أكد البيان الختامي الصادر عن القمة الرباعية التي انعقدت اليوم الأربعاء 11-3-2009 بالعاصمة السعودية الرياض بين قادة السعودية ومصر وسوريا والكويت، أن القمة انعقدت quot;تنفيذاً لإرادة جماعية من قادة الدول لتنقية الأجواء العربية وتحقيق المصالحة استكمالاً لما بدأ في قمة الكويت في 20 يناير/كانون الثاني 2009 من دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لطي صفحة الماضي وتجاوز الخلافات لمصلحة الأمة العربيةquot; وقال البيان إن القادة يعتبرون أن quot;اجتماعهم يمثل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات العربية تسعى فيها الدول الأربع لخدمة القضايا العربية بالتعاون فيما بينهم والعمل الجاد والمتواصل لما فيه خير الدول العربية، والاتفاق على منهج موحد للسياسات العربية في مواجهة القضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينيةquot;.

بهذه العبارات اختصرت وسائل الإعلام العربية البيان الختامي لقمة الرياض للمصالحة العربية- العربية. من الواضح أن البيان الختامي لم يتطرق إلى أيا من القضايا الخلافية، والتي تم الخلاف بناء عليها، والسؤال المباشر والبديهي الذي يطرح هنا، هوquot; ما الذي تم حله من الخلافات في قمة المصالحة هذه؟

وهذا يؤشر على أن القضايا الخلافية لازالت عالقة، ولازالت هذه القضايا لم تحل أبدا، أقله في نظر شعوب المنطقة. ولا يعني أبدا أن وقف الحملات الإعلامية المتبادلة أن هنالك ما تم حله. بل ربما يكون العكس هو الصحيح. يشير إعلامي بارز إلى أن هذه المصالحة ربما تجلب معها إشكاليات إضافية، والسبب أنها استبعدت الشق المغاربي من هذه المصالحة، ويضيف عبد الباري عطوانquot; أنها قمة لم تحل شيئا وإنما أتت وفق أجواء الانفتاح الأمريكي والأوروبي على دمشق، ليعتبر في النهاية أن دمشق هي الرابحة، وهي لن تفك أيا من أواصر تحالفها مع طهران، والذي يعتقد كثر ومنهم السيد عطوان، أن كل هذا الانفتاح والمصالحة تتم بناء على رهان محاصرة إيران وفك تحالفها مع دمشق. واستبعاد قطر والذي حضر أميرها مؤتمر قمة اقتصادي عقد في طهران في نفس التوقيت، يؤشر على أن المصالحات هذه لازالت ناقصة، وربما لن تكتمل أبدا. سنتناول في عجالتنا هذه السياق الحقيقي لأية تحركات عربية- عربية، حيث أننا نرى أن سقف التنسيق العربي هو الوحدة العربية، وهذا أمر لا يمكن له أن يحدث ولن يحدث في ظل النظام العربي الرسمي الحالي. أما السقف الأدنى لهذه العلاقات العربية العربية في ظل هذا النظام العربي، هي إعلان حرب طرف على طرف آخر، وهذا غير وارد بين الدول الثلاث المجتمعة إذا استثنينا الكويت، فهي لاحدود مشتركة بينها تقريبا، وهذه يشير على أن الخلافات ستبقى محصورة ضمن آليات محددة تعبر عن نفسها، في بعض المسائل، كالحرب الإعلامية على سبيل المثال، إذن أن مصالح كل دولة على حدا هي التي تحدد مسارات المصالحة هذه.


العلاقة البينية بين الدول العربية، أو بين أنظمتها، هي علاقة مركبة ومعقدة بتعقيد الوضع في المنطقة عموما، ولكن علينا ألا ننسى أن إيران قد فرضت وبمساعدة من النظام السوري، وحركة حماس وحزب الله، وبسياسة إسرائيلية متواطئة بهذا الشكل أو ذاك من أجل الهروب من عملية السلام من جهة، ومن أجل إضعاف الدور المصري من جهة أخرى. لذا هنالك من يطرح سؤالا ربما يبدو مشروعا في هذه المرحلةquot; ألا تأتي قمم المصالحات هذه من أجل إعادة الدور المصري إلى السياق العربي التقليدي والمتعارف عليه لكون مصر، حاولت اختراق هذا السياق، بنقطتين جوهريتين:
الأولى- طريقة معالجتها للوضع في غزة، وما نتج عن هذه المعالجة في مؤتمر شرم الشيخ، والبدء بمصالحة فلسطينية- فلسطينية. والمضي أبعد مما تريده أنظمة الجامعة العربية في طريقة التصدي للمشروع السياسي الإيراني.

الثانية- عن تجربة مصر في الإصلاح الديمقراطي، رغم كل ما يعتيرها من مثالب، كظاهرة الفساد مثلا، والحديث بشكل غير شفاف عن موقع السيد جمال مبارك سواء من قبل الدولة أو من قبل المعارضة، إلا ان الرجل أقله حتى هذه اللحظة يطرح برنامجا ليبراليا ديمقراطيا وعلمانيا، رغم كل هذه المثالب إلا أنها تجربة إصلاحية وفق سياقات المنطقة، تبدو للكثير من النظم بعبعا يمكن أن يخرج من قمقمه تجربة ديمقراطية متميزة، تشكل نموذجا لشعوب المنطقة، وليس أدل على ذلك هو اهتمام شعوب المنطقة ونخبها السياسية الدائم بتجربة المعارضة الديمقراطية المصرية، ومحاولة الاستفادة منها في نضالها الديمقراطي في بقية ساحاتها. وببساطة أيضا نشير إلى أن القيادة المصرية ليس أمامها سوى، المضي بهذا الإصلاح. وبهذا يمكننا تناول مواضيع المصالحة العربية، وتوسيع دائرة التعاطي معها، لكي نرى السياق الإيراني بحجمه الطبيعي. إيران ومن معها ومن تواطئ معها فرضت ميزان قوى جديد في المنطقة، سواء في العراق، أو في بيروت منذ اجتياحها من قبل حزب الله أيار 2007 وحتى الآن، وصولا إلى أفغانستان فالسيدة كلينتون لم توجه الدعوة لإيران لحضور قمة دولية بشأن الوضع الأفغاني لكي تتناول الشاي مع نظيرها منوشهر متكي. وهذا يعكس أيضا على أن النظام السوري لم يفك تحالفه مع طهران عندما كانت أقل قوة، فهل يفك تحالفه معها بعض أن تبدلت جزئيا موازين القوى في المنطقة و لصالح إيران؟ المضي بالمصالحات العربية لم تعد حكرا على قرار عربي يستطيع استبعاد إيران من سياقاتها، وأكبر مثال على ما نقولquot; هل يستطيع العرب الآن إبعاد الشبح الإيراني عن الشأن الفلسطيني؟ خاصة أن السياقات الدولية معقدة أكثر من اللازم لكي تنتزع من إيران مطالبها كاملة. ولهذا علينا انتظار رأي إيران من المصالحة العربية- العربية.

غسان المفلح