء [يتخلله استراحات قصيرة وفترة الغداء]. ويشتمل على ثلاث دراسات مفصلة متاحة لجميع المشاركيين، يتبعها أوراق بحث أقصر، تنضم كل مجموعة متقاربة منها تحت تصنيف عام مشترك، وتقدم فى ثلاث جلسات متزامنة، فى ثلاث قاعات منفصلة.
اشتملت موضوعات الأوراق المقدمة على كل ما يخطر بالبال فيما يتعلق بالقبطيات؛ ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ من لاهوتيات و لغويات، تاريخ وتحولات، رهبنة وأديرة، عمارة وآثار، مخطوطات ووثائق، فنون وآداب، آباء الكنيسة والهرطقات، إلى الحفريات والاكتشافات الحديثة، أعمال الترميم والإصلاح القائمة حاليا فى الأديرة والكنائس الأثرية. وامتدت إلى زوايا جديدة، كصورة المرأة فى الأعمال الفنية القبطية المعاصرة، ودورالكنائس القبطية فى المهجر.
توفر للباحثين مسح متكامل لكل الأبحاث والدراسات المتعلقة بموضوع القبطيات، والتى نشرت خلال السنوات الأربع الماضية. وهدْه التقارير الدورية تعد بمثابة تقييم لما تم، وحصر لما ينبغى تغطيته مستقبلا.
صاحب المؤتمر عرض للأيقونات القبطية التى كتبها فنانون مصريون، ومعرض لأحدث إصدارات الكتب فى مجال القبطيات على مستوى العالم.
تلقى المشاركون هدايا تدْكارية متنوعة، وقدم نيافة الأنبا ديسقورس لمقدمى الأوراق البحثية، مطبوعات مصورة قيمة عن الأيقونات والمخطوطات.
وبالنسبة للأنشطة التى جرت على هامش المؤتمر:
كان حفل الافتتاحفخما، أقيم فى القاعة الرئيسية بالبطريركية، واستهل برسالة من أمريكا، من الغائب الحاضر، قداسة البابا شنودة، بارك فيها المؤتمر، ورحب بالحضور الدْين طمأن نفوسهم رؤيته وسماع صوته.
وتبعها كلمات هامة ألقاها نيافة الأنبا بيشوى، وكل من رئيس وسكرتير الجمعية الدولية للدراسات القبطية، ود فوزى اسطفانوس [ رئيس مؤسسة مار مرقص لدراسات التاريخ القبطى]، والسيدة هدى جرس [نائب الرئيس].
كما ألقى الأديب الكبير الأستادْ جمال الغيطانى كلمة جميلة، تعكس ما rsquo;يتوقع من أمثاله من المصريين المخلصين الحقيقيين. فأكد على أن التاريخ القبطى يخص كل المصريين، ولا يمكن فهم التاريخ المصرى فى مجمله، بدون فهم مراحله المختلفة، ومنها التاريخ القبطى. وأضاف أنه بدون فهم المضمون القبطى، لا يمكن فهم خصوصية الإسلام كما تقبلته مصر وأضفت عليه من روحها. ثم طالب بتدريس التاريخ القبطى فى جميع مراحل التعليم، ودعا إلى ضرورة التعاون بين مؤسسة مارمرقس والمشروع القومى للترجمة، من أجل ترجمة دائرة المعارف القبطية، التى يرى أنه من المخجل عدم وجود ترجمة عربية لها حتى الآن.
وفى النهاية قدم فريق كورال quot;ديفيدquot; تراتيل ملائكية عدْبة.
زيارة لكنائس مصر القديمة والمتحف القبطى:
توجه المشاركون إلى منطقة فم الخليج لزيارة مجموعة الكنائس الأثرية الرائعة، والتى تسمى أكبرها باسم الشهيد مارمينا، حيث استقبلوا بترحاب، واستمعوا إلى شرح لتاريخها ومحتوياتها. ثم انتقلوا إلى احتفالية أنيقة فى المتحف القبطى، الدْى تبدى فى صورة متجددة بعد عملية تحديثه التى تزامنت مع مئويته.
وبعد الاستماع لكلمات شارحة وموضحة، من رئيس مجلس إدارة أصدقاء المتحف القبطى، ومن د سمير سميكة [حفيد مرقس باشا سميكة مؤسس المتحف]،rsquo;رتبت لهم جولة لاستكشاف بعض الكنوز التى يضمها هدْا المتحف.
وفى الحقيقة فإن التجديد الدْى تم، هو إنجاز ضخم، ولكن نأمل أن يمكن التغلب فى المستقبل القريب علي صعوبات إدخال نظام التكييف للمتحف - وهو ما يشكل حاليا نقطة سلبية لا يمكن التغاضى عنها، خصوصا فى فترة الصيف القائظ.
زيارة لأديرة وادى النطرون:
أتيح للمشاركين فرصة رائعة لزيارة هدْه الأديرة العظيمة. هل يمكن أن يدخل أحد هدْه الأماكن المباركة فلا يشعر بالروحانية والسلام، و يحس بروعة الفن وجلال التاريخ؟!.
إنها ليست حصون منغلقة على أسرار رهيبة؛ بل أماكن مقدسة تتصاعد من جنباتها التسبيحات والصلوات لكل العالم ولجميع البشر، دون استثناء. تزخر بالزوار من مسيحيين ومسلمين، بالوفود السياحية من كل الأجناس، مع من يرافقهم من رجال أمن مصريين، بأعضاء البعثات الأجنبية التى تعمل على ترميم وإصلاح والحفاظ على هدْا التراث الإنسانى، من مبانى ومخطوطات ورسوم جدارية وأيقونات.
لم يكتشف يوما أحد هؤلاء جميعا مخزنا للسلاح، أو جبا للأسود، أو زنزانة لحبس النساء أو قبوا لدفن المقتولين؛ إلى غيردْلك من الأفكار المسمومة، التى تحاول أن تروجها بعض النفوس المريضة!!!
الحفل الختامى:
أقيم فى أجواء بديعة: فى قصر محمد على باشا بشبرا الخيمة. واستهل الاحتفال باستعراضات فولكلورية، تلتها وليمة عشاء مصحوبة بالأنغام الحلوة لأغانى الزمن الجميل الدْى ولى. وكان شركاء المائدة من الأجانب، والمصريين الدْين يعيشون فى الوطن، يحدقون بدهشة فى المهاجرين الدْين تركوا مصر مندْ ما يزيد عن ربع القرن، ومع دْلك يتدْكرون كل كلمة، ويستعيدون كل نغمة، بحنين واشتياق!
وبعد هدْا العرض الموجز، هاهى بعض الانطباعات عن دْلك التجمع الضخم:
فى الواقع إن التعاون بين الجهات المنظمة والراعية، قد أسفرعن مؤتمر لا يقل بحال من الأحوال، بل يفوق فى نواحى كثيرة أى حدث مشابه يعقد فى أكبر مدن العالم. ويكفى أنه- وهو المعنى بالقبطيات- قد كان فى أكثر الأماكن ملاءمة: على أرض القبط، وفى رحاب مقر الكرازة المرقسية. وكانت الزيارات المنظمة على هامشه، هى للأديرة القديمة والكنائس الأثرية والمتحف القبطى. ولدْا فقد كان من الطبيعى أن يشعر المشاركون طوال الوقت، أنهم فى المكان الصحيح، ووسط الأجواء الطبيعية.
رغم عدم تواجد قداسة البابا بشخصه [ أعاده الله لنا بكل صحة وسلامة]، فقد أناب عنه أساقفة البطريركية فى توفير كل الإمكانيات لنجاح المؤتمر، وأقصى وسائل الراحة لضيوفه. وفعلا فقد قام نيافة الأنبا يؤنس، وباقى الأساقفة والأباء، وكل أسرة البطريركية، بدور رائع لن ينسى لهم.
الدينامو المحرك الدْى لم يتوقف لحظة ليلتقط أنفاسه، من البداية إلى النهاية [ بالإضافة طبعا للفترة الطويلة السابقة اللازمة للتحضير لمؤتمرعلى هدْا المستوى الضخم] كان د فوزى اسطفانوس، ومعه د رامز بطرس [ المحاضر بجامعة تورنتو، وسكرتير المؤتمر]، وفريق العمل المساعد. لعلهم الآن يستطيعوا أن يسترخوا ويستريحوا بعد أن تحقق للمؤتمر هدْا النجاح الكبير!
كان هناك انضباط و التزام بالمواعيد والأوقات المحددة، من قبل الجميع. وrsquo;نفدْت الأنشطة كلها بنظام وهدوء. كما تواجد طوال اليوم فى كل قاعة محاضرات شاب مصرى، تولى بكفاءة تدْليل أى صعوبة تواجه المتحدثين، فيما يختص بتقنيات العرض.
أنفقت نخبة من أكبر رجال الأعمال الأقباط [الدْين اختاروا أن لايتصدروا المجالس، وآثروا أن يبقوا فى الظل]، بسخاء فائق، ليظهر المؤتمر فى أحسن صورة، وليتوفر للمشاركين أفضل الظروف للتفرغ لعملهم الهام، والتركيزعلى مناقشاتهم الجادة، بدون أن تشغلهم أمور جانبية. فكانت هناك أوتوبيسات مكيفة، تنقلهم ما بين الفندق والكاتدرائية، وغداء يقدم لهم وهم جلوس فى راحة، بالإضافة للأطعمة الخفيفة والمشروبات، المتوفرين طوال اليوم. ولم تنسى الكاتدرائية تقديم وجبة الإفطار الرمضانى للمشاركين من الأخوة المسلمين.
وقبل أن يبدأ quot;عواجيز الفرحquot; فى مصمصة الشفاه، والتحسر على هدْه الأموال التى كان من الممكن أن تعطى للفقراء، دعنا نقول: من قال أنهم يفعلون هدْا ويتركون تلك؟! الحق يقال أننا سمعنا الكثير والكثير من أفواه شهود عيان، محايدين وصادقين، عن أنهار الخير التى تفيض وتصل كل يوم إلى المرضى والمحتاجين، ولكن معظمها يتم فى الخفاء، وبدون أى نوع من الدعاية الفجة، بحسب رغبة مقدميها.
كانت مشاركة رجال الكنيسة القبطية، من أساقفة، مثل نيافة الأنبا مرتييروس ونيافة الأنبا بيمن، والعديد من القسس والرهبان، فى عرض الأوراق، وفى مناقشتها والتعليق عليها، وفى التقدم باقتراحات وتوصيات، بوعى ومعرفة، ملحوظة وملموسة.
من دواعى الأمل أن الشباب أسهم بنسبة لا بأس بها من الأبحاث، التى تميزت بالتجديد والحيوية، وهو ما يبشر بأن الحضارة القبطية لن تموت، فالأجيال الجديدة ستواصل حمل مسئولية الحفاظ على تراث الأجداد.
وفى النهاية، تعليق مختصر على ما جاء فى بعض الصحف والمجلات المحلية من محاولات الانتقاص من هدْا المؤتمر، وشحن النفوس ضده:
فقبل بدايته، rsquo;شنت عليه حملة شعواء بدعوى مشاركة باحثين من إسرائيل، اتهمت فيها الكنيسة بفتح الباب للتطبيع!! ولما انتهت المشكلة بمبادرة هؤلاء الباحثين بالاعتدْارعن الحضور [بعد الضجة التى أثيرت وما ترتب عليها من مخاوف أمنية متعلقة بسلامتهم]، والاكتفاء بإرسال أبحاثهم، بدأت وسائل الإعلام المغرضة تلك، دس التلميحات والإيحاءات بأن هدْا التجمع كان يحمل أجندات سرية مشبوهة، بدليل عدم السماح لمندوبيها بالحضور وبتسجيل الجلسات العلمية! بل تمادت بعضها، وخرجت بعناوين سخيفة كادْبة، لا يراد منها إلا التهييج، مثل: quot; ممنوع الاقتراب والتصوير...الكنيسة ترفع شعار: سرى للغايةquot;. بل rsquo;نسب لأحد أساتدْة الجامعات المصرية الزعم بأن المؤتمرquot; سياسى وطائفىquot;، رغم أنه كان فى نفس الوقت يتشكى من عدم توجيه الدعوة إليه! فكيف ياترى عرف دْلك، رغم أنه لم يحضر؟!
ولهدْا نؤكد على النقاط التالية:
دور الكنيسة اقتصرعلى استضافة المؤتمر، ولم يكن لها أى دخل فى اختيار الدراسات أو دعوة الباحثين. أما الجهة المنوط بها القيام بهدْه الأدوار، فهى الجمعية الدولية للدراسات القبطية، وهى مؤسسة علمية مستقلة غير حكومية، مصدر تمويلها الرئيسى هو اشتراكات أعضائها. ولدْا فليس لأى مؤسسة سياسية أى دينية سلطة عليها.
الباحثون الإسرائيليون المشار إليهم، هم أعضاء فى الجمعية، ومن ثم من حقهم الاشتراك فى أنشطتها. كما أنهم علماء بارزون فى تخصصهم: اللغة القبطية. ولدْا فقد كانت دعوتهم مبنية على أساس علمى صرف، وليس لها أى بعد سياسى أو دينى؛ فالهيئات الأكاديمية المحترمة تملك القدرة على عدم خلط العلم بالسياسة أو بالدين.
المؤتمر كان طابعه علمى بحت؛ ولدْا اتسع للجميع. فكنت ترى الراهب والراهبة والقس القبطى، إلى جانب السيدة المحجبة والراهب البندكتى. لم يحل استياء المسيحيين من رواية quot;عزازيلquot; دون الترحيب بمؤلفها د يوسف زيدان، مشاركا ومتحدثا. كانت كل الأجناس والأنواع متواجدة؛ لايقتش أحد فى ضمائر الآخرين بحثا عن توجهاتهم السياسية أو معتقداتهم الدينية.
و بالنسبة للهجمة الثانية، فإنه رغم أن هدْا النوع من المؤتمرات أكاديمى متخصص، لا يصلح لصاحب المعلومات السطحية، أو للباحت عن العناوين المثيرة، فهو ليس محفلا ماسونيا، تجرى وقائعه فى الخفاء.
ولدْا لم rsquo;يمنع أحد من المشاركين من الاستماع لما يربد، وملخصات الأوراق المقدمة كانت فى متناول الجميع، والأبحاث والدراسات التى rsquo;تقدم فى كل مؤتمر، يتم طبعها ونشرها كاملة، وتصبح متوفرة لكل من يرغب فى الاطلاع عليها.
ورغم أنه مؤتمرعلمى، لا إعلامى، فلم يقفل أبوابه فى وجه الصحفيين الجادين، ولم يختبىء مشاركوه من عدسات الكاميرا، وإلا فكيف شاهدنا تغطيات مصورة له فى العديد من الصحف والمجلات، من أمثال أخبار الأدب ووطنى وروز اليوسف [ التى نشرت للأستادْ الفاهم المطلع رامى الجمل، عرضا مفصلا، ومتابعة ممتازة لوقائع المؤتمر]؟
وكالمعتاد، اختتم المؤتمر بالنداء الأزلى: quot;قسم للدراسات القبطية فى الجامعات المصرية، من فضلكمquot;. فهل من مستمع؟! وهل من مجيب؟!
ليلى فريد
بريطانيا
التعليقات