قراءة في كتاب
قد ياتيك الشبح بغتة او يداهمك في الظلام ليمارس هوايته في اللعب والخداع عندها لا تحاول مواجهته لانك لن تظفر به بل عليك مراوغته واللعب معه حتى يتعب او يمل ليغادرك من تلقاء ذاته. هذه السطور هي موجز لما اراد جاك دريدا ان يقوله لنا في كتابه (اطياف ماركس) الذي تض من نقدا تفكيكيا لنصوص ماركس المشهورة في محاولة على ما يبدو لابراز قدراته التفكيكية لنصوص كانت تعد من النصوص المنيعةلرصانتها وبلاغتها لكن هل نجح هذا النقد في تحقيق ذلك؟
وهل يشير اي نجاحيحققه التفكيك الى ضعف النصوص أو انه قد يشير الى العكس من ذلك الى قوتهاواهميتها استنادا الى صعوبة الاسلوب المعتمد في نقدها، لا شك ان(اطياف ماركس) يمثل نموذجا بارعا للتحليل المكثف وقد يكون تحليلا دقيقا ايضا لاسيما وهو يروم فضح طرائق التعبير التقليدية المؤسسة على طابع التمركز على الذات ومركزية العقل الغربي لان ما يسمى بنقد الطيفية هو في الواقع نقدفارغ لا معنى له وان تاسيس افكار نموذجية من افكار مثالية هو عودة الى محور الدائرة التي خلقت وهم التأسيس لذلك يتفق(جاك دريدا) مع قراءة (بياربورديو) لهذا الموضوع عندما صرح بأن اثبات ماركس للطبقية هو في الواقعتأسيس لها وان ما اراده من ذلك لا يعدو ان يكون حالة ثورية عابرة ولعلهيريد ان يقول ان (كارل ماركس) في التحليل الاخير اكثر مثالية من (هيغل)المتهم اكثر من غيره بها لان مثالية ماركس تاريخية بتصوره ان المجتمع الانساني يسير نحو تبني اليوتوبيا الشيوعية فيما ان مثالية (هيغل) لاتاريخية لانه افترض تحققها في نهاية الكون عندما تعي الفكرة المطلقة ذاتها وتدرك تحققها الكامل وبالتالي لا يمكن لمادية ماركس ان تكون طاردة للاشباح وان حاول ان يثبت ذلك من خلال فلسفته لا سيما ان المسالة لاتتعلق بهدف ما بل بحاجة تفترض ان يكون هناك نوع من الطيفية حتى يدرك العقل استقراره اي ان طرد الاشباح او نفيها ليس بالامكان تحقيقه بواسطة الايديلوجيا لانها قد تاتي من خلال ايديلوجية اخرى وما دام الامر يتعلق بتعاقب ايديلوجيات لن يكون بالامكان وأد الطيفية على الاطلاق (لانالانسانية-كما يعبر جاك دريدا -ليست سوى نماذج او سلسلة من الاشباح) سواءاتت تلك الاشباح من النفس او الذهن المهم انها تبقى تطاردنا ونطاردها وقدتخضع مثلنا لسنة الانتخاب الطبيعي ولكن بوجهه الشبحي اي اننا لن نجد نفسالاشباح التي وجدها اسلافنا بل اشباحا جديدة متطورة وبالتالي لا يسعنالحل هذه المسألة من الرضوخ لمبدأ التصالح الذي يدفعنا لان نعيش معها كانها جزء من حياتنا.ان محاولة جاك دريدا ابراز الطابع التهافتي لفكر ماركس قد لا تشكل اية اهمية لان اي فكر لا يخلو من ذلك ايضا الا اذا اراد ان يقول ان هذا الفكرهو اكثر تعبيرا عن ذلك ربما بسبب حمله للشعار البروليتاري مستشهدا لذلكبحمله النقد اللاذع الذي وجهه ماركس لـ(ستيرنر) رغم ان هذا الاخير قدشاطره في نقد الطيفية ولو بشكل مغاير.
لقد نجح جاك دريدا في ابراز ان نصوص ماركس هي الاخرى تفوح بالطيفية رغمما تشيعه من مناهضة لهذا الامر الذي يفصح عن وجود اشكال في البناءالتعبيري لتلك النصوص كان متواريا خلف اسيجتها البلاغية والمجازية لكنهذه المسألة قدلا تقتصر على نصوص ماركس لان اية بنية لا بد ان تكون قابلة للتفكيك والاهي ليست ببنية وما دام الامر كذلك قد نكون بازاء نقد لا نقد له ونهج لابديل له في نقد النصوص.
وبالتالي وضعنا التفكيك امام حقيقة مهمة وهي ان نصوص ماركس لم تكن بمنأىعن الوقوع في فخ الشبحية رغم انها بنيت على دحضها لان الشبحية التي تمثلالاوهام الدينية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية راسخة في عقولناونفوسنا ويصعب التخلص منها دفعة واحدة ولعل استعانة ماركس بمثال طيفي علىسبيل المجاز لتسهيل عرض افكاره ربما يؤكد الاسباب التي دفعت الذهن البشريالقديم الى الاستعانة بالاطياف لتحقيق حاله الاستقرار العقلي مثلما يحصل الان في عز التطور والتقدم لان مثال الطاولة المتحركة امام الناس والتيتحاول ان تستجلي قيمتها منهم يمثل شكلا اخر للطيفية ولعل ما أراده جاكدريدا هو عرض حالة التناقض التي وقع بها ماركس بين رفضه للطيفيه او نقده للذهن الذي ابتدعها وبين استعانته بالمجاز الطيفي لشرح اطروحته يقولدريدا (لدينا انطباع انه ما دام النقد يبدو ملحا ومسهبا وهو في نفس الوقت متوقد وثقيل فان ماركس قد لا يستطيع ابدا مغادرة ضحيته فهو مرتبط بها بصورة مقلقة وان فريسته لتأسره).
لكن ماذا بعد هذه المحاولة النقدية؟ وبصورة ادق ما فهمناه منها هل ادركنامن خلالها تناقض ماركس او تهافته؟ لا شك انها محاولة بغض النظر عنتقديرنا لنجاحها وفشلها لانه قد يكون ماركس طيفا او حقيقة تطارد طيفا اوعدة اطياف او قد تكون الاطياف ذاتها تطارد ماركس الطيف او اللاطيف اوتطارد بعضها البعض ليس هذا المهم ما دام كل شيء مجرد طيف انما المهم اننعرف هل يعمل التفكيك على الطيفية او يطاردها فعلا؟ أو اننا في الواقع فيمواجهة طيف جديد يأتي بعد ذلك من يطاردها او نطارده نحن ايضا.اذن ما يقدمه لنا التفكيك هو ان نطارد او نطارد الى ما لانهاية.
باسم محمد حبيب
التعليقات