من فضائل الإعلام التفاعلي أنه يكشف عن الإتجاه العام لدى المجتمعات، ورغم حداثة هذا الإعلام إلا أنه إنتشر بسرعة فائقة في الوسط الثقافي والإعلامي، ما يؤكد رغبة مجتمعات الشرق الأوسط بالتعبير عن آرائها بحرية وشفافية بعيدا عنم التسلط الرقابي للحكومات..وأنا من الأنصار المستميتين للدفاع عن الرأي الحر، وخصوصا من المتلقي، لأن الآراء التي أطلع عليها على هوامش كتاباتي تشكل زادا ثقافيا يحتاج إليه كل كاتب في هذا العصر الأنترنيتي الذي أصبحت الكتب ومصادر المعرفة تركن في المكتبات يعلوها الغبار، بعد أن فرضت الشبكة المعلوماتية هيمنتها على ثقافة اليوم، ومع ذلك ألاحظ في بعض الأحيان تسلل البعض من أبواق الأنظمة المستبدة الى تلك المساحة الصغيرة المتاحة للرأي في المواقع الألكترونية للترويج لصالح تلك الأنظمة، والدفاع عنها بوجه كتاب الرأي الذين هم في الغالب يناصرون شعوبهم المضطهدة..


فبالنسبة لي هناك البعض من هؤلاء المأجورين يستغلون المساحة المخصصة للردود والتعقيبات أسفل المقالات للدفاع عن حكومة إقليم كردستان الغارقة حتى أذقانها في الفساد، ولا يتوانى بعضهم أن يوغل في إطلاق توصيفات الخيانة والعمالة ضدي، وقد يكون بينهم من كان يستدفيء في شتاء كردستان القارص بالتهوية المركزية في بيوتات أوروبا، أو فنادقها، أو يقضي لياليه بين أحضان الغانيات في الملاهي والنوادي حين كنت والمئات من رفاقي نتدثر ببطانيات متهرئة في جبال كردستان بين الثلوج التي ما كانت تغادر تلك الجبال إلا هنيهة في فصل الصيف الذي هو أقصر فصول السنة في تلك الجبال. ومع ذلك أتمالك نفسي في الرد على هذه الشرذمة التي تستلم جهود أتعابها عن كتاباتها المدفوعة الأجر، رغم أن الكثير من تعقيبات هذه الشرذمة، إستفزازية، خارجة عن حدود اللياقة والأدب، وإلا فمن يمتلك ذرة من الضمير الإنساني لا يدافع عن سلطة غارقة حتى أذنيها بالفساد تمتص دماء الشعب الكردي، وتصادر الأقوات من أفواه أطفاله.


يلومني البعض من هؤلاء لأنني أنشر الغسيل القذر للسلطة الحاكمة في كردستان أمام الرأي العام العربي، حتى أن زميلا لي كتب مقالا باللغة الكردية في إحدى الصحف المحلية، إتهمني وبعض زملائي الكتاب الأكراد في جريدة (إيلاف) بأننا نساند القوى العروبية الحاقدة على الشعب الكردي بمقالاتنا، ونستعديهم على ( تجربتنا الرائدة ) في الحرية والإنعتاق؟! ولكن هؤلاء ذاتهم لا يكلفون أنفسهم بكتابة ولو سطر واحد للتنديد بهذه الظاهرة التي ستودي بالنهاية بتلك التجربة الرائدة، فحبل الظلم قصير، وما حكم صدام عنا ببعيد، وقصة قارون الذي كانت مفاتيح خزائنه لتنوء بالعصبة من أولي القوة ما زالت خالدة بين ثنايا مصادر التاريخ.


قبل أيام قرأت مقابلة صحفية مع رئيس البرلمان الكردستاني الأستاذ عدنان المفتي أجرته معه صحيفة ( روزنامة) الكردية اليومية، ولكم سعدت وأنا أراه يتحدث بكل صراحة عن أوضاع إدارة كردستان، وإن بدا لي مترددا بعض الشيء، خصوصا وأنه كرفيق ناضلت معه في جبال كردستان وخبرت ثنايا تفكيره وعرفت المباديء التي يؤمن بها والتي كرس لها شطرا كبيرا من عمره من أجل أن يتحقق ذلك اليوم المنشود الذي نعيشه في ظل الحرية الان، وقد يكون لتردده وسكوته عن الشيء الكثير من السلبيات والمواجع، مبرر مقنع لأنه في المحصلة هو رجل سياسي ومسؤول في الدولة يتحتم عليه أن لا يمعن في كشف المستور لأن من شأن ذلك أن يمس الكثيرين من حوله. وعلى كل حال فالرجل محكوم بالوضع السياسي الأعوج الذي نعيشه اليوم في كردستان وقد لا ينتظر منه سوى ما قدر على كشفه وإن تحدث بالعموميات.


يعترف رئيس البرلمان بوجود حالة خطيرة من الفساد في كردستان، ويقولquot; الفساد ظاهرة واضحة للعيان في إقليم كردستان والعراق، وقد تكون صورتها أوضح في العراق، مع وجود الفارق، ففي بقية أجزاء العراق هناك القوات الأمريكية والصراعات السياسية التي تختلف عما هو عليه في كردستان، لذلك لا يستطيع أحد أن يقول بعدم وجود الفساد في كردستانquot; ويستطردquot; من واجبنا أن نواجه هذه الظاهرة،ولكن للبرلمان حدودا، كما للحكومة حدودها، وقد قلت مرارا بأنه لو لم تجعل الحكومة مسألة مكافحة الفساد برنامجا حكوميا، فإننا لن نستطيع القضاء عليهquot;.


أستميح سيادته عذرا لأسالهquot; في كل دول العالم البرلمانات تعتبر ممثلا للشعب في السلطة، وفي الدول الديمقراطية فإن الحكومة تكون خاضعة لسلطة البرلمان الذي له الحق في سحب الثقة منها، ويعتبر البرلمان في كل دول العالم فوق الحكومة لأنه يمثل الشعب، فكيف يكون في إقليم كردستان للبرلمان والحكومة خطان متقاطعان ( حدود للبرلمان وحدود للحكومة)؟


ثم هل أن مهمة البرلمان لمواجهة الفساد وهو يمثل سلطة الشعب تحتاج الى إستقدام قوات أجنبية على غرار القوات الأمريكية الموجودة الآن في بقية أرجاء العراق؟!!.هذا المنطق الغريب يدفعنا الى التساؤل عن أسباب وجود البرلمان أصلا إذا كان هو عاجزا عن محاسبة الحكومة على ظاهرة مستفحلة تفتك بملايين الناس ممن وضعوا ثقتهم في هذا البرلمان المنتخب؟!.


بنفس ذلك المنطق الغريب يقول السيد رئيس البرلمان في مقابلتهquot; إن مسؤوليتي تتحدد داخل البرلمان، ويسألنا البعض عن أسباب عدم إستدعاء الوزراء للتحقيق معهم أمام البرلمان، وأنا أؤكد أن رئاسة البرلمان لم تستلم لحد الآن طلبا بالإستدعاء للتحقيق مع أي من الوزراء، كما أننا لا نستطيع إستدعاء الوزراء الى البرلمان للتحقيق لأن ذلك يعني محاسبته quot;؟؟


والسؤال الذي يطرح نفسه هو، إذا كان البرلمان لا يشعر بما يجري داخل الإقليم، فما هو مبرر وجوده إذن؟؟!!. وإذا كان أعضاء البرلمان لا يستنشقون الرائحة العفنة للفساد التي تزكم الأنوف، ولا يدرون بما يعانيه الشعب الذي صوت لهم، فما فائدة بقاءهم متمتعين بالخيرات التي تغدقها عليهم الحكومة الإقليمية، لا بل أنهم لا يتحرجون من رفع الطلب الى رئاسة البرلمان لزيادة رواتبهم ومخصصاتهم، فإذا كانوا هم بالأصل نياما وأرجلهم بالشمس لا يشعرون بما يدور حولهم، فما الذي ينتظره الشعب منهم إذن؟؟


منذ أعوام والحكومة الإقليمية قد توحدت بإدارتيها السابقتين في السليمانية وأربيل، وخرج الشعب الى الشوارع في المدن للإحتفال رقصا ودبكة لهذا الإنجاز العظيم، وكأن توحيد محافظتين في إقليم صغير هو إنجاز تاريخي ما بعده إنجاز، ولكن السيد رئيس البرلمان يؤكد في مقابلته، أن إنقسام الإدارة ما زال قائما، والوزارات السيادية الثلاث ( الداخلية والبيشمركة والمالية) وهذه بمجملها تعد من دعائم القوة والسلطة والنفوذ في الإقليم ولم تتوحد لحد اليوم. وينسى سيادته أن حزبه والحزب الآخر الذي يديران الإقليم معا قد وقعا إتفاقا إستراتيجيا طويل الأمد لتوحيد الحكومة والمواقف السياسية، فأين ذهب هذا الإتفاق يا ترى؟؟!.ويستطرد سيادته بأن البرلمان ألزم حكومة الإقليم بصرف سلف العقار للمواطنين، ولكنه يعترف في الوقت ذاته أن صرف هذه السلف ما زال متوقفا بسبب مشكلة إنقسام الإدارتين، ويشير سيادته الى أن القدرة على صرف تلك السلف في أربيل تختلف عن القدرة على صرفها في السليمانية،؟!. وهذا إعتراف صريح من السيد رئيس البرلمان بتكريس واقع إنقسام الإدارة الى الآن رغم إدعاءات القيادة السياسية بأن الإدارة الحكومية موحدة؟!.


وفي الختام لا يملك السيد رئيس البرلمان غير أن يمني نفسه وهو يتحدث عن مناقشات البرلمان حول الميزانية السنوية للإقليم قائلاquot; كانت المناقشات الجارية داخل البرلمان لميزانية العام الجاري شفافة وصريحة، وستكون مناقشات ميزانية العام القادم 2009بحسب إعتقادي أكثر شفافية؟؟!..
ونحن نختمها بالمسك مرددين معه quot; قل إن شاء الله؟

شيرزاد شيخاني
[email protected]