صدرت في أيام فتويان من أعلى مرجعين دينيين هما صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية وآية الله السيد علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى في العراق حيث اباح الاول قتل مدراء الفضائيات الذين وصفهم بالمفسدين الذين يعمدون إلى نشر الإفساد وحرم الثاني المسلسلات الاجنبية المدبلجة معتبرا انها غزو ثقافي غربي كافر.
ان التهديد بالقتل او منع الناس بقوة التحريم من متابعة ماتبثه الاف القنوات الفضائية سواء كانت عربية او اجنبية ليس هو الحل لوقف هذا التدفق الفضائي الذي يقتحم المنازل من دون استئذان ليكون واحدا من اهم افراد العائلة المؤثرين في توجهاتها.
ان المشكلة ليست في هذه القنوات بقدر ماهي مشكلة اللجوء الى الحلول الاسرع والاسهل لقضايا مهمة وخطيرة.. حلول قد تولد نتائج اخطر. فالتحريض على القتل او التحريم بالقوة يشكل احدى ظواهر فشل الفكر الديني المتزمت الذي يبشر به رجال الدين العاجزون عن مواكبة التطورات العلمية الحاصلة في العالم وادواتها في زمن تحطم الحدود واختفائها لصالح العولمة التي يشكل ما يتدفق من فضاءاتها اخطر مظاهرها.
فمع الاعتبار لدوافع الفتوتين الا انهما تؤكدان عجزا عن القدرة على المواجهة الفكرية لهذا الغزو المضر في كثير من جوانبه بمجتمعاتنا العربية نظرا لما يحمله من مفاهيم غريبة عليها ومؤذية لها. فالكثير من رجال الدين غير قادرين على الانفتاح على مجتمعاتهم ومتطلباتها وخاصة حاجات الاجيال الجديدة منها.. فهم يضعون القيود تلو الاخرى على تطلعاتها وتوجهاتها بشكل يدفع الكثير من شبابها الى رفض هذه القيود والسعي لتحطيمها ومواجهتها بالنقيض المنفلت من خلال ردود افعال معاكسة تفرز نتائج مضادة اكثر خطورة وتقود الى الانحراف أحيانا.
فالمطلوب ليس التهديد وتوسيع دائرة القتل الذي ان تفجرت دمائه فلن يستطيع احد إيقاف تدفقها في زمن تسود فيه الكثير من مجتمعاتنا أفكار ظلامية متخلفة.. وإنما الانفتاح والتفاعل وكسب ثقة الشباب واقناعهم ذاتيا بما هو الاصلح والافيد لهم من خلال تناغم ايجابي مع متطلباتهم وحيث تشكل الفضائيات احدى ادوات تلبية هذه المتطلبات.
فاقتحام رجال الدين عوالم البث الفضائي من خلال تشجيع الاعمال الهادفة والبناءة هو احد الوسائل التي يجب ان يلتفتوا اليها ويساهمون في ظهورها وتشجيعها وانتشارها من اجل زرع مفاهيم بناءة في نفوس الناس تجعلهم يتقاطعون ذاتيا مع متابعة كل مايساعد على افسادهم ويخرب عقولهم وبذلك نكون قد اصبنا تلك القنوات بموت بطيء وزرعنا بالمقابل جذور فكر واع وبناء. وبعكس ذلك فأن تلك الفتاوى ستظل.. حبرا على ورق.
د. أسامة مهدي
نشرت في ديجيتال إيلاف (الخميس 18 أيلول / سبتمبر 2008)
التعليقات