لا شك ان تسارع الأحداث و تطوراتها الساخنة في العراق تفرض على صاحب القرار هناك خيارات عدة لتوحيد الساحة الوطنية و للخروج من عنق الزجاجة و للتخلص من الشرنقات الطائفية و التقسيمية التي رسخت مكانتها في الشارع العراقي و التي تنذر أيضا بإحتمالات و سيناريوهات مزعجة ليست للعراق فقط بل لعموم منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وجهود المصالحة التي تقوم بها حكومة السيد نوري المالكي يبدو أنها تواجه تحديات مقلقة للغاية في ضوء الإستعداد الشامل لحملة الإنتخابات التشريعية في خريف العام الحالي و التي ستؤدي نتيجتها لتقرير مسار البلد و مصيره و بشكل يتناغم مع إعادة ترتيب البيت العراقي و التهيؤ لمرحلة ما بعد الإنسحاب الأميركي و الذي يبدو أنه يسير وفق برنامج زمني محدد سيختتم في النهاية بسحب أعداد كبيرة من القوات الأميركية و الإبقاء على قوات النخبة و بعض القواعد الجوية و الستراتيجية، و قد كانت لتحركات الأيالم ألأخيرة أهميتها القصوى على صعيد إعادة رسم الخريطة السياسية و التوجه الرسمي نحو سياسة وفاق وطني و مصالحة شاملة لا يبدو أن الجميع على إستعداد لها في ظل تفاوت القوى الميدانية و الإنشقاق أو الإختلاف الكبير لحد التصادم في وجهات النظر و ما رافق ذلك من عودة قوية للإرهاب و التفجيرات الإنتحارية الهادفة أساسا لإفشال أي صيغة للتفاهم و الحوار و محاولة العودة للمربع الأول و بما يؤكد بأن الحديث الحكومي عن سيطرة أمنية كان مجرد أمنيات، فكل ما حصل و يحصل يؤكد بإن الإرهاب قد أخذ إجازة و إستراحة و لم ينحسر نهائيا عن بلاد الرافدين الحبلى بالمصائب و الكوارث و الأحزان، فعودة بعض السياسيين المخضرمين للعراق و قبولهم للمصالحة الوطنية لا يعني أبدا بأن ألأزمة السياسية في العراق قد شارفت على النهاية أو أن المصائب في طريقها للإنحسار خصوصا أن بعض أولئك السياسيين العائدين لاقيمة لهم في الشارع العراقي و لا مصداقية لتحركهم و قد سبق لبعضهم أن عرض الحوار و المصالحة مع نظام صدام حسين في أخريات أيامه و لم يأبه صدام لهم و تركت دعوات المصالحة لتتطاير مع رياح الحرب التي هبت على العراق و غيرت كل قواعد اللعبة، و الملفت للنظر أن حكومة السيد المالكي قد فتحت حوارا مع البعثيين العراقيين المؤيدين للخط السوري للحزب المعروفين بقيادة قطر العراق!!
و أولئك البعثيون لا يحظون أصلا بشعبية أو وجود فاعل و كان وجودهم في الشام مجرد كونهم واجهة من واجهات حزب البعث التابع للنظام السوري و قوتهم الوحيدة كانت مستمدة من قوة السلطة السورية و ليس من توجه الجماهير لهم إضافة لكون فيادة قطر العراق ( السورية ) تتسم بعدم وجود موقف موحد لقياداتها من الحالة في العراق، فهنالك تيار طائفي إرهابي مؤيد لأعمال الإرهاب في العراق و متورط في بعض صفحاته يقوده الرفيق المخضرم ( فوزي الراوي ) عضو القيادة القومية و المقرب جدا لتنظيم البعث العراقي الصدامي اللاجيء للشام بعد الهروب من الإحتلال!!
و عودة بعثيي الشام لا تعني شيئا لأن قيمتهم الحقيقية لا تتعدى الصفر في أحسن الأحوال، أما التنظيم البعثي الذي يقوده النائب السابق لما كان يسمى بمجلس قيادة الثورة ( عزة الدوري ) فهو الرافض شكلا و مضمونا لكل شكل من أشكال المصالحة مع حكومة المالكي بل أن الدوري قد أصدر بيانا ملتهبا تعرض فيه للمالكي بشدة و رفض أي شكل من أشكال الحوار مما يعني بأن مسألة المصالحة مع البعثيين هي من المهام المستحيلة و التي دونها خرط القتاد كما يقولون، فالبعث العراقي بنسخته الصدامية لم يتغير أو تغيره الأحداث و هو ما زال يرفع نفس الشعارات القديمة و ما زال يمجد بقيادة صدام حسين التي جلبت الكوارث على البعثيين أنفسهم قبل العراق و العالم العربي، ورغم أنه قد تسرب مؤخرا ما يفيد بحدوث و حصول إعادة تقويم لتاريخ و مسيرة الحزب ضمن القيادة المؤقتة التي يقودها الدوري و نائبه ( الدكتور أبو محمد )!
إلا أن وقائع الأحداث تنسف كل مصداقية لتلكم التسريبات، فالبعث العراقي هو البعث العراقي لم يتغير، وحيث لا زالت العديد من عناصره نشيطة و لا زالت خلاياه السرية مبثوثة داخل حتى الجماعات و الأحزاب الدينية!!
و ما زال ناشطا بشكل فاعل في الميادين السياسية و العسكرية و ما تصاعد أعمال العنف و الإرهاب مؤخرا إلا ترجمة لذلك الوجود، البعثيون يعلمون بإستحالة عودتهم للسلطة أو إنفرادهم بها، لكنهم لا زالوا يراهنون على التطورات الداخلية، و ما زالت طرقهم و أساليبهم و ظلالهم موجودة في الواقع العراقي فهم يمتلكون إمكانيات واسعة للتحرك بل و إحداث بعض المفاجآت خصوصا و أن أياديهم طويلة و يمتلكون من الخبرات السرية و الإمكانيات المادية ما يجعلهم رقما مؤثرا على صعيد تعكير الأوضاع و لكن ليست لدرجة الهيمنة على السلطة، وحتى البعثيين المحسوبين على نظام صدام البائد تتنازعهم الصراعات و الإنشقاقات و حملات التخوين المتبادلة و التي هي في النهاية عملة سياسية سائدة في العراق، لا شك أن السيد المالكي يهدف أساسا للخروج من الوضع الحرج و بناء سلطة وطنية تجابه المشروع التقسيمي الطائفي المدعوم من بعض دول الجوار، و لكن مهمته صعبة إن لم تكن مستحيلة بالمطلق فحجم التحديات أكبر من كل ما هو معروف، وبعثيي الشام لن يستطيعوا تقديم الكثير، فيما أزلام صدام و بقايا نظامه ما زالوا يمتلكون العديد من وسائل الإزعاج، وفك الإشتباك بين القوى السياسية في العراق هي واحدة من أعقد ملفات البناء الداخلي، التوتر قائم على كل الجبهات و صيف العراق فضلا عن خريفه سيكون ساخنا بدرجة درامية مزعجة، فالبعث بكل صفاته و أشكاله و مصنفاته، ليس سوى حالة دائمة من العبثية و التخريب، لا فرق بين اهل اليمين و أهل اليسار! فجميعهم في النهاية خيارات تدميرية للأسف...!
داود البصري
[email protected]
التعليقات