و كمْ ذا بمصر من المُضْحِكات.. و لكنه ضحك كالبكا..
المضحكات في مصر كثر، وإليكم مُضْحِكة تؤكد قول المتنبي أعلاه، وتضيف فيضاً لمتسع الضحك القادم من أرض النيل،و إلا كيف يمكن أن نفسّر قول رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور فتحي سرور، عبر إجابته على سؤال في مقابلة خلال برنامج quot;حديث المدينةquot;،الذي تبثه القناة الأولى بالتليفزيون المصري، ويقدمه الإعلامي مفيد فوزي..كان السؤال عن نائب مصري رفع حذائه على زميله،في حادثة كُتبَ عنها الكثير مؤخراً.. رئيس مجلس الشعب المصري، وجد فِعل النائب( أشرف بدر الدين) غير مبرّر،ويستحق عليه إحالته إلى لجنة القيمِ بسبب quot;إخلاله بواجباتِ عضويته من حيث التقاليدquot;، و ثبوت التهمة عليه،وبالنتيجة؛ حرمانه من حضور الجلسات حتى نهاية الدورة البرلمانية.في حين إن فعل الصحفي العراقي منتظر الزيدي،كان عملاً سياسياً يجد التبرير،حسب وجهة نظر السيد فتحي سرور، في قوله..quot; وإن كنت أرفض الطريقة التي تم التعبير بها، إلا أن ذلك عمل سياسي يختلف عما حدث في مجلس الشعب؛ لأن ما حدث في مجلس الشعب جاء أثناء الحوار quot;.
وكلمات السيد سرور لا تضيف quot;سروراًquot; إلى المُضحكات في مصر، بل تضيف ضحكاً كالبكاء..فهو يرفض الطريقة،لكنه يعتبر الفعل الناتج عنها عملاً سياسياً،يجد التبرير الضمني؛ حين تَرفضُ مثيلاته،ولا تُنكره.
فهل يمكن أن يفهم من هذا الكلام إن العمل السياسي وطرقه،يختلفان عن الفعل السياسي؟!.
وهل يمارس أهل مصر السياسة في مجلس الشعب،أم إنهم يمارسون الحوار بلا سياسة،ولا فعل سياسي؟!.
ما معنى السياسة في مصر؟..سؤال نتوجه به للسيد رئيس مجلس الشعب المصري. وأسئلة أخرى:هل تختلف المعاني السياسية لفعل ما باختلاف الأرض،والزمان؟.. وهل يجوز التفريق بين السياسة باعتبارها علماً مفاهيمياً له قواعده، وبين السياسة كممارسة وتصرّف وفعل؟.
ولماذا يستحق فعل منتظر الزيدي هذا الحيز الكبير من الاهتمام والتبجيل العربي،ويُستَنكَرُ على الآخرين!، تقليده في إصلاح أمور بلادهم quot;بالجِزَمْquot;!،التي وجد فيها كاتب مصري قبل أيام حزماً وجزماً في المواقف؟!.
لم الكيل بمكيالين؟.
ولِمَ يبيع علينا أهل القاهرة الكلام، لمجرد الكلام؟.لم هذه المزايدات على العراق سياسياً،ولماذا يريدون إن يصبحوا ملكيين أكثر من الملك نفسه؟..لم كل هذا اللهاث والركض خلف عربات القطار العراقي المتجاوز لمحطات الشعارات،والطغيان،والسفسطة؟.
نظرة عامة من بعيد إلى مشهد المتوثبين على التسارع العراقي،تجعلني أقسمهم إلى قسمين-وبمناسبة الحديث عن القطار،سيكون المثال الذي أضربه هنا،عن ذلك القطار المنطلق بقوة- فقسم منهم سأشبّهه باثنين يركضان خلف قطار غادر المحطة للتو،فبينما يصعد واحد منهم- زاحم الآخر الذي تعثر- يجلس الثاني على قارعة الطريق، ضاحكاً بشدة.وحين يُسأل،سنعرف بأنه هو الشخص المسافر، أم الآخر، الذي زاحمه وصعد إلى القطار،فكان هو الشخص المُودِّع!.
وهذا هو بالضبط حال الكثير من المُزايدين.
أما القسم الآخر..فهم باعة كلام،وربما يمتلكون أن يخدعوا المسافر-ذاته- ليبيعوا له القطار وهو يسير على سكّته!..وما أكثرهم في مصر.وكما يقول الشاعر المصري الفذ نجيب سرور في وصفهم.فهو أكثر من يعرفهم لأنه من ضحاياهم، فهذا الشاعر والمؤلف والمخرج والممثل المسرحي المُبدع،حُربَ،وجوِّعَ،وشُرّدَ،وأعتقلَ،وأُدخلَ( المصحة العقلية)،وهو أعقل أهل زمانه،وهو الجدير بأن أنهي هذه الكتابة بذكر فضائله،وأسمه الباقي أبداً...
نجيب سرور. وشتان بين ما تضيفه كلمات هذا الشاعر، وكلمات السيد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري..
يقول الشاعر نجيب سرور في وصف باعة كل شيء - و الكلام بطبيعة الحال- في أحد قصائده الرائعة:
((هنا يباعُ ويشترى..
يا سيداتي.. كل شيء!
حتى القطار يباعُ في وضح النهار..
للقادمين من القرى..!)).
ولنكن ببراءة أهل القرى،شرط أن لا يبيع لنا أحد قطاراً مصرياً. ولكن ننتظر - وببراءة- من يشرح لنا معنى السياسة:السياسة التي لم تصل إلى مرحلة القطار،عربياً،وبقيت في معنى quot;تسييسquot; الخيل وتمرينها.
ولنبق في حدود هذا الوعي العربي،وننتبه إلى معنى السياسة فيه، دون أن يخدعونا؛خديعة ذلك الطفل وهو يسأل والده عن معنى السياسة فيجيبه:
يا بني لن أخبركَ عن معناها وفحواها، لأنه صعب عليك، في سنّك هذه. لكن دعني أقرّب لك القضية.وخذ مثلاً:أنا أُنفق على البيت، لذا فلنطلق عليَّ اسم الرأسمالية.وأمك تنظّم شؤون البيت لذلك سنطلق عليها اسم الحكومة.وأنتَ تحت تصرّفها لذلك فسنطلق عليك اسم الشعب.و أخوك الصغير هو أملنا فسنطلق عليه اسم المستقبل.أما الخادمة التي عندنا فهي تعيش بكدّها وتعبها فسنطلق عليها اسم القوى الكادحة.
وهكذا يمكن لي أن أقرِّب لك معنى السياسة.
وأضاف الأب: يا بني،اذهب وفكّر عسى أن تصل إلى نتيجة تقرَّب لك هذه الفكرة أكثر.
وثقلت الفكرة على الطفل المسكين،في تعريف الأب الفطين للسياسة،وجفاه النوم ليلتها،لينهض قلقاً على صراخ الأخ الصغير،فوجده مبتلاً في فراشه.
ورأى أن يخبر أمه فوجدها تغط في نوم عميق،ولم تأبه له.فأسرّها في نفسه،ولم يتعجّب. لكنه تعجب أن لا يكون والده نائماً بجوارها. وراح يبحث عن أبيه، فأسترق السمع، ناظراً من ثقب الباب إلى غرفة الخادمة، ليرى الأب غافياً في أحضانها.
وفي الصباح قال الصبي لأبيه: في الليلة الماضية، عرفتُ يا أبي معنى السياسة. فتفتحت أسارير الأب بالسرور، بانتظار ما وصل له الابن من معنى للسياسة، قائلاً: وما الذي عرفته عنها؟ فأجاب الصبي: ساعة تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحةِ، ستكون الحكومة نائمة بعمق، فيكون الشعب مهملاً حد الفجيعة، و يصبح المستقبل غارقاً في القذارة!!.
نكتة كنا نتداولها صغاراً..ونضحك من تعريف السياسة بهذه الطريقة.ورغم اعتراضي على الطريقة، quot; إلا أن ذلك عمل سياسيquot;..
ومُضحِكَة أخرى من القاهرة، حيث تَفتَحُ صحف مصر أبوابها لبعض الأقلام المشهود لها بالدفاع عن نظام الطاغية المدان صدام حسين،ومن بين تلكم الأقلام، قلم شهير للكاتب داود الفرحان، وبين كلمات quot;الفرحانquot; والسيد quot;سرورquot;،يحق لي ككاتب عراقي-أنشر في صحف العراق-أن أضحك حدّ quot;الفرحquot; وquot;السرورquot; لكلمات الكاتب وآرائه التي يبثها في برنامج تلفزيوني أيضا، وكان آخرها ما أسمى فيه صحف العراق بquot;ذيول الحكومةquot;.أَفرحُ..وأتذكر دفاع شاعر أندلسي عن أندلسه، بعد ان وجد نفسه محاصراً في مجلس طاغية مشرقي،أراد أن يحرجه،فداهمه بالقول:أيها الشاعر،يقولون إن الدنيا طائر،وذيله الأندلس!،فما قولك.فأجابه ذلك الشاعر دون تردّد،بجواب ألقمه الحجر،قائلاً:صدقت أيها الأمير،وذلك الطائر هو الطاووس!.
وأجمل ما في ذيل الطاووس الصحفي العراقي، تلك الهالة المتعددة من الألوان، وكونها في مجملها،تعتز بمكانتها وحضورها.ولا quot;تفرحهاquot;طريقة الزيدي، ولا quot; تسرّها quot; كلمات من يبرّرون له شائنته؛بحجة سياسية أو غيرها.فهذا الفعل لا يُبرّر من قريب أو بعيد،لأن الغاية لا تبرّر الوسيلة.
علي شايع
التعليقات