المسلمون مساكين وبالخصوص العرب يعيشون في عالم يشهد طفرة معلوماتية هائلة بفضل علم التقنية والاتصالات، وسهولة الحصول على المعلومة من مصادرها، بدون وصايا وتوجيه ورقابة من أحد. إلا إن شريحة كبيرة من المسلمين بالخصوص في وطننا العربي، محرمون من الاستفادة بشكل صحيح من هذه الطفرة المعلوماتية، لان هناك جهات تتعاطى مع العقل العربي والمسلم بأنه عجينة خاوية، وينبغي أن يبقى العقل العربي كذلك إلا ما يصل إليه من معلومات عبر جهات محددة، لكي تتحكم بالعجينة أسف العقل العربي وتشكله حسب ما تراه مناسبا لها.


ونتيجة استسلام العقل العربي لتلك الجهات فهو غير قادر على الاستفادة بشكل صحيح من هذه التقنية في كسب المعرفة والتحليل والتفكير ثم الإبداع، وتطوير وضعه ومجتمعه ووطنه وخدمة البشرية؛ بل العكس هو الصحيح!!

الجهات التي تعطل العقل العربي وتريد أن تتحكم به هي لائحة الممنوعات ومثلث المحرمات الدين والسياسة والجنس، والاستسلام لتوجهات الحكومات والدعاة ورجال الدين وبعض العادات والتقاليد التي لم ينزل الله بها من سلطان.

نجاح مجتمعاتنا العربية مرهون بتطور تفكيرنا، وتفكيرنا مرهون بانفتاحنا على علوم وأفكار بعضنا، وعلى الحضارات الأخرى والاستفادة من تجاربها لان هذه الأفكار والتجارب لعموم البشر، ونحن جزء من هذا العالم ولابد أن نكون شعوبا منفتحة ومنتجة تحمل فكرا فعالا ايجابيا لخدمة البشرية، وعلينا أن ندعم الانفتاح والديمقراطية والحرية والتعددية الدينية والفكرية، كما أراد الله سبحانه وتعالى لسائر الناس البشر:quot; يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمquot; {الحجرات 13 }، وعلى من يطالب بمحاربة فكر محدد (مثل التشيع) في شهر رمضان المبارك شهر التقوى، على انه خطر كما فعل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وكما فعل البعض من الهجوم على عشرات المواقع الالكترونية وتدميرها والتباهي بالعمل الاجرامي غير الحضاري، هي دعوة لا تتناسب مع روحانية الشهر الفضيل، والسعي إلى تقريب الفجوة بين المذاهب الإسلامية فيما بينها، ودعوة الانفتاح على الديانات الأخرى، بل هي ضد الانفتاح والتعددية الدينية والفكرية، ومحاربة صريحة للعقل، ودعوة للتحجر والتعصب وإشعال الفتنة، ومحاولة جديدة للقبض على العقل العربي وإعادته لبيت الطاعة، ومنعه من ممارسة حقه بالتفكير والتأمل واتخاذ القرار بدون وصايا. وهذا القرار اشد خطرا على العقول العربية وعلى الأمة والمجتمع الإنساني!!!

إلى متى يبقى الشعب العربي منغلقا خائفا حبيس فكر محدد ـ كالعجينة خاوية إلا من التعصب ـ، ممنوع من الانفتاح على فكر الآخرين؟

ولماذا الخوف والحملات والصراخ والتهديد والوعيد من أن تتأثر عقول بعض العرب من بعض الأفكار، هل لهذه الدرجة العربي ضعيف، وما هي أسباب ذلك الضعف، ومن أعطى هولاء الحق في منع العقل العربي من ممارسة حقه بالتفكير والتأمل واتخاذ القرار بدون وصايا من احد كما خلقه الخالق عز وجل؟

وبلا شك ان أهم أسباب الضعف لدى العقل العربي يعود الى الانغلاق والتعصب للون واحد والاستسلام لمقولة أنا على حق والبقية على خطأ، وعدم القدرة على مواجهة الفكر الآخر بسبب نقص المعلومة الصحيحة، لقد حان وقت الانفتاح على المدارس الأخرى, وعدم الاستسلام لعقدة (ان الشيخ أبخص واعرف) نحن نعيش في عالم الطفرة المعلوماتية، وينبغي أن نستفيد منها، لنفكر بحرية ونتخذ القرار المناسب، ونساهم في بناء شخصيتنا ومجتمعنا ووطننا وعالمنا الواسع بشكل صحيح.

علي ال غراش