لا يختلف إثنان من المؤيدين أو المعارضين للنظام العراقي البعثي السابق في العراق على حقيقة كون ( الرفيق ) علي حسن المجيد وهو إبن عم لرئيس النظام السابق كان بمثابة الروح الشريرة لذلك النظام، وهو قطعا أحد الرموز القمعية المعروفة و أحد أبرز من شارك في كل سيناريوهات و مشاهد الأحداث و الإنتهاكات الإنسانية المريعة التي جرت في العراق طيلة حقبتي الثمانينيات و التسعينيات و حتى نهاية النظام تحت حوافر دبابات المارينز في التاسع من نيسان / أيلول عام 2003 و التي أدت لإعتقال الرؤوس الكبرى في ذلك النظام وهروب القليل منها مقارنة بالعدد الهائل من الرفاق و القياديين الذين وقعوا في أسر القوات الأميركية ثم عرضوا على محاكم عراقية خاصة، بدءا من الرئيس السابق نفسه ( صدام حسين ) الذي نفذ فيه الإعدام قبل عامين مرورا بأقطاب نظامه الرئيسيين من الذين نفذت بهم أحكام مشابهة كان أبرزهم نائبه طه الجزراوي و أخيه غير الشقيق برزان التكريتي و رئيس محكمة الثورة القراقوشية الخاصة السابق عواد بندر السعدون، إلا أن أبرز الوجوه القمعية و التي حكم عليها بالإعدام و لم ينفذ الحكم لأسباب عديدة و تداخلات خاصة كان وزير الدفاع الأسبق و حاكم الكويت خلال الإحتلال علي حسن المجيد ( كيمياوي ) الذي ظلت رقبته في مكانها بعد عامين من أعدام قائده و رفاقه و ظل خاضعا لمحاكمات ماراثونية إنتهت مؤخرا بإصدار الحكم الثاني للإعدام شنقا بحقه و بأحكام متفاوتة للآخرين تراوحت بين البراءة و السجن المحدد أو المؤبد وصولا للإعدام، و علي كيمياوي هو بمثابة أسطورة القمع في نظام البعث و في البلاد التي أنتجت أبرز الطغاة من الذين ظهروا في تاريخ القمع البشري ليس بدءا من الوالي زياد بن أبيه وولده عبيدالله بن زياد ثم الجلاد الأشهر الحجاج بن يوسف مرورا بآلاف الطغاة من الذين تعاقبوا على إدارة العراق القديم و الحديث، وكان الظهور الأبرز للرفيق علي كيمياوي على المشهد السياسي العراقي في تلك القاعة البغدادية الشهيرة ( قاعة الخلد ) التي حاكمت الرفاق البعثيين المناوئين لصدام حسين في تموز/ يوليو 1979 بعد إنقلابه على رئيسه السابق أحمد حسن البكر و التفرد بالحكم و السلطة فقد ورد في سيل الإعترافات للقياديين البعثيين وقتها و منهم عبد الحسين مشهدي و محمد عايش و محمد محجوب و غانم عبد الجليل و غيرهم إسم القيادي البعثي المعتقل منذ عام 1973 عبد الخالق السامرائي كأحد الذين ستفرج عنهم القيادة البعثية الجديدة في حالة إزاحة صدام حسين!

فما كان من علي المجيد الذي كان عسكريا فاشلا و مغمورا برتبة نائب ضابط إلا أن قفز وقال لرئيسه و إبن عمه ( أخذو من هالشارب )!! و تلك كانت إشارة لضرورة إعدامه و فعلا فقد أخرج السامرائي من الزنزانة بعد إعتقال دام لأكثر من ستة أعوام لساحة الإعدام في حديقة القصر الجمهوري ليعدم في مؤامرة لا يعلم عنها شيئا!!

ليبرز بعد ذلك الدور القيادي الأول لذلك العسكري شبه الأمي و ليتقلد المناصب الكبرى من رئاسة المخابرات وحتى وزارة الدفاع حيث حمل رتبة فريق أول ركن ( جنرال بخمسة نجوم )!! وهو الذي لا يفقه شيئا من علوم العسكرية الحديثة، و لا يبرع سوى بالقمع المتخلف و بشهوانيته الفظيعة للقتل و بصلافته و جلفه و بلادته ولم يكن ينافسه على تلك المرتبة العليا في الجهل و الغباء و التوحش سوى إبن شقيقه الأمي الآخر و سائق الدراجة النارية و صهر صدام حسين الذي إنشق فيما بعد وذبحه عمه ( علي كيمياوي ) بيده!! وهو الجنرال حسين كامل المجيد!! في فبراير 1995 و الذي كان البداية الفعلية لتآكل مافيا العائلة العوجوية الحاكمة في العراق و التي صادرت البلد و قضت على حزب البعث و أختزلت كل شيء تحت أبطيها!!

فتصوروا الوحشية عم يقتل إبناء شقيقه و كذلك شقيقه نفسه ثم يخرج متباهيا بفعلته البدائية الشنيعة ليكون قيما و راعيا لمصالح الشعب العراقي!!، لقد كانت مأساة كبرى أن يتسلط على الشعب العراقي في غفلة من التاريخ نماذج من القتلة على تلك الشاكلة، ثم يأتي بقايا البعثيين اليوم ليدافعوا عن تلك المرحلة السوداء و المفجعة من التاريخ العراقي المعاصر و يعتبرونها مفخرة و نضال!! أكيد إن في ألأمر أكبر من حالة نفسية شاذة!!.

ومع تقدم المشروع البعثي الفاشي في العراق كان لعلي المجيد حضوره الكامل و أستطاع بعد التصفيات و الخلافات الداخلية بين أقطاب النظام و خصوصا بعد إبعاد رئيس المخابرات الأسبق و أخ صدام غير الشقيق برزان التكريتي أن يتسلق و أبناء أخيه سلم المسؤوليات الكبرى في النظام إلى الدرجة التي إستدعت برزان التكريتي إلى التصريح علنا بعد الهزيمة في الكويت من أن علي حسن المجيد و حسين كامل المجيد هم سبب بلاء العراق!!

و طبعا معروفة حكاية أسباب خروج برزان من السلطة وهي بسبب رفضه و أشقاؤه لتزويج بنات صدام لأسرة المجيد!! و بقية الحكاية معروفة للعراقيين، و لعل الميزة الكبرى لأسلوب القمع الشامل و الإفراط في اللجوء لعمليات التصفية الجسدية لعلي حسن المجيد و مؤسسة القمع البعثية التي كان يقف على قمة هرمها هي العدالة المفرطة في توزيع القمع و سجلات القتل، فهو في الوقت الذي أولغ في دماء أكراد العراق عبر عمليات الأنفال المعروفة عام 1988 و معروفة قولته الشهيرة و الموثقة تلفزيا ( ألعن أبوهم لا أبو كل دول الله )!!، لم يقصر أبدا أو يهادن في قمع الشعب الكويتي أيام الإحتلال بعد أن عينه سيده حاكما للمحافظة التاسعة عشر ( الكويت ) و تفنن هنالك في أساليب القتل و الخطف و التغييب! كذلك أبدع أيما إبداع بعد شهور في محافظة البصرة و في عموم الجنوب العراقي بعد قمع الإنتفاضة الشعبية و قيامه شخصيا بإعدام المئات من العراقيين دون محاكمة و لا دليل حقيقي و هو نفس الأمر الذي فعله إبن أخيه حسين كامل و القيادي البعثي المشنوق الآخر طه الجزراوي الذي كان خبيرا في فنون الإعدام و التصفية الجسدية الشاملة منذ بدايات الحكم البعثي و تحديدا في مجزرة ( قصر النهاية ) أوائل عام 1970 ( ليلة الهرير ) المعروفة..!

و حيث كان الجزراوي يصدر أحكام الإعدام فيما كان وزير العلوج محمد سعيد الصحاف يذيع أنبائها بفرحة و سرور من راديو بغداد!!.

فظائع فاشية و جرائم رهيبة ظلت لعقود خافية على الرأي العام العربي و الدولي و لم يتح لها حتى الوقت الحاضر أن تسلط عليها الأضواء بشكل كامل و موثق، و لكنها كانت جزءا من الإطار السلطوي لنظام البعث القمعي الذي إنتج أدوات قمع إرهابية سيتحدث عنها التاريخ طويلا... حكم الإعدام و تنفيذه بحق جزار كردستان و الكويت و عموم الشعب العراقي لن يلغي أبدا صفحات التاريخ البشع لدولة البعث التي تهاوت كعصف مأكول أمام الخصم الخارجي بينما إنتصبت بكل قواها وهي تمارس قمع العراقيين بسادية عجيبة لا نظير لها في تاريخ الشعوب المعاصر.

إنه التاريخ أيها الرفاق لا يرحم أو يجامل أحد... و تلك هي العبرة و البداية و النهاية..!.

داود البصري

[email protected]