الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سيُعلن ترشّحه لولاية ثالثة من خمس سنوات في بداية شهر أكتوبر القادم وهو ما لا ينص عليه الدستور الجزائري. هذه ليست مشكلة، فمن المقرر أن يُعدّل الرئيس الدستور حسب مقاسه. هل سيتم ذلك عبر استفتاء شعبي؟ طبعا لا. لأن الوقت لا يتسع لتنظيم هذا الاستفتاء ولم يتبق سوى ستة أشهر عن موعد الانتخابات الرئاسية القادمة المزمع عقدها في نيسان أبريل 2009. والبرلمان سيتكفل بمهمة تمرير التعديل. هل سيشهد ذلك أي معارضة؟ الأمر مستبعد. فرئيس حزب الأغلبية في البرلمان أحمد أويحيى هو الذي أطلق هذه التصريحات. بل ذهب أبعد من ذلك، حينما طمأن الرئيس بأن حزب التجمع الوطني الديموقراطي سيحشد إمكانياته وطاقاته ويضعها تحت تصرف الرئيس من أجل تمكينه من وراثة عرش الجملوكية على حد تعبير الدكتور سعد الدين ابراهيم.

لا يحتاج المتابع لشؤون السياسة الداخلية في الجزائر إلى ذكاء كبير ليفهم بأن تأخر الرئيس في إعلان تعديل الدستور لترشيح نفسه كانت خطوة محسوبة لتفويت فرصة مناقشة التعديل من طرف جميع الشخصيات والأطياف السياسية التي يُبدي أغلبها معارضة كبيرة للعبث بالنصوص القانونية التي تستند عليها الدولة من أجل تحقيق مصالح شخصية وآنية على حساب المؤسسات. كما أن التأخر في إعلان التعديل يصبّ في خانة تمريره عبر عملية رفع الأيدي بالموافقة داخل غرفة البرلمان. أما مشكلة إبداء بعض النواب قليلا من المعارضة فقد حلّها الرئيس هذا الأسبوع حيث ضاعف من مرتبات النواب بقرار رجعي وأكد على حقهم في الامتيازات والهبات المالية. فدولة الريع البترولي تجتهد في شراء ذمم المسؤولين في هذه السنوات التي ارتفع فيها سعر برميل النفط إلى أعلى مستوياته وهذا ما يفسر إفطار الجزائريين في أغلب مدنهم على الشموع مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في دولة تُصدّر الكهرباء والطاقة إلى أوروبا.

أعود إلى البرلمان الذي تُمثل فيه أحزاب التحالف الرئاسي الأغلبية المُطلقة (حزب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديموقراطي، حركة حمس) فالنواب المنتمون إلى هذه الأحزاب لن يترددوا في رفع الأيدي والأرجل لضمان بقاء الرئيس في منصبه إلى أن يرث الجزائر ومن عليها، وهذا يضمن بقاء الامتيازات التي يتمتعون بها وتدفق المزيد من الصفقات المشبوهة. ولاعجب في أن أغلب النواب لم يعرف مقاعد الجامعة وهم مجرد مضاربين سُمّوا عبثا رجال أعمال استفادوا من حال الفوضى التي تعيشها الجزائر منذ اندلاع العمليات الإرهابية في بداية التسعينيات.

السؤال المطروح حاليا، ماذا عن أصحاب القرار؟ ونقصد هنا طبعا جنرالات الجيش والمخابرات. من المعروف أن أويحيى واجهة لهؤلاء في الساحة السياسة. وإذا تحدث رئيس الحكومة عن مساندة الرئيس بالفم المليان، فإنه لا يرتجل السياسة بل هو وحيٌ يوحى. ومن الواضح أن مسألة تمديد فترة ولاية الرئيس من عدمها كانت محل تجاذبات سياسية منذ أشهر ليس بين الإنتليجنسيا الجزائرية فحسب، لكن بالتشاور مع كل من باريس وواشنطن وربما بروكسل. فمسألة مرض الرئيس أزعجت بعض الدوائر الغربية وهي تشكل بالنسبة إليها مصدر قلق لجهة ضمان استقرار الأوضاع في الجزائر. والغرب كما هو واضح من خلال التجربة أنه يهتم بالاستقرار في بلداننا أكثر من اهتمامه بترسيخ دولة القانون وتطبيق الإصلاحات السياسية التي يستعملها كورقة للضغط من أجل مكاسب سياسية واقتصادية ليس إلا. وفي ظل الأزمة العالمية التي تعاني منها المؤسسات المالية الغربية لا يمكن الضغط على دولة تُكدّس أموال الريعي النفطي في البنوك الغربية فالجزائر يقارب احتياطي مخزونها من العملة الصعبة مئتي مليار دولار.

ماذا عن الشعب؟ هو كالزوجة، آخر من يَعْلَم أو يُعلَم بالأحرى. الشعب خرج إلى الشارع منتفضا ومُكسّرا ومنددا أكثر من خمسين مرة في هذا الصيف. لكنه لم يصل بعد إلى الاحتجاج داخل وعاء سياسي يتهدد النظام الحالي ويُربكه. طبعا هذا يرجع إلى غياب طبقة سياسية فاعلة تمارس المعارضة على أصولها. وإذا كان النظام السياسي الجزائري قد هَرم ووصل إلى طريق مسدود وافتقد أسباب وجوده فإن الشخصيات المعارضة التي يمكن حصرها في شلة من رؤساء حكومات سابقين أمثال مولود حمروش، أحمد بن بيتور، سيد أحمد غزالي،عبد الحميد مهري إضافة إلى الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد. فإن كل هؤلاء لم يستطيعوا بلورة خطاب عصري يتناسب مع هموم وآمال الشباب الذي بلغ درجةً قصوى من اليأس من نظامه السياسي.

على الأرجح سوف يتمكن النظام من تمرير مخططاته ليضيف جرعة أخيرة من الحياة إلى شرايينه المهددة بالتصلّب. لكنني أستبعد كثيرا بأن يتمكن بوتفليقة من إكمال ولايته الجديدة لأن الانفجار العظيم بات مسألة وقت فقط.

وفي انتظار تسمية أرانب السباق نقول هنيئا لبوتفليقة الرئاسة مدى الحياة وصبرا جميلا للشعب الجزائري.

سليمان بوصوفه

http://slimaneboussoufa.wordpress.com/