ايلاف من الرباط :تتزايد ظاهرة الطلاق في المغرب بوتيرة مقلقة، حيث أظهرت معطيات رسمية حديثة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الانفصال بين الأزواج، ما يستدعي قراءة معمقة لهذه الأرقام والتدابير المعتمدة للحد من تأثيرها على المجتمع.

ووفقًا لجواب وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مساء الاثنين بمجلس النواب المغربي( الغرفة الاولى في البرلمان)، فإن عدد حالات الطلاق الاتفاقي المسجلة خلال عام 2023 بلغت 24 ألفا و162 حالة، بينما لم تتجاوز حالات الطلاق الرجعي 341 حالة، وذلك من أصل 249 ألفا و89 عقد زواج في السنة ذاتها.

وتشير هذه الأرقام إلى ظاهرة معقدة تتطلب تحليلًا دقيقًا للسياقات الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بها. فالطلاق الاتفاقي، الذي يشكل النسبة الكبرى، يعكس تحولا نحو تسوية النزاعات الزوجية بشكل ودي بعيدًا عن التعقيدات القضائية. وفي المقابل، يثير العدد الضئيل لحالات الطلاق الرجعي تساؤلات حول فعالية آليات الصلح ودور المساعدة الاجتماعية.

استراتيجيات الوزارة

أمام هذه التحديات، أكدت وزارة العدل التزامها بتفعيل سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى الحد من هذه الظاهرة. وتشمل هذه الإجراءات تعزيز التوعية والتحسيس بأهمية الإعداد المسبق للحياة الزوجية، إلى جانب دراسة سبل إقرار منظومة متكاملة للوساطة الأسرية داخل أقسام قضاء الأسرة.

كما أشار الوزير وهبي إلى أهمية تقوية دور مكاتب المساعدة الاجتماعية في تقديم الدعم اللازم للأزواج المتنازعين، مشددًا على الدور الجوهري لمؤسسات مثل المجالس العلمية ومجلس العائلة في تعزيز الصلح بين الزوجين. وتبقى محاولة الصلح إجراءً إلزاميًا وأساسيًا وفق ما تنص عليه مدونة الأسرة، حيث يعتمد القضاة على الاستعانة بجهات متعددة لتحقيق ذلك.

عوامل اجتماعية واقتصادية

لا يمكن فهم ظاهرة الطلاق بمعزل عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب. فالضغوط الاقتصادية، مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، تسهم في زعزعة استقرار العلاقات الزوجية وزيادة هشاشتها. كما يلعب المستوى الثقافي والتعليمي للمتزوجين دورًا بارزًا في تشكيل مفاهيم الزواج وبناء الأسرة، حيث تفرض التحديات المعاصرة تأثيرات مباشرة على استقرار الحياة الأسرية.

مطالب المجتمع المدني لمعالجة الظاهرة

للحد من ارتفاع معدلات الطلاق، يحتاج المغرب إلى تبني رؤية شمولية تتجاوز البعد القانوني لتشمل أبعادًا اجتماعية واقتصادية وثقافية. وتشمل هذه الرؤية التي تطالب بها عدد من الجمعيات المدنية، المعنية بالأسرة والطفولة، تقديم برامج تعليمية تهدف إلى تأهيل المقبلين على الزواج بمهارات التواصل وحل النزاعات، وتطوير منظومة الوساطة الأسرية لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأزواج، بالإضافة إلى تعزيز التمكين الاقتصادي للأسر ذات الدخل المحدود لتخفيف الضغوط المعيشية التي تؤثر على استقرار العلاقات الزوجية. كما تتطلب الظاهرة ترسيخ قيم الحوار والتفاهم الأسري من خلال إدراج موضوعات ذات صلة في المناهج الدراسية وتنظيم حملات توعية تستهدف تعزيز الوعي بأهمية الأسرة في بناء مجتمع مستقر ومتماسك.

ويشكل ارتفاع حالات الطلاق في المغرب ظاهرة تستوجب التعامل معها بجدية وفعالية، حيث أنه رغم الخطوات التي اتخذتها وزارة العدل، فإن التحدي يتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف المعنية، من مؤسسات الدولة إلى المجتمع المدني من أجل تعزيز استقرار الأسر وحماية النسيج الاجتماعي.