كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن سيناريو أنقلاب عسكري يُحضر له في العراق، وقد ورد ذلك في تصريحات لبعض السياسيين العراقيين وليس بعيدآ بان هذه المعلومات قام بتسريبها الجانب الأمريكي للضغط على حكومة السيد المالكي من أجل الأسراع في التوقيع على الأتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، أو لعدم الثقة أصلآ به وبحكومته سيما وأن الولايات المتحدة وأسرائيل يعدان العدة لتوجيه ضربة عسكرية لأيران،ومن خلال نظرة موضوعية على الأحداث التي يشهدها العراق من فوضى وعنف، وفساد، وأستهتار بكل مفاهيم الدولة وقوانينها، وعملية سياسية فاشلة كسيحة أستٌلهمت أعتباطآ وبدون ادنى دراية وخبرة من تجارب دول مستقرة أمنيآ وماديآ ولها باع طويل في أبتكار طرق أدارة حديثة لتٌطبق تجاربهم في العراق فجأة وبدون أي تمهيد، وأحزاب عنصرية وطائفية قسمت المجتمع الى طوئف وأعراق، وانعدام خدمات لا تجد شبيهآ له إلا في اشد الدول فقرآ في العالم مع تناقض غير طبيعي بين وفرة المال وإنعدام الخدمات وهو ان العراق اقتربت ميزانيته من الثمانين مليار دولار، وقطعآ هي ميزانية ضخمة تساوي مجموع ميزانيات عدد من الأقطار العربية، ومن المفارقات الغريبة العجيبة الأخرى في هذا العراق المبتلى هي ظهور الأمراض السارية والمعدية المنقرضة والتي تخلص منها العالم في خمسينات وستينات القرن الماضي طفت على السطح العراقي بقوة وأخذت تفتك بالعراقيين وكأن الحروب لم تؤدي الغرض المطلوب أو عجزت عن الأبادة المطلقة، من كل ما تقدم لا نجد ضيرآ من حدوث أنقلاب عسكري يطيح بكل هذه الأمراض ويصحح الأوضاع المتناقضة، فالعراقيون سئموا من هذه الأوضاع الشاذة وهم ينتظرون التغيير حتى وأن كان على يد عسكر ولايفهم من هذا الكلام التحريض ضد شخص المالكي الذي يسجل له بأنه انتشل العراق من براثن الحرب الأهلية، ولا تناغم مع المحتل ان كان هو الذي سرب مثل هكذا معلومات، بل أن العميلة السياسية برمتها تعاني من قصور واضح لا يمكن أصلاحه إلا بالتغيير.


فتجربة اللامركزية وهي نظام حكم معمول به في عدد من الدول المتقدمة فشلت في العراق فشلآ ذريعآ لأنها ببساطة لم تستند على أسس راسخة تطورت عبر الزمن وتطبع عليها الناس في تلك الدول، اما في العراق الخارج من حربين مدمرتين وحصار ظالم والخاضع الآن لأحتلال شرس فلا يمكن نسخ التجربة (الأسكندنافية) مثلآ وتطبيقها في العراق مباشرة وبدون أي برامج توعوية وتثقيفية، فالمحافظات العراقية الآن أصبحت شبيهة بالدول تتنازع فيما بينها على الحدود والمياه وكل محافظة لها جيش خاص بها من ابناء المحافظة فقط إلا بعض الأستثناءات وما الى ذلك من مساوئ لا تعد ولا تحصى، وخير دليل التوتر الذي حصل بين محافظة الأنبار ومحافظة كربلاء والمشاكل الحدودية بين محافظة ذي قار والمثنى لن تنتهي،أما نظام الأقاليم المشوه فهو الخطر الحقيقي الذي يتهدد العراق ومثاله الصارخ أقليم كردستان الذي تكوٌن في غفلة من الزمن مستغلآ ظروف العراق وبدأ يتمدد طولآ وعرضآ وأصبح أخطبوطآ يضرب في كل الأتجاهات ويقضم المدن العراقية الواحدة بعد الأخرى ويُروج لمصطلح المناطق المتنازع عليها بحجة أن بعض سكانها من الكرد، وقادة هذا الأقليم يٌصورون الأمور في العراق للشعب الكردي على أنها غنائم حرب يجب أن تنهب، وأن هذه هي فرصتهم لأنتزاع ما يمكن أنتزاعه من أراضي وخاصة مدينة كركوك.


العراق بحاجة ماسة الآن أكثر من أي وقت مضى الى سوار ذهب جديد يعيد الأمور الى نصابها ويؤسس لديمقراطية حقيقية غير فوضوية، تبدأ بحكم طوارئ لمدة عام أو عامين حتى يستتب الأمن ويقضى على الفساد والمفسدين وتجار الموت، بعدها يصارالى أجراء أنتخابات عامة وتعديل الدستور والذي يجب أن يتضمن فقرة تمنع أي حزب ذو صبغة طائفية أو عرقية من العمل، لكن الفارق بين سوار الذهب الحلم المنتظر في العراق أنه سوف يواجه مشكلة لم يواجهها عبد الرحمن سوار الذهب السوداني، فالسوداني أزاح دكتاتورآ واحدآ هو جعفر نميري، أما العراقي المنتظر فعليه أزاحة مجموعة من (القادة) الدكتاتوريين الذين يرفعون شعارات الديمقراطية زورآ،أنها مهمة صعبة لكنها ليست بالمستحيلة.


حيدر مفتن جارالله الساعدي
[email protected]