بينت خلافات الأمة الإسلامية حول توقيتات شهر رمضان الفضيل وعيد الفطر المبارك حجم التباين والفرقة بين مسلمي هذا العصر، أضف إليها الفتاوى الدينية التي تكاثرت خلال الفترة الأخيرة في الفضائيات، وهي في معظمها فتاوى غريبة لم نسمعها من قبل قط..
فإذا كان تحديد بدء شهر رمضان إستنادا الى الحديث النبوي الشريف بلزوم رؤية الهلال مقبولا ومنطقيا ومتطابقا مع السنة الشريفة، فكيف يجيز البعض من شيوخ المذاهب لأنفسهم أن يفرقوا صف المسلمين، وأن يضعوا لهم في البلد الواحد ثلاثة أعياد مختلفة التوقيت؟!. فالوقف السني جعل الثلاثاء أول أيام العيد في العراق، والمرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني جعله في يوم الأربعاء، والتيار الصدري يوم الخميس؟!. ولا أدري علام إستند كل هؤءلاء في تحديد أيام العيد؟ فهل أصبحت أعياد المسلمين رهنا بفتاوى مذهبية،أم هي ستتحدد وفقا لرؤية الهلال في البلد الواحد؟!. أم أن إختلاف الموقف المعارض من الإتفاقية الإستراتيجية بين العراق وأمريكا، سيجر معه إختلافا في تحديد الموقف من أعياد المسلمين ومواقيت فرائضهم الدينية؟!. فمن يرضى بهذه الفوضى إذا كان ينشد الوحدة الإسلامية؟ وهل أن الدين عند الله واحد مع تعدد المذاهب والفرق، أم أن لكل مذهب دينه، وكل يغني على ليلاه؟؟!!..

ما حدث في تحديد أوان العيد كانت كارثة حقيقية تحدث لأول مرة في العراق، وسبق أن كتبت في العام الماضي حول هذا الموضوع بالذات في مقال أسميته ( غموض الأيام المقدسة في الإسلام)، دعوت فيه الى إعتماد الحسابات الفلكية لتحديد مناسباتنا الدينية، ولكن يبدو أن لا أحد إستساغ فكرتي، عليه فإنني سأتنازل عن دعوتي تلك، وأدعو المذاهب الدينية في العراق هذه المرة الى ( التوافق ) على إعتماد رؤية واحدة للهلال في البلد الواحد، طالما أن كل شيء في هذا البلد قد أصبح توافقيا، حتى سرقة ونهب أموال العراق أصبحت توافقية بين الأحزاب والكتل السياسية؟؟!!. فكفانا تفرقا وتشتتا وتوسيعا لمسافات التفاهم بين مذاهبنا، بعد أن خربت الصراعات السياسية بلدنا وأعادتنا الى القرون الوسطى.

في العهد السابق لم يكن أحد يجرؤ على التلاعب بالمواعيد والمناسبات الدينية، الدولة كانت واحدة تحتفل بتلك المناسبات ببيان يحدد أوانها والكل يلتزم به، واليوم وفي ظل هذه الحكومة الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة، أصبح لكل مذهب وفئة عيده ومناسباته، وطريقته الخاصة لتزويج بناته وابنائه، بل ومحاكم وسجون خاصة بأهل ذلك المذهب !!..

ما حدث حول تحديد أيام العيد سيزيد من حجم الفرقة والتفتت والتشرذم داخل أمة محمد، تلك الأمة التي وصفها الباريء عز شأنه أنها ( خير أمة أخرجت للناس )، وسيوسع الكثير من المسافة بين المذاهب والطوائف الإسلامية، خصوصا في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية، فصورة الإسلام التي نشوهها بأيدينا كل يوم وكل ساعة سيزيد كره الأمم الأخرى على ديننا،وسيشوه تلك الصورة أكثر بعد أن دمرت القوى الإرهابية إطارها الخارجي بغزوات سبتمبر ولندن ومدريد وغيرها.

ومما زاد في الطنبور نغمة، تلك الفتاوى الغريبة التي نسمعها في الفضائيات هنا وهناك، وهي بدورها شوهت الصورة الى حد المسخ بنظر الطرف الآخر، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها ولا نسكت عليها، لأنها تتناقض بإعتقادي مع الصورة الحقيقية للإسلام الذي نعرفه.
فأنا أتذكر أنه في سنوات الستينات كانت والدتي وأخواتي لا يتحجبن ولا يتنقبن، وكن يرتدين ثيابا محترمة، ولم أصادف أن شيخا من مشايخنا قد تدخل أو إعترض على تلك الملابس، أو بطريقة مشط شعرهن، أو تحديد مشيتهن، مع العلم أن المجتمع في ذلك الزمن كان أكثر تدينا وإلتزاما بالفروض والأحكام الدينية !!.

في ذلك الزمن كنا نتفرج على الأفلام السينمائية التي كانت تنتج في الأربعينات والخمسينات وكنا نرى الممثلات وهن ينزلن الى الشواطيء والبلاجات بالمايوهات، أو يرقصن في الكباريهات ببدلات الرقص التي تكشف عن جزء كبير من أجسادهن، ومع ذلك فلم يعترض أحد مشايخ ذلك العصر على تلك العروض، واليوم نجد في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية حتى أن الممثل الذي يفترض أنه يؤدي دور الأب الحاني على أسرته لا يستطيع أن يحتضن الممثلة التي تؤدي دور إبنتها حتى ولو كان السيناريو يتحدث عن خروج ذلك الوالد من السجن بعد قضاء عشرين سنة بعيدا عن أطفاله؟؟ّ!.

في ذلك الزمن كان الناس يصلون ويصومون ويؤدون الزكاة ويلتزمون بجميع الفرائض الدينية، وكانت المساجد تمتليء بالمصلين حتى أنهم كانوا يفترشون الشوارع المحيطة بتلك المساجد، وفي شهر رمضان كان حتى الطفل الذي يتجاوز التاسعة أو العاشرة من عمره يصوم ويصلي، وكان حلول شهر رمضان يعتبر مناسبة مهمة لتوزيع الزكاة والصدقات والإكثار من الخيرات، ولكننا في هذه الأيام لا نجد مسجدا قد إمتلأ، كما لا نجد تواددا وتراحما بين المسلمين كما في ذلك الزمن حتى في شهر الخيرات والبركات، بل وجدنا كيف أن تجار هذا الزمن كانوا يتصارعون ويتسابقون لرفع أسعار المواد الغذائية مع قدوم الشهر الفضيل؟!.
أما الزكاة فلا أعتقد أن 98% من أغنياء المسلمين يؤدونها، أو حتى أنهم يعتبرونها فريضة من فرائض الدين شأنها شأن الصلاة والصوم، فأنا لم أسمع أن أحد أغنياء كردستان على سبيل المثال قد أدى زكاة ماله أو تصدق على الفقراء، مع أن أكثر هؤلاء يمتلكون اليوم المليارات، لأن معظمهم هم من أصحاب النعم الحديثة وإغتنوا بسبب الفساد الذي عم كردستان في السنوات الأخيرة؟!.

أن هذا المد السلفي الذي يعم العالم الإسلامي اليوم سيعيدنا قرونا الى الوراء، خصوصا مع تسيد بعض الشيوخ وفقهاء العصر على الفضائيات وإطلاقهم للفتاوى المثي والغريبة، وكم تمنيت وأنا أسمع أو أٌقرأ تلك الفتاوى، لو أن علماءنا ومشايخنا ركزوا بدل جواز قتل الفئران أو رضاعة الكبير،على آيات الله البينات حول القيم والتعاليم الإسلامية النبيلة مثل، الشورى والمجادلة بالحسنى والتسامح والعفو وغيرها من التعاليم السماوية، ويربوا أجيالنا الحالية على ضوء تلك التعاليم السامية، فالشورى التي تعني الديمقراطية شرعها الله لنا بكتابه المنزل قبل أربعة عشر قرنا، ليكون المجتمع الإسلامي قدوة وسباقا على جميع المجتمعات الإنسانية التي تتبجح اليوم بديمقراطياتها..
وكم سيكون مفيدا لو أشاع فقهاء هذا العصر قيم ومثل التسامح والعفو الذي هو أقرب للتقوى،بدل تشجيع المسلمين على القتل والإنتحار ومطاردة الفئران، وأشاعوا مفاهيم المجادلة بالحسنى بين الناس، بدل المجادلة بالرعب والقتل وتفخيخ السيارات والعرابات وإغتيال الناس في وضح النهار وهم في الغالب الأعم من المسلمين أمة محمد الذي كفر دينه قتل المسلم بغير الحق..

كم سيكون رائعا لو تكرم فقهاءنا ومشايخنا بتييسير هذا الدين وتبسيط فرائضه بدل تعقيدها، وهذا ممكن بفضل الخزين الثر من الإجتهادات الفقهية إذا تحروا عنها، فالعصر الحالي يختلف كلية عن العصور الغابرة التي لم يكن للناس هموم كما اليوم، ففي تلك الأزمان لم يكن هناك ما يشغل المرء غير أداء فرائض الدين إبتداءا من صلاة الفجر الى العشاء ومن ثم قيام الليل، ولكن تلك الفرائض أصبحت اليوم حملا ثقيلا تنوء به الجبال، فكيف بإنسان العصر الذي تكثر حوله المغريات من شتى الإتجاهات، ويصعب عليه التفريق بين الحلال والحرام، ولا يستطيع الإلتزام بالكثير من تلك الفرائض بسبب تعقيدات العلماء، فكم مصليا للفجر يراه الإنسان في مسجد حيه؟.
أنا أعتقد أن أغلبية المصلين اليوم لا يؤدون صلاة الفجر لا في المساجد ولا حتى في مساكنهم، بسبب تغير مواقيت دوامهم وأعمالهم، فلم تعد غالبية المجتمع الاسلامي، مجتمعات زراعية أو فلاحية حتى يخرج الإنسان من أداء صلاة الفجر الى المزارع والبساتين ليبدأ يومه، فمن الصعب جدا أن يقطع الإنسان نومه للقيام بأداء صلاة الفجر. ولا أقول ذلك لتغيير فرض من فروض الله وهو الصلاة، ولكني أعتقد أن الكثير من تفاصيل تلك الفروض يمكن تخفيفها وتييسيرها للناس والعباد إذا ما حول فقهاء هذا العصر جهودهم نحو المخزون الهائل من الإجتهادات الفقهية، بدل تحويل إهتمام المسلمين الى صيد الفئران أو تشجيع النساء على الإنتحار وقتل الناس في الشوارع.

شيرزاد شيخاني

[email protected]