ثمة تحركات و جهود داخلية واضحة في العراق بدأت مؤشراتها بالظهور تنبيء بأن الأحزاب و التيارات الطائفية التي تخطط لإدامة هيمنتها رقم فشلها المريع في إدارة الوضع العراقي قد وضعت خططها الستراتيجية المدعومة بالخطط الجاهزة التي هيأتها الدوائر الإيرانية المسؤولة عن الملف العراقي لإحداث متغيرات ديموغرافية مهمة في الوضع العراقي و في النسيج الإجتماعي للشعب العراقي من خلال إستغلال ملفات الفوضى التي تركها النظام السابق في قضايا التجنيس و التهجير و سحب الجنسية و التلاعب بهوية المواطنين وفقا للولاءات الطائفية أو الحزبية، و لا يخفى على أحد بأن النظام السابق وفي إطار كواليس حربه الخليجية الأولى و ضمن مسلسل الحفاظ على السلطة البعثية قد إرتكب هفوات و أخطاء إنسانية قاتلة ترقى لمستوى الجريمة، فبعد إزدياد و إستعار المواجهة بين الأحزاب الدينية و النظام العراقي السابق البائد أواخر السبعينيات من القرن الماضي مارس نظام صدام أساليب تصفية و قهر و سحب للحقوق المدنية للعديد من المواطنين العراقيين من الأغنياء و التجار و أصحاب المصانع بهدف تحقيق سياسة ( تجفيف المنابع ) بعد دراسة الحالة الثورية في إيران و دور تجار البازار الإيراني في إسقاط نظام الشاه السابق و دعم المؤسسة الدينية للوصول للحكم!!

و رغم أن الوضع الإجتماعي العراقي و طبيعة المؤسسة الدينية الشيعية في العراق و طبيعة التطور الإجتماعي العراقي مختلفة بالكامل و المطلق عن الحالة الإيرانية لأن تجار البازار الإيراني كان لهم دور كبير و مؤثر في قيادة الحركة الثورية و في تغيير الأوضاع في إيران منذ مرحلة ما قبل حركة المشروطية أوائل القرن الماضي و لم يتسن ذلك الدور أبدا لطبقة التجار العراقيين المختلفين بالكامل عن نظرائهم الإيرانيين و المرتبطين بالدولة و النظام في العراق إلا فيما ندر!!

إلا أن إجراءات التسفير و الإبعاد و سحب الجنسية و الهويات الشخصية و تهجير العوائل بالجملة نحو الحدود الإيرانية في ظل ظروف بشعة خالية من الإنسانية كانت من الجرائم الإنسانية الكبرى التي لم تفتح ملفاتها بعد، فقد تم كل شيء في ظل حالة مريعة من التعتيم الإعلامي الخارجي و أختفت كل ممارسات النظام البعثي البربرية تحت ستار صيحات الحرب و دخانها و إتهام الناس بالجملة و المفرق دون دليل و لا إثبات و لا تهمة معينة، لقد شاهدت بأم عيني إعتبارا من شهر نيسان ( إبريل ) عام 1980 ممارسات بشعة لإعتقال مئات الشباب العراقيين الذين عرفناهم و كانوا زملاء لنا في المدارس و الجامعات و بعضهم كان من ضباط الجيش العراقي و البعض الآخر كان من كبار الأعضاء في الجهاز الحزبي البعثي نفسه من الذين تحولوا بجرة قلم لإيرانيين و أبعدت عوائلهم في ظروف بريرية بشعة بعد تجريدهم حتى من ملابسهم و مصادرة أموالهم بتعسف غاب عنه الضمير الدولي و الإنساني فيما أعتقل الشباب منهم دون ذنب و لا جريرة و لا تهمة ليقضوا حياتهم في السجون العديدة و المرعبة و ليتم القضاء على أعداد كبيرة منهم في حملات إعدام بربرية تجاهلها الرأي العام الدولي بالكامل، و هي ملفات بشعة لم تفتح كل أوراقها بعد و تجاهلتها الإدارة الأميركية كما تجاهلها المجتمع الدولي، و عندما هجرت آلاف العوائل لإيران كانت الغالبية العظمى منها غريبة هناك لا تعرف اللغة و لا الثقافة و لا تملك ما تستر بها عريها أو تسد به جوعها سوى ما وجدته في مخيمات اللجوء الإيرانية و التي كانت مخيمات للذل البشع و للمهانة التي لا حدود لها و حيث تعرض العراقيون لمعاملة بشعة من السلطات الإيرانية إتسمت بالعنصرية و تحديد الإقامة و منع التنقل بل حدثت حالات إغتصاب و تزويج بالقوة و مساومات فظيعة على الكرامة البشرية و الإنسانية، وقد كانت مخيمات اللجوء في ( جهرم ) و ( خرم آباد ) و ( أزنا ) و ( الأهواز ) و من ثم تحول بعض العوائل للسكن في ( قم ) أو ( دولت آباد في طهران ) بعد الحصول على الكفيل الإيراني! عنوانا تاريخيا لمرحلة بشعة عايشناها و رأيناها رؤى العين و كتبنا عنها كثيرا حينها في صحف المعارضة العراقية السابقة طيلة عقدي الثمانينيات و التسعينيات، لقد أرادت السلطات الإيرانية من المهجرين أن يكونوا عملاء و جواسيس على وطنهم الذي ظلمهم فيه حاكمه المستبد الأهوج صدام حسين، وقد وجدت تلك السلطات ضالتها في بعض العناصر المتساقطة و لكن غالبية المهجرين كانت تبكي الوطن المضاع و الأبناء المغيبين و الحقوق المسلوبة و صمت و تجاهل الضمير الدولي و الإنساني و تعسف السلطات الإيرانية و نفاقها و ريائها إضافة لتعسف بعض قادة المعارضة الطائفية الذين إرتضوا أن يلعبوا دور الجلاد لمصلحة النظام الإيراني و الأسماء معروفة للعراقيين، وكانت قمة العنصرية الإيرانية المقيتة في القرارات القراقوشية التي أصدرها وزير داخلية الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي و المدعو حجة الإسلام و المسلمين عبد الواحد موسوي لاري و التي كانت قرارات نازية معيبة صدرت في ظل نظام الولي الخراساني الفقيه و منها منع عمل العراقيين أو زواجهم أو تعليمهم و سجن كل رب عمل إيراني يشغل عراقي!!

و الحجر على تحركاتهم!! وهي قوانين غريبة و لكنها معبرة عن حقيقة الدوافع النفسية الحقيقية لقادة النظام الإيراني، وبعد سقوط نظام صدام عمت الفوضى الشاملة و لم تعد الحقوق لإصحابها بل تحول العراق بأسره لمزرعة للصوص الجدد من الذين إلتهموا الكيكة العراقية بنهم و جشع، و اليوم بدلا من أن تصاغ قوانين تنصف من ظلمهم نظام صدام و تعيد الحقوق لأصحابها فقد نفذت مخططات لتجنيس مواطنين إيرانيين لتحقيق أهداف إنتخابية واضحة لأهل الأحزاب الطائفية الفاشلة و المرتبطة بأسيادها السابقين و اللاحقين و ضمن عملية التخادم السياسي و المصلحي المعروفة، وضع المهجرين العراقيين بحاجة لمؤتمر وطني عراقي شامل تشارك فيه المؤسسات الدولية و الإنسانية الفاعلة لفتح الملفات و إنصاف المظلومين بدلا من ترك المجال واسعا لغلمان الولي الخراساني الفقيه في ضرب ضربتهم و ( تفريس العراق ) عبر تعريب الأجانب و تجنيسهم في واحدة من أكبر القنابل الموقوتة في طريق المستقبل العراقي الضائع... فهل من ناصر أو معين..!

داود البصري

[email protected]