لم يكن دور الوجودية دورا هامشيا في مجال الفكر الانساني فيما لم يكنظهورها امرا عرضيا بدون مقدمات او سوابق لانها استوعبت فلسفات مهمة كانلها دور بارز في تطور مفهوم الحرية وطريقة التعاطي معه لاسيما فلسفة هيغل التي كان لها هوية شاملة واتخاذها اسسا جديدة ليس للفلسفة السابقة عهدبها لاسيما موضوعة الجدل ولذلك انطلقت الفلسفة الوجودية من التماثلوالاختلاف مع افكار هيغل معطية الحرية بعدا انطولوجيا بعد ان كانت توصفبكونها مسألة عرضية وحسب.

لذا جاءت افكار (كيركغارد) كتتويج لهذا المعطى الجديد ومحاولة للانفلاتمن قبضة هيغل القوية مبينا ان الحرية هي مسألة اساسية لابد منها لان كونابلا ضوابط لا يفرض اي الزام وبالتالي من الضروري ان يكون الفرد فاعلا ليسمن اجل حركة الوجود انما من اجل ان يضبط هذه الحركة لصالحه سواء قدر علىذلك ام لا ولقد نمت هذه الفكرة كتتويج لحالة النمو الحضاري او الازدهارالاقتصادي الذي اعقب الحرب العالمية الاولى لاسيما بعد بروز قطبين هيغليين متنافسين اذا جاز لنا عد الماركسية الشيوعية قطبا هيغليا يسارياوالرأسمالية الليبرالية قطبا يمينيا مع ان المسألة ليست بهذا الشكل تمامالان معيارنا في هذا التحديد انطلق من موقف هاتين الايديولوجيتين من طريقة بلوغ الغاية الاساسية للمجتمع الانساني وهل يجوز تسريع ذلك من خلال التدخل ام لا.

لقد وقف المفكرون منبهرين بشدة ذلك الصدام الايديولوجي وطروحهما المتناقضة لاسيما الموقف من مسألتي العدالة والحرية فبيما يرى الشيوعيون العدالة اهم من الحرية وان انتظار بلوغ النجاح الحضاري ليس بالامرالسليم لان الضرورة تتطلب استعجاله يرى خصومهم الرأسماليون عكس ذلكمعتبرين الحرية اهم للانسان من العدالة لانها تستوعب العدالة وتأمنها لاسيما على المدى البعيد. لكن الا يكون هناك مجال للتوفيق بين الرأيين؟

لقد تدخلت عوامل عدة لتساهم جميعها في بلورة المنهج الوجودي اولهاالتنابز الفكري الذي بلغ ذروته ليس على مستوى المفكرين السياسيين وحسب بلوعلى عموم المفكرين ايضا لان الفينومينولوجيا وضعت تعريفا جديدا لمفهومالظاهرة يختلف عن تعريفها السابق لانها عدت ما نعرفه او نتحسسه منالظاهرة كل شيء فيها وبالتالي نحن امام تطور فكري هام وتحرر من قيود تمثلبقايا الميتافيزيقيا ومع ان (هوسرل) لم يكن سوى مطور فكري الا ان تلامذتهوعلى رأسهم (هيدغر) قد استرسلوا في تناولهم لمفهوم الحرية انطلاقا من رأي(هوسرل) بخصوص حقيقة الوعي الذي هو دائما وعي شيء ما ومن معارضة (نيتشه)للعقل ولوجود جوهر سابق يكون موضوعا لافعال الانسان معتبرا الوجود علىانه فعل انساني ولذلك وجدنا ان (هيدغر) الذي ينطلق من تلك الاراء يهتم بموضوع الحرية ليس لانها بعد وجودي انما لانها تمثل قدرة الانسان علىتأسيس ذاته عن طريق التجاوز لكن مفهوم الحرية عند (هيدغر) ليس مفهوماًمطلقا لانه يرده الى مبدأ الضرورة لاسيما ان وجودنا في العالم يتطلب انيكون هناك حد لحريتنا هذه النتيجة كانت في الواقع احدث نظرة فكرية لمفهومالحرية الامر الذي جعلها حجر الزاوية في فلسفات الوجوديين الاخرين لاسيما الفيلسوف (جان بول سارتر) الذي انطلق من ضرورة وضع حد فكري لحالة الصراعا والاستقطاب القائمة انذاك بين الشيوعيين والرأسماليين من خلال محاولةالتوفيق بينهما او من خلال ضرب استقطابهما بايجاد استقطاب مواز لهماوربما تداخل هذا العامل مع العامل الاخر هو العامل الوطني مع ان كثيرينلا يرون لهذا العامل اي وجود لان المفكر دائما ما يكون انساني النزعةلانه يضع البشرية في مستوى واحد لكن لماذا لا نتصور وجود هذا التوجه ولوفي اللاشعور لان الفكر الماركسي متبنى من قبل الروس والفكر الرأسمالي ذونسق انكليزي او اميركي ولذلك ليس سهلا على الوطنية الفرنسية الاستسلام لفكرين اجنبيين لاسيما وهما يحملان اجندة البلدان المصدرة لهما وكانالمراد طرح شعار فرنسا حرة لا اميركية ولا روسية انما فرنسية وحسب لانها موجودة بمواقفها ودورها المتميز الذي تعكسه استقلالية قرارها السياسيالذي يحرصون عليه كل الحرص.ومع ذلك لا يجب ان نتجاهل العامل الايديولوجي ودوره الاكيد في بلورة مشروع نضالي ينهي هيمنة الافكار المتنازعة اذ بامكاني ان اكون حرا وفيذات الوقت احصل على قدر من العدالة الاجتماعية والاقتصادية لانني كانسان املك حريتي التي هي اثمن شيء لدي وبمقدوري وفق هذا المبدأ ان اكون بلا التزامات ايا كان شكلها ابتداء من الالتزامات الاسرية وانتهاء بالالتزامات الاجتماعية حيث يؤكد سارتر على ان العلاقات هي اكبر عدوللحرية وهي بذلك تحدد وجودي بعد ان تجعلني في خضم المجموع وما يفرضه عليمن قوانين.لكن المشروع الوجودي لم يتوقف عند المسألة الشخصية بل طالب ببناءالقوانين وفقا للمبادئ الوجودية وبدلا من ان يخضع الفرد الاجندة المجتمعيجب بحسب الطرح الوجودي ان يخضع المجتمع لاجندة الفرد لذلك وجدناالوجوديين يطالبون بالغاء الخدمة الالزامية وكل انواع التقييد الاخرىلانها مفروضة على الفرد من خلال السلطة الاجتماعية الفاقدة للمشروعية الوجودية وليس هذا وحسب بل هناك من يطالب بالعزلة او التمرد ما دام هذان مفضيان الى اثبات الوجود كما يحاول ان يطرح ذلك وفي نطاق ما الكاتبالروائي (البير كامو) وفيما يدخل (مارسيل) كمبشر وجودي ولكن على النقيضمما يطرح كامو يرفع سارتر بهذه النزعة الى مستوى مهم وان فشل في مجاراة كامو في الناحية الادبية لانه كما طرح ذلك في مؤلفه (الوجود والعدم) يرىبان الوجود يسبق الماهية هذه في الواقع تمثل الفكرة الاساسية للفلسفةالوجودية لانها تعد الماهية نتاج الوجود فكوني افكر هذا لاني موجود وكونيانساناً هذا لاني موجود كانسان ولذلك كلما ازدادت مواقفي المميزة كلماازددت وجودا وكلما تحررت من القيود كلما اصبحت اكثر تمييزا في وجودي.لكن المشروع الوجودي لم يتهيأ له ان يستمر طويلا ربما بسبب ما يحمله منافكار طوباوية مع اننا لا ننكر احتمالية ان يكون وراء ذلك ايضا اسباب سياسية لا سيما بخضوع الدولة الفرنسية لهيمنة السياسة الاميركية وارتباطها بالمشروع الليبرالي الذي اصبح يتناغم مع البراغماتية اكثر منتناغمه مع اي مشروع اخر ومن ثم لم يعد هناك مجال لمنافسة فكرية بين مشروعاخذ قالبه واصبح رمزا لنفوذ سياسي واقتصادي كبير ومشروع لم يزل بعد فيمستوى الحبو لا يمثل في الواقع سوى محاولة لتحدي ذلك المشروع سواء بدافعالمنافسة او لمجرد التحدي ولذلك كان لانتصار المشروع الرأسمالي اثرهالبائن في اضعاف المشروع الوجودي لاسيما ان البعض ينظر اليه على انه مجردمشروع توفيقي وبغياب حالة الصراع لم يعد له اي اهمية ولذلك نعتقد اناعلان (فوكوياما) لم يكن مجرد اعلان سياسي يعلن نصر الرأسمالية الليبرالية على الاشتراكية الشيوعية انما واعلان فكري ايضا يتضمن اعلان الفوز في المعركة الايديولوجية ضد مختلف الايديولوجيات الاخرى.ولكن مع ذلك وبالرغم من هذه النتيجة الواضحة لابد ان ندرك ان موت الافكارلا يكون نهائيا لان الجدل حولها لا ينتهي سريعا ومثلما اوقف (هنتنغتون) فكرة (فوكوياما) عن انتهاء المعركة لصالح الليبرالية يمكننا ان نعلن ان المسألة الايديولوجية لم تحسم بعد هذا ان كان هناك امكانية لحسمها ومن ثمقد يكون لهذا التأجيل الفكري والمسألة نهضة فرنسا ضمن اوروبا موحدة الاثرفي اعادة الروح الى الوجودية لاسيما بوجود النهج البراغماتي الذي تدعمهالقوة الاميركية ولكي يكون للوجودية حظور جديد لابد من اخضاعها لاعادةالصياغة لكي تأخذ بالاعتبار المستجدات الاخيرة لاسيما بظهور مفهوم العولمة ووجود شبكات اتصال الكترونية يمكنها ان تعزل الفرد عن العالم وتربطه به فيالوقت نفسه ومن ثم لا يغدو الاتصالمحاولة لاقتحام خلوة الفرد او راحته بل عملية تواصل لا يكون لها اي بعدايذائي خصوصا وهي خاضعة لمشيئة الفرد ورغبته قبل اي شيء اخر.

باسم محمد حبيب