تُرى ما الذي يحمل إيران على التّسلي بصواريخ quot; سلوان quot; على أرض الجزيرة الإماراتية المغتصبة : ( أبو موسى ) التي لا تبعد أكثر من ستين كيلومتراً عن الساحل الإماراتي؟ هل وصلت العلاقة بين الجارتين حدَّ القطيعة والمقاطعة، الذي لا رجعة بعده، إلا عن طريق الكر والاستنفار؟ ما الذي أثار حفيظة طهران؟ أهو الخوف من جارتها الصغيرة، المتسلحة دائماً وأبداً بالأناة والروية في وجه الاستفزازات؟ أم تطبيقاً للقول المأثور : ضربني وبكى، سبقني واشتكى؟.


إذا كانت حكمةُ طهران، المحافظة والإصلاحية، لا ترى دواءً لهذا quot; الدّاء quot; فلماذا الإحجام عن الاستعانة بحكمة الأصدقاء والحلفاء وهم كثر والحمد لله؟؟ ولماذا الإصرار على عدم تلبية الدّعوات والصيحات المنادية بالتّحكيم الدولي؟ ولنقل التّحكيم الإسلامي أيضاً؟ هل هو الرّهبة من (( يكاد المريب أن يقولَ خذوني ))؟ أم الخوف مما ستكون عليه نتائج التحكيم؟ إن الإمارات هي الأُخرى تتوجس خيفةً من تلك النتائج، ولكنها _ على الصعيد النفسي _ الأكثر استعداداً للقبول بها.


نحن لا نعلم بالنّوايا الحقيقية لحكام طهران، وما تضمره هذه النوايا للمنطقة برمتها، آجلاً وعاجلاً، لكننا نعرف _ على الأقل _ معنى ( التقية ) لغةً ومذهباً، أليست هي ضرباً من التزلف؟ وكم سيطول أمد هذا التزلف؟ ومن ذا الذي سيصدّق ما تشير به الأبصار وما تكنه البصائر؟


إن اللعب بالنار قد يحرق أصابع اللاعب أولاً، وربما ارتدّ إليه لَعبُهُ حريقاً هائلاً يأتي على الأخضر واليابس، إن العبر ما زالت ماثلةً لنا، ولا حاجة للبحث عنها بمنظار، أو بمكبر للصورة. إن مسؤولية حفظ الأمن في المنطقة مسؤولية مشتركة بين دولها، يستوي في ذلك الصغير والكبير، فلماذا الاستفراد؟ وإذا كنا نُقرُّ بالجار قبل الدار، فمسؤوليتنا تجاه بعضنا تصبح مسؤولية أخلاقية، تبدأ بتبادل الاحترام قبل تبادل المصالح، وهذا مبدأ لابد من ترسيخه والإبقاء عليه بين ضفتي خليجنا، أما إذا ألحَّت طهران على موقفها المناقض لهذا المبدأ، فالضرورة تقتضي إعادة النظر في العديد من المفاهيم التي تحكم العلاقة بين الطرفين.


(( من الحلمِ أن تستعملَ الجهل دونه إذا اتسعت في الحلمِ طرقُ المظالمِ ))
إن الضغوط التي تتعرض لها طهران اليوم، وخاصةً من قبل واشنطن والعواصم الغربية المتحالفة معها، ما كان في يوم ما الأيام بتحريضٍ منا نحن جيرانها، ولا حتى من الأشقاء العرب،إنما هو ضغطٌ ناجمٌ عن سياسة طهران النووية كما يراها الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون، لا كما نراها نحن... وإن كنا لا نخفي تخوفنا من وجود السلاح النووي في منطقتنا. ونحن لو علمنا علم اليقين ببرنامج طهران النووي وسعيها إلى تصنيع السلاح الذريّ، فما الذي نستطيع فعله؟ واستدراكاً نستطيع أن نشجب، ونندد، ونصدر البيانات، وقد ندعو إلى مؤتمر قمة، وربما أقل من القمة ! طالما بقينا عبيداً لا سادةً على مستوى صنع القرار والفعل، ولو كان في مقدورنا الفعل الإيجابي لما ذهبت فلسطين، ولما تجرأ صهيونٌ على منعنا من الصلاة في المسجد الأقصى، الذي باركنا حوله !. ولما بقيت غزة محاصرةً وهي المحاطة بالملايين من العرب. إن القضية الفلسطينية شاهد quot; ملك quot; على ضعفنا وهواننا مجتمعين فكيف بعرب الخليج الذين مالهم في مجلسهم ( التعاوني ) سوى اسمه؟ لكن طهران قلّ أن ترى ذلك، لأن العنصر العربي هو الخصم التاريخي لها، إنها بكل صراحة تريد الثأر لـ( ذي قار ) و ( القادسية )، ولم تكتفِ بما أدّاه لها ابن العلقمي سابقاً، وابن الدَّيْلمي لاحقاً على أرض الرّافدين!


فيا طهران، سنقول لكِ علناً، جهاراً، نهاراً : نحن لا نملك سلطاناً على واشنطن وأساطيلها وقواعدها لا هنا ولا هناك، ولو كان لنا ذلك السلطان لما سمحنا لها أن تمُدَّ أعداءنا بالسلاح والعتاد بلا حدود، وتحرم الفلسطينين لقمة العيش ! إن واشنطن وحلفاؤُها يتصرفون وفْقَ ما تمليه عليهم مصالح شعوبهم التي هم أعلم بها، وبكيفية الحفاظ عليها وتأمينها، وهم لديهم من القُدرات ما يُعْلَمُ ومالا يُعْلَمُ. فمتى يا تُرى تكون للحكمة والعقل دور فيما تقوله وتفعله طهران؟ أليس من الأجدى بها الانصراف إلى تحسين المستوى المعيشي لسبعة وسبعين مليون إيراني؟ أكثر من نصفهم تحت خط الفقر؟ أليس من الفائدة لها تبديد سحب الشك والريبة التي تلبّدت بصفاقة في سماء المنطقة منذ ثورتها (( الإسلامية ))؟


أنتِ يا طهران متهمة في لبنان، وأنتِ متهمة في فلسطين، وأنتِ متهمة في اليمن، وأنتِ متهمة في السودان، وأخيراً وليس آخراً أنتِ متهمة في المغرب، فإلى أين تتجه بنا الأهواءُ في بحر تتلاطم أمواجُهُ وتهبُّ رياحُه بما لا تشتهي سفننا؟.

محمد خليفة بن حاضر
دبي

( سلوان ) : اسم الصواريخ التي نصبتها
إيران في جزيرة أبي موسى مؤخراً