دائما يعرف التاريخ بانه سجل الماضي وعبقه واصل الحاضر او مصدره وهو كمايصف ابن خلدون في مقدمته (فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية) لانهيعرض اخبارا مفيدة واحداثا مثيرة نجعلها عبرة والهاما لنا في حاضرناومستقبلنا ولان (الماضي هو بعد دائم من ابعاد الوعي البشري) كما يرى(هوبزبوم) اذن من الضروري ان ندرسه بتمعن وان نجعله مقوما لوعينا ومرسخا لحسنا الانساني وهذا لن يتم بدون اعتماد منهج يتيح تحقيق هذهالغاية لان الكثير من المشاكل والخلافات نتجت حسب ما نعتقد من المناهجالمخصصة لتدريس التاريخ التي تثير الانفعال لدى الدارسين لاسيما هي مناهجمشبعة بالحماسة والفخر والاعتزاز الذاتي الذي يثير عادة التشنجاتوالحزازات بين الشعوب اي انها مناهج لم تكتب بطريقة علمية موضوعية كما هومفروض انما تدخلت الفئوية والايديولوجية في كتابتها بغض النظر عن طبيعةهذه الايديولوجية يقول ويلز (كل ما يفعله الناس والامم هو نتيجةللتعديلات الغريزية التي تتكون كردود فعل للافكار التي ادخلتها اقوالالصحف والكتب ومعلمو المدارس.. في نفوس الناس) ومن ثم يمكننا بفعلالتاريخ صنع شعب مؤدلج او متحرر من اي ايديولوجية لان التاريخ لا يملكمعنى بذاته بل نحن الذين نضفي على حركته المعنى الذي نريد يقول فريدريكنيتشه (التاريخ ليس عمل العقل انه مليء بالعوارض واللامعقولات وما لايفهم الى اي حد يكون التاريخ شرسا ومجردا من المعنى لا يمكن ان يفهم ابداالوضع الذي يعطي التاريخ معناه) لكن مهمة المؤرخ ليس اضفاء غموض على غموضمن خلال تجريد التاريخ من اي معنى انما العكس من ذلك تماما محاولة ايجادمعنى له او خلق هذا المعنى باي شكل كان ومع ان هذا المعنى يتحمل ان يكونذا تأثير سلبي او ايجابي يتطلب الامر بذل جهود حثيثة لجعل تأثيره ايجابياقدر ما يمكن لانه بخلاف ذلك لن يكون مفيدا او ضروريا يقول شارل رنوفييه(ان التقدم يجب ان يراد وان يحقق من قبل كل فرد) وايضا كل دولة او شعبلان النجاح لن يكون ممكنا بدون توجيه يحث الجميع عليه وكما ان قدرالبشرية هو التوحد لانه الضمانة الوحيدة لابقائها موجودة وحيه فان امامناسبيلين لتحقيق ذلك (الاول) بنكران الماضي واهماله والتأكيد على الحاضروالمستقبل و(الثاني) بتوحيد منهج التاريخ لعموم البشرية وبالطبع لابد انندرك ان تحقيق ذلك ليس بالامر اليسير الا انه في الواقع ممكن بشرط الحصولعلى قبول عالمي به لان التاريخ ليس ملكا لفرد او شعب بل ملك الجميع علىحد سواء ومن ثم اذا وقف التاريخ عائقا امام الوحدة الانسانية سيكون لزاماعلينا التضحية به او على الاقل جعله مقيدا بخدمة البشرية يقول كونفشيوس((من يكن طيبا حقا لا يمكن ابدا ان يكون تعيسا ومن يكن حكيما لا يقع ابدافي الاضطراب)) ولذلك بامكاننا تدريس التاريخ وفق هذه الاسس لنخرج بنتائججيدة كما تنبأ كونفشيوس.لكن نكران الماضي او اهماله لا يتحقق بسهولة وان قررنا ذلك رسميا لانالماضي مزروع في نفوس الناس ولعله يعيش معهم لذلك نحن بحاجة الى جهداجيال حتى نستطيع ان نقطف ثمرات ما نفعل ولو بشكل نسبي على ان ذلك فينظرنا يستحق هذا الجهد لاننا موقنين بان معظم المشاكل التي نعاني منهاسواء كانت دينية او عرقية او طائفية هي نتاج التاريخ وان معظم الدماءالتي اريقت او تراق الان هي بسبب هذه المناهج التي تفسر التاريخ وفقالايديولوجيات حتى كأن الطرح الذي يقول ((ان الامم السعيدة هي الامم التيليس لها تاريخ)) صحيح تماما بدليل اننا نلاحظ انسجاما واضحا لدى الشعوبالكوزبوليتارية للعالم الجديد لانهم تخلصوا من اثر التاريخ واستعاضوا عنهباثر المصلحة والمنفعة المشتركة بعكس ذلك نجد الشعوب في المناطق القديمةمثل الشرق الاوسط في حال صراع ومواجهة مستديمة ولعل معظم الحروب التيشهدها العالم حصلت في هذه المنطقة المضطربة من العالم وهي ما زالت حبلىبمشاكل وصراعات لا يعلم الا الله مداها وكل ذلك بسبب فاعلية الماضيوتأثيره المستمر في وجدان الناس ونفوسهم وهو ما يدعونا الى اتخاذ موقفجريء من هذا الماضي ليس بتجاهله وحسب بل ونسفه ايضا اذا لزم الامر لكنهذا الامر لا يتطلب مجرد قرار وحسب لان المشكلة ليست شكلية انما لابد منالعمل على خلق ثقافة مناهضة للماضي حتى نستطيع انجاح مسعانا هذا مدركينمع (هوبزبوم) (ان الطرق المعول عليها لتحقيق ذلك قليلة او قاصرة) والامريحتاج الى اكثر من مجرد الرغبة او العمل الميداني البسيط لكن مع ذلك هويؤكد ايضا على ان تعرض المجتمع الى تغيير ما سواء كان هذا التغيير قسريامن الداخل او خارجيا يمكن في حدود معينة في كسر المعيار الداعم لتأثيرالماضي مع ان ذلك لن يكون نهاية المطاف لان الماضي قد يعود ليؤثر في نفوسالناس من جديد اللهم الا اذا تسارع التغيير ليحول المجتمع بسرعة الى ماوراء نقطة المعيار او يغدو حالة لازمة في المجتمع ومهما يكن الامر فاننابحاجة الى اي جهد يحقق لنا هذا المسعى خدمة لحاضرنا ومستقبلنا.اما انشاء منهج للتاريخ يدرس لعموم البشرية قد يكون اجدى الا انه يستوجبصدور قرار عالمي يلزم جميع الدول به وهذا الامر قد يواجه ببعض التحفظ اوالرفض من هذا الطرف او ذاك لاسباب وجدانية الا ان فرضه ليس صعبا على ايحال لاسيما اذا استخدمت معه وسائل الضغط المعروفة او تقديم بعض المغرياتولو تحقق هذا الهدف باي جهد نبذله سنكون سعداء باننا امنا للبشرية مستقبلافضل لان تدريس نفس المادة في كل بلدان العالم لن يكون له صدى تضامنيوحسب انما ويدفع نحو بناء الحاضر او المستقبل بعيدا عن تأثيرات الماضيوهيمنته بما في ذلك المساعدة على اشاعة جو من التعاون بين شعوب الارضوافشاء السلام بينهم وستشهد البشرية سيادة نزعة واحدة هي النزعةالانسانية التي تستمد حضورها ليس من النداءات والمبادرات الشخصية كما هوحاصل الان بل من منهج عام يدرسه جميع البشر في جميع انحاء العالم تختفيفيه الفروق لصالح الوحدة الانسانية.

باسم محمد حبيب
[email protected]