لا أزعم ان لدي معلومات خاصة أواتصالات قوية او انني اتنبأ المستقبل أو اقرأ البخت والحظ عندما أقول ان اسرائيل ستغتال عددا من رجالات حماس ورموزها بعد اغلاق ملف جلعاد شاليط.

قبل اسابيع حضرت حفلا في لندن شارك فيه صحفيون وديبلوماسيون من مختلف الجنسيات ونشطاء عرب وغير عرب.

كالعادة في مناسبات كهذه اختلط الحابل بالنابل ووجدت نفسي اتحدث مع اعلامي اسرائيلي مخضرم وتطرقنا الى موضوع حصار غزة وجلعاد شاليط ودور حماس. قال الاسرائيلي quot;على قادة حماس ان يختبئوا بعد اطلاق سراح جلعاد شاليط لأن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ستقوم بحملة اغتيالات لبعض الرموز الحمساوية. وأضاف ليس من مصلحة اسرائيل ان تقضي على وجود حماس في غزة رغم انها قادرة على ذلك. والسبب ان وجود حماس في غزة هي مصلحة استراتيجية لاسرائيل. quot;

اثار تعليق الصحفي الاسرائيلي نقطتين هامتين لا يمكن المرور عليهما مرور الكرام.

الأولى
كما يعرف كل متابع للملف الفسطيني ان اختطاف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط كانت تكلفته باهظة جدا للفلسطينين حيث قتلت اسرائيل أكثر من 600 فلسطيني في الاسابيع القليلة بعد الاختطاف واكثر من 300 فلسطيني قتلوا بعد ذلك في غارات وتوغلات متفرقة. يمكن القول انه حتى هذه اللحظة حوالي 1000 فلسطيني قتلوا كنتيجة مباشرة لاختطاف جندي اسرائيلي واحد.


ولو استعملنا اي مقياس للتدقيق في المعادلة نجد ان عملية الاختطاف عملية خاسرة بامتياز ولو كانت معاملة تجارية لتم اعلان افلاس الطرف الخاطف واغلاق محلاته التجارية. ولو حدث هذا في دولة ديمقراطية لتم محاكمة اصحاب فكرة الاختطاف وادانتهم بالخيانة والتفريط بحياة ألف مواطن مقابل خطف صعلوك. ولكن حماس تعتبر الاختطاف انتصار عسكري وسياسي رغم انه انتصار وهمي جلب الموت والدمار والحصار. اسرائيل قد تطلق سراح 400 الى 500 فلسطيني مقابل جلعاد شاليط ولكنها تعتقل العشرات يوميا تحت ذرائع مختلفة ولا يزال اكثر من 11 الف سجين فلسطيني يعانوا في معتقلات الاحتلال.

النقطة الثانية
قال الصحفي الاسرائيلي ان اسرائيل لا تنوي القضاء على حماس رغم انها قادرة على ذلك لأن وجود حماس في غزة يخدم مصلحة اسرائيل الاستراتيجية. وهذا ايضا ماجاء على لسان جنرال اسرائيلي في صحيفة معاريف الاسرائيلية في ايلول عام 2007 واذكر مناقشة هذه النقطة بالتحديد مع المناضل عمر حلمي الغول على الهواء في برنامج تلفزيوني قبل شهور ومن الجدير بالذكر أن أشاوس حماس اعتقلوا عمر حلمي الغول لمدة شهرين بسبب آرائه الصلبة الرافضة للفساد السياسي والاقتصادي الفلسطيني وانتقاداته اللاذعة لحماس وتصرفاتها الهوجاء وكتاباته الشجاعة في صحيفة الحياة الجديدة.

حماس تقوم بتوفير الذريعة تلو الذريعة لاسرائيل للتهرب من استحقاقات العملية السلمية المتعثرة. لنأخذ صواريخ القسام العابرة للقارات التي تنطلق من غزة وتسقط في بلدة سيدروت وضواحيها والتي بعد 5 سنوات و8000 صاروخ قتلت عدد من المدنيين لا يزيد عددهم عن عدد اصابع يد واحدة. هذه الصواريخ العبثية قدمت خدمة جليلة لدائرة العلاقات العامة الاسرائيلية. شاهدنا كيف زارت كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأميركية منطقة سيدروت ورأت الخراب الطفيف في بعض المباني وعبرت عن تعاطفها مع محنة الشعب الاسرائيلي وكذلك المرشح الرئاسي الديمقراطي باراك اوباما. وعند وصول اي زائر هام او وفد من الخارج او حتى سائحون تأخذهم آلة العلاقات العامة الاسرائيلية لزيارة سيدروت الخاضعة للقصف الصاروخي الفلسطيني لكسب المزيد من العطف والتعاطف مع اسرائيل.

لا بد من الاعتراف انه منذ استيلاء حماس على السلطة في حزيران 2007 فقد الفلسطينيون الدعم العالمي والعربي وتراجعت قضيتهم عشرات السنين للوراء. ونقرأ الآن من استطلاعات الرأي ان شعبية حماس تزداد وترتفع في ايران وفي صفوف الطالبان في افغانستان ولكنها تتراجع وتتقلص في غزة والضفة الغربية. هذه المفارقة بحاجة للتأمل.

لا حاجة ان تكون عبقريا لتستنتج ان حماس من خلال استراتيجية خاطئة وغبية تساعد اسرائيل في تنفيذ مشروعها في المنطقة.


نهاد اسماعيل
لندن