في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي جورج بوش في خطبته الوداعية في الأمم المتحدة عن الدور السلبي لنظامي دمشق و طهران ودورهما الفاعل في تعكير الحالة الأمنية في العراق وهي من الحقائق و البديهيات المعروفة، فإن الإدارة الإدارة الأميركية تتصرف بطريقة محيرة للغاية أزاء الملف العراقي و تمارس عملية إدارة الصراع بطريقة صارخة في التناقض الغريب الذي لا يجد له أي تفسير مقنع و منطقي، فهي في الوقت الذي تعتبر فيه النظام الإيراني أحد أعمدة الشر في المنطقة و أحد أكبر اللاعبين سلبيا في الملعب العراقي المفتوح على مصراعيه لكل الأطراف الإقليمية و الدولية فإنها تمارس لعبة غريبة تتمثل في التودد و التحالف العجيب مع المقربين للنظام الإيراني و وكلائه في الساحة العراقية!
كما أن السياسة الأميركية لم تمارس أي ضغوط فعلية أو حقيقية على حلفاء الولي الخراساني الفقيه في العراق من القوى السياسية المتصدرة اليوم للسلطة من أجل قطع إرتباطاتها بنظام طهران!!
وهي إرتباطات صميمية تتغلغل في نخاع التشكيل الحركي لتلك القوى! فجماعة مثل المجلس الأعلى في العراق هي تنظيم موالي متميز داخل البرلمان العراقي و الذراع العسكري لذلك التنظيم ( فيلق بدر ) يشاع انه أحد مؤسسات الحرس الثوري الإيراني كما أنه الذراع الضاربة في العراق وقت الحاجة و الأجهزة الإستخبارية الأميركية و الغربية تعلم بكل التفاصيل و الفرعيات و كذلك الحال مع حزب الدعوة الإيراني التأسيس و التبعية و الذي لعب أدوار ارهابية في الثمانينيات ضد المصالح الأميركية و الغربية في الشرق الأوسط ودوره الواضح في الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها دولة الكويت في تلك الحقبة و منها التفجيرات الكبرى أواخر عام 1983 أو محاولة إغتيال أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد في مايو 1985 و كذلك علاقة حزب الدعوة المتميزة بالمخابرات السورية حتى مرحلة سقوط نظام صدام، ومع ذلك فإن تلك القوى مهيمنة على البرلمان العراقي و تقود الحكومة من فشل لآخر و قد عجزت بالكامل عن حل المشاكل الحياتية و اليومية للعراقيين من خلال الفشل الفضائحي في تقديم الخدمات الكهربائية و البلدية و الصحية حتى تحول العراق لمستوطنة دائمة من مستوطنات مرض الكوليرا و بقية التشكيلات الأخرى من الأمراض السرطانية أو المعدية بكافة أنواعها و أشكالها في ظل إنهيار النظام الصحي و إزدهار نظام الدجل و الشعوذة و نهب الأموال و تهريبها في ظل الميزانية العراقية الخرافية التي لا تجد تطبيقاتها العملية على حال العراقيين وواقعهم البائس و مستقبلهم المظلم!
الأميركيون يتحدون النظام الإيراني لفظيا فيما يمارسون معه يوميا حملات دائمة من العلاقات العامة و التعامل تحت الطاولة و اللقاءات السرية و التنسيق مع وكلاء ذلك النظام من العراقيين الذين يترددون دائما على إيران بمناسبة أو بغيرها و لقاءات السفير الأميركي السيد كروكر مع المندوب السامي الإيراني ( حسن كاظمي قمي ) مستمرة على الدوام و تنسق التحرك الإيراني / الأميركي داخل العراق فهنالك توافق مصالح واضح أمريكي / إيراني فالضربات العسكرية ألأمريكية لنظامي طالبان و صدام في شرق إيران و غربها صب في النهاية لمصلحة النظام الإيراني و خصوصا في العراق حيث هيمن النظام الإيراني على الوضع العراقي من خلال القوى السياسية و الطائفية المذكورة و إيران تلعب لعبتها الإرهابية و السياسية بهدوء لأنها هي التي تختار الأهداف و تحدد توقيت كل التحركات إضافة للرصيد الهائل من المتعاونين الذي تملكه في العراق!، أما الصراع الدولي حول الملف النووي الإيراني فهو صراع معقد و ذو خلفيات واسعة، ففي أيام الشاه الإيراني الراحل كانت إيران تمتلك برنامج نووي طموح لم يقدر له الإستمرار بفعل التداعيات السياسية التي مرت بها إيران و كانت حكومة الشاه تمتلك 23% من أسهم شركة أوزايك النووية الفرنسية، كما تأسس عام 1971 في إيران معهد تقني متخصص لإعداد العلماء في المجال النووي و كان من مؤسسي هذا المعهد التقني النووي العالم الإسرائيلي البروفسور ( رائيف زلفي )، كما كانت جامعة طهران تمتلك مفاعل نووي تخصصي لأغراض التدريس و بعد الإنقلاب الثوري عام 1979 أهمل المشروع النووي بإعتباره من ( أعمال الشيطان )! وفقا لتصنيف تلك الفترة؟ و بعد نهاية الحرب العراقية / الإيرانية عام 1988 و رحيل الإمام الخميني عام 1989 عادت الحياة من جديد للمشروع النووي في زمن الرئيس السابق الشيخ هاشمي رافسنجاني عام 1990 إلا أن خطوات إعادة البناء كانت بطيئة حتى جاء زمن الرئيس الإصلاحي السيد محمد خاتمي إعتبارا من عام 1997 وحيث تم في عهده تخصيب اليورانيوم في سرية شبه مطلقة و بعد إحتلال العراق عام 2003 تم التسريع في هذا المشروع في زمن الرئيس المتعصب محمود أحمدي نجاد الذي ركز على ضرورة الوصول للطاقة النووية و عبر عملية توزيع كبرى و ستراتيجية للمنشآت النووية و بشكل يجعل من إمكانية ضربها مسألة صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة!، و في ظل التهديد المستمر بالحروب في منطقة الخليج العربي فإن سباق التسلح في المنطقة قد وصل لمرحلة إستنزاف إقتصادية رهيبة لإقتصاديات دول المنطقة، فقد إشترت إحدى دول الخليج في عام 2007 أسلحة بقيمة 36 مليار دولار بينما بلغت النفقات العسكرية لدولة عظمى مثل الصين لنفس العام حوالي 43 مليار دولار!! إذن فإن كل الضجة القائمة في المنطقة ما هي إلا فوضى إعلامية شاملة إختلطت فيها الحقائق بالأوهام!!
النظام الإيراني يلعب اليوم لعبته الكبرى في العراق و المنطقة الخليجية بإطمئنان كبير و ببرودة أعصاب واضحة لأنه يمتلك كل خيوط القوى السياسية و الطائفية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في تسويق مصالحها!!.. وتلك واحدة من أكبر العجائب و الغرائب في مسرح السياسة الشرق أوسطية الأسطوري و الحافل بالأساطير و المآسي!!.
داود البصري
التعليقات