حسنآ فعل رئيس إقليم كردستان العراق السيد ndash; مسعود بارزاني ndash; عندما ندد بشدة بالعملية التي إستهدفت فيها قوات الدفاع الشعبي التابعة لحزب العمال الكردستاني قبل يومين موقعآ عسكريآ تركيآ يقع على مقربة من الحدود التركية مع إقليم كردستان العراق وأسفر حسب الرواية الرسمية التركية عن مقتل خمسة عشرة جنديآ وثلاثة وعشرين من المهاجمين، إذ أن إستهداف موقع عسكري لا يبعد سوى أربعة كيلومترات عن الحدود الدولية التركية ndash; العراقية يعطي مصداقية للدعاية الرسمية التركية المكثفة التي تصور النضال الكردي من أجل الحقوق المهدورة كمجرد إرهاب يصدر إلى البلاد عبر الحدود، كما أن توقيت الهجوم الذي جاء قبل ثلاثة أيام فقط من مناقشة البرلمان التركي لتمديد التفويض للجيش بملاحقة أنصارحزب العمال الكردستاني في عمق الأراضي العراقية جاء ليعزز مواقع القوى المعادية للديمقراطية وللحقوق المشروعة للشعب الكردي، أي عين القوى التي يفترض أن حزب السيد - عبدالله أوجلان ndash; يناهضها.


والواقع أن السياسات المغامرة و اللامسؤولة التي دأب حزب السيد أوجلان على إنتهاجها منذ بروزه المفاجئ على الخارطة السياسية الكردية قبل مايقارب الثلاثين عامآ بلغت اليوم درجة من الخطورة بات معها إلتزام الصمت حيالها أمرآغير مقبول على الإطلاق. من(بفتح الميم) من جهابذة quot;الفكرquot; الأوجلاني سيفسر لنا مثلآ ماهية مصطلح quot;الكونفدرالية الديمقراطيةquot; التي تفتقت عنها عبقرية quot;الزعيم الأوحدquot; في مقر إقامته في ndash; إيمرالي -، وماذا يميزها عن مصطلح quot;الجمهورية الديمقراطيةquot; وهي quot;منتوجquot; آخر للزعيم ذاته، وكيف يمكن حل القضية الكردية في شمال كردستان في إطار quot;إحترام ثوابت الدولة التركيةquot; التي تقوم على أساس ( شعب واحد، لغة واحدة، علم واحد)، كيف يمكن الثقة برجل تطوع على شاشات التلفزة العالمية أمام عيون الملايين من الكرد المذهولين وغيرهم في أصقاع العالم المختلفة على متن الطائرة التي أقلته من كينيا إلى مقر قيادته الجديد بخدمة الدولة التركية، وإذا كان الجنود الأتراك الذين قتلوا في الحرب الإجرامية التي يخوضونها في كردستان quot;شهداءquot; كما قال السيد ndash; أوجلان ndash; في مرافعته أمام المحكمة التركية فماذا يكون المقاتل الكردي إذآ، وهل أن باني الدولة الإستبداديه التركية ndash; كمال آتاتورك ndash; برئ فعلآ من جرائم الإبادة الجماعية التي إرتكبتها الدولة التركية في عشرينات و ثلاثينات القرن المنصرم تحت زعامته و أن الأمر برمته كان من تدبير الإنكليز وquot;الصهيونية العالميةquot; كما يصرالسيد - أوجلان ndash; في quot;رسائلهquot;المتسربة من مقر قيادة الثورة في ndash; إيمرالي ndash; أم أن وراء الأكمة ماوراها، وأسئلة أخرى كثيرة لن نجد لها ردآ من لدن كتاب وشارحيquot;النظرية الأوجلانيةquot; المشغولين بتسليط الضوء على التجليات الإعجازية في فكر القائد الملهم وحث الجماهيرعلى السير على هدى فكره النير كتجسيد للطموح البشري نحو الكمال المطلق ndash; كذا -.


لست هنا في وارد تفكيك وتقييم ndash; الآبوجية ndash; فكرآ وممارسة، لكن ذلك لايمنع من الإشارة ولو في عجالة إلى أن quot;الكونفدرالية الديمقراطيةquot; مثلا ليست إلا لغو كلامي أدرج في التداول كبديل عن المشروع الوطني الكردي القائم والمتجسد في فيدرالية - كردستان العراق ndash; الإنجاز الأكبر في تاريخ النضال الوطني التحرري الكردي رغم كل ما يمكن أن يقال عنه من مثالب، أما quot;الجمهورية الديمقراطيةquot; وهوالصياح الأعلى في سوق الشعارات الأوجلانية والأكثر رواجا يد بيد مع شعار(لا نريد كردستان بدون أوجلان)، فإن المراد به ndash; أبوجيآ ndash; هو الجمهورية التركية الحالية ndash; بشحمها ولحمها ndash; أي بكل إستبداديتها و شوفينيتها وعداءها لكل ماهو كردي مضافآ إليه إطلاق سراح أوجلان، وأطلاق يد حزبه لإعادة ثأهيل الكرد بما يتناسب و مشروع السيد ndash; أوجلان ndash; الجديد والمتجدد في إعادة تشكيل وتحصين الدولة التركية الآتاتوركية العتيدة. وإذا كانت المسألة كذلك وهي كذلك بالفعل، فهل يستحق الأمر إطلاق ثورة عرمرم وقودها الشعب الكردي برمته، أدت إلى ما أدت إليه من قتل وتدمير وتهجير طال الآلاف بل الملايين من الحيوات البشرية فقط من أجل إطلاق سراح رجل واحد، حتى لو كان هذا الرجل بقامة السيد أوجلان، ومن أجل بعض الحقوق الثقافية البسيطة التي يمكن أن تكون موضوعا لعمل منظمات حقوق الإنسان وغيرها من منظمات المجتمع المدني الذي يزخر بها المجتمع الكردي في كردستان الشمالية والتي يمكن أن تجدي نفعا في تنبيه العالم إلى المأساة الكردية أفضل بكثير من حزب السيد أوجلان الذي تضعه الأغلبية الساحقة من دول العالم على قائمة المنظمات المنظمات الإرهابية.


هناك حاجة قصوى لتحرير حزب العمال الكردستاني من الأفكار الآبوجية العقيمة التي باتت بتوجهاتها الفكرية المساومة على الحقوق الثابتة لشعب كردستان في الإنعتاق من الإستبداد و التمتع بحقه الطبيعي في تقرير المصير تشكل تهديدا وجوديا ليس لشعب كردستان الشمالية وحسب، وإنما لشعب كردستان ونضاله التحرري في كل مكان، والأمل في ذلك معقود على الملناضلين الكرد قادة ومثقفين ونساء ورجال عاديين من أصحاب الضمير الحي، وعلى الخصوص مناضلي حزب العمال الكردستاني الذين سطروا بتفانيهم وتضحياتهم الجسام أروع آيات البطولة والإقدام مروغين أنف الجيش التركي المتعجرف في الوحل.


وعود على بدء. لماذاهذه العملية الآن بالذات؟ ولماذا في هذا المكان بالذات؟ أليس من الواضح وضوح الشمس في يوم صيفي أن تنفيذ العملية بالشكل الذي تمت به جاء كهدية من السماء للطورانية الحاكمة في أنقرة لتشديد وتيرة إضطهادها لشعب كردستان الشمالية وتصوير فعلتها الإجرامية هذه كحرب على الإرهاب من ناحية مع محاولة إجتياح أراضي كردستان العراق عسكريا بحجةquot;ملاحقة الإرهابيينquot; من ناحية أخرى، وهو آخر مايحتاجه الإقليم الكردي في هذه الفترة بالذات؟ هل يعقل أن الذين خططوا لهذه العملية هم من السذاجة بدرجة لايستطيعون معها القراءة المستقبلية لرد فعل الطرف المقابل؟ إذا كان الأمر كذلك فهو مصيبة، أما إذا كانت العملية مع ذلك خططت عن سابق إصرار وتصميم فإن المصيبة أعظم.

عبدالرحمن علي